مستقبل الدولار ..
15 سبتمبر 2025
15 سبتمبر 2025
في النصف الأول من عام 2025، انخفض الدولار الأمريكي (مؤشر DXY) بنسبة 10.7%، مسجلًا أسوأ أداء له خلال هذه الفترة منذ أكثر من 50 عامًا. ورغم تخفيض أسعار الفائدة من قِبَل بنوك مركزية أخرى في الأسواق المتقدمة، مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة إلى تاريخ كتابة هذا المقال، مما يشير إلى أن تباطؤ النمو الأمريكي، وارتفاع العجز، وعدم اليقين السياسي، وتغير تدفقات رأس المال العالمية، وليس فروق أسعار الفائدة، هي العوامل التي تدفع الدولار إلى الضعف.
وبلغ متوسط صافي تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة غير الأمريكية التي تستثمر في الأسهم الأمريكية 10.2 مليار دولار أمريكي بين يناير ويوليو 2024 ، لكن خصص المستثمرون الأوروبيون المزيد من استثماراتهم للأصول المحلية، حيث حققت صناديق الاستثمار المتداولة التي تركز على أوروبا والمقيمة في المنطقة صافي تدفقات قياسية بلغت 42 مليار دولار أمريكي حتى نهاية يوليو 2024. وقال مايكل بيرس نائب كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس: إن الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية أصبح محفوفا بالمخاطر، وخاصة بالنسبة للمستثمرين الأجانب.
حاليا تبلغ حصة الدولار من احتياطيات العملات الأجنبية 57%، وهو ما ينبئ عن انخفاض تدريجي يشهده الدولار، مع توجه بعض البنوك المركزية في العالم نحو تنويع استثماراتها بالاعتماد على أصول مثل الذهب، ووفقًا لمجلس الذهب العالمي، تجاوز طلب البنوك المركزية على الذهب في عام 2024 ألف طن متري للعام الثالث على التوالي.
وتقول كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي: «إن الدور المهيمن للدولار الأمريكي لم يعد مؤكدا». في المقابل يرتفع الدين الأمريكي تدريجيا إلى سقف 41 تريليون دولار، وتُشكل سندات الخزانة الأمريكية جزءا كبيرا من الدين العام الأمريكي، وتُعد أداة استثمارية مهمة للمستثمرين، الأفراد والمؤسسات المحلية والأجنبية، فالولايات المتحدة تكتنز الديون عندما تُنفق الحكومة أكثر مما تجنيه من الإيرادات (الضرائب)، ولسد هذا العجز، تُصدر سندات الخزانة الأمريكية (Treasury bonds). هذه السندات يشتريها المستثمرون الأمريكيون والأجانب، بالإضافة إلى الحكومات والبنوك المركزية حول العالم، فقد أصبحت الديون الأمريكية التزامات مالية تجاه ملايين الجهات حول العالم.
لقد اشتد النقاش حول التخلي عن الدولرة بسبب الحرب في أوكرانيا. وبينما سعت الولايات المتحدة فرض عقوبات وتجميد احتياطيات روسيا النقدية، برزت القوة العقابية للدولار، ولعل هذا حفّز دولًا أخرى على البحث عن سبل للالتفاف على الدولار.
ومن جانب آخر تعمل دول البريكس على التبادل التجاري فيما بينها بعملاتها المحلية، فإن ما يقرب من 95% من التجارة بين روسيا والصين تتم الآن بالروبل واليوان، وصرح الرئيس الروسي بأن الدولار: «يُستخدم كسلاح. ونحن نرى ذلك بوضوح. أعتقد أن من يفعلون ذلك يرتكبون خطأً فادحًا».
ويبدو أن إزالة الدولرة تكتسب زخمًا، وهو ما يعني التخلص من اعتماد العالم على الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية.
وسواءً احتفظ الدولار بهيمنته أم لا، يبقى المبدأ الأساسي للاستثمار قائمًا وهو ألا تضع كل البيض في سلة واحدة، كما يقول خبراء الاقتصاد، وأنه في عالمٍ يشهد تضخمًا متزايدًا وتحولاتٍ سريعة في ديناميكيات القوة العالمية، لم يكن التنويع يومًا أكثر ضرورة من اليوم .
وبما أن الدولار الأمريكي لا يزال حجر الزاوية في التجارة العالمية، فإن صعود العملات الرقمية للبنوك المركزية في دول عديدة قد تضعف هيمنة الدولار، وخاصة وسط رفض الولايات المتحدة تبني نسخة رقمية من عملتها، مما يجعلها تتخلف عن الركب .
لذا ينحو بعض الخبراء إلى القول بأسوأ السيناريوهات؛ وهو أن تلغي الولايات عملة الدولار، لما للإلغاء من مزايا للداخل الأمريكي، وللتخلص من الديون الخارجية، عكس إزالة الدولرة التي قد يجعل اقتصادها ينهار.
هل يمكن ذلك ؟ لا ندري، فقد فوجئ العالم في الفترات الأخيرة بقرارات من الولايات المتحدة لم يتوقعها أحد سواء دول أوروبا الغربية أو الشرق الأوسط أو غيرها من الدول.
د. طاهرة اللواتية إعلامية وكاتبة
