كلام فنون: بالإشارة إلى ما ورد سابقا

17 ديسمبر 2023
17 ديسمبر 2023

سلام وتحيّة:

سلام إلى الشعب الفلسطيني العظيم ومجاهديه الأشاوس في غزة وكل أرض فلسطين.. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يكلل نضالهم وصبرهم بالنصر المبين، والخزي والعار للمجرمين المحتلين أرض فلسطين. وتحية للفرقة الموسيقية السويدية (Kofia) على أغنيتهم الجميلة (leve palestina) والمعبّرة التي أصبحت أيقونة فنية تلف العالم كله منذ السبعينات القرن العشرين:

تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية

تحيا.. تحيا.. تحيا.. فلسطين

نحن زرعنا الأرض.. نحن حصدنا القمح

ونحن قطفنا الليمون.. وعصرنا الزيتون

وكل العالم يعرف أرضنا

تحيا.. تحيا.. تحيا.. فلسطين

ريف ومدينة وفنون:

لست متأكدا من أن الريف العُماني في أيامنا هذه يختلف كثيرا عن الحواضر، وهذا التسميات ستتحول تدريجيا بفضل الأنترنت إلى شيء من الماضي وقد تكون نهاية هذه الفروقات حتمية عندما تكتمل أنترنت جميع المعاملات والخدمات، وقد يتاح للموسيقيين تقديم العروض الفنية المباشرة عبر الأنترنت للجمهور، وفي ظل هذا المناخ الإلكتروني، من المؤكد أن محبي الريف -أمثالي- أول من ستخف أقدامه عودة إلى الديار القديمة..

ورغم ذلك، فالتقاليد الاجتماعية والثقافية والفنون بشكل خاص لا تتغير بالسرعة التي تتغير فيها المدن والأرياف، وقد يطول عمر بعض التقاليد والممارسات المتوارثة أجيالا طويلة مهما كان نوعها والموقف منها.

عبر تجربتي المتواضعة في العمل الميداني الذي ما زلت أعتبره أفضل وامتع الأعمال التي قمت بها، قابلت ناسا كثيرين من مختلف البيئات الجغرافية والفئات الاجتماعية من أعماق صحراء الربع الخالي إلى أعالي جبال مسندم، وأجرينا أنا وزملائي العديد من التسجيلات السمعية والمرئية للأغاني التقليدية، ومن الملاحظ أن بعض الرواة والممارسين كانوا يعبرون عن عدم رضاهم عن أساليب أداء الجيل الجديد لفنون الغناء التقليدي في هذا الزمن، ويعتقدون أنها في الماضي كانت أفضل بل أن هذا النقد يصل كذلك إلى سلوكيات اجتماعية أخرى.

ومن طرائف العمل الميداني التي ما زلت أتذكرها، أن فلاحا عُمانيا أصيلا قابلته منذ سنوات طويلة وكان شيخا طاعنا في السن، عبّر عن عدم رضاه تجاه سلوك أشخاص قابلهم في العاصمة مسقط، والذكرى الثانية لواحد من جيلي تقريبا يقيم ويعمل في العاصمة لم ير احتفالا بعرس كما شاهده في واحدة من ولايات الشرقية، وهنا سرد عاجل لهاتين الحالتين:

ذهبنا في عمل ميداني إلى ولاية في الجزء الشمالي من سلطنتنا الحبيبة، وكنا نوثق بعض الحرف والأغاني المصاحبة لها بإشراف مديرنا المحترم خلفان بن أحمد البرواني -أطال الله في عمره- ومصاحبة فريق من التلفزيون العُماني. وفي القرية الصغيرة من تلك الولاية التقينا برجل مسن في مزرعته، أكرمنا بالاستقبال والضيافة، وبعد أن أخذ علومنا كالعادة قال: أنتم من مسقط؟ أجبناه: نعم. فعلق منتقدا إنه كان مرة في زيارة لمسقط لإنهاء بعض الأعمال هناك، وأثناء تواجده لم يدعه أي شخص «يتقهوى» عنده رغم كثرة الناس، وكان مستغربا أشد الاستغراب.

وذات يوم كنت في عمل ميداني توثيقي آخر في ولاية من ولايات الشرقية، ويرافقني في ذلك بعض الأشخاص العُمانيين كخبراء في استعمال بعض التقنيات التكنولوجية الجديدة في ذلك الوقت، حيث كنّا نجري نوعا من الدراسة التطبيقية بشأن استعمالها في توثيق التراث الموسيقي العُماني. والمهم صادف أن تواصل معي بعض الأشخاص وأبلغوني أنه يوجد عرس في مكان ما بالولاية وأهل العرس لا يمانعون التصوير في حالة رغبنا في ذلك. فتوجهنا جميعا إلى المكان المعلوم وفي الموعد المحدد بدأ الاحتفال الشعبي وضربت الطبول وصدحت الأفواه وتحركت الأجساد فرحا وابتهاجا. في تلك الأجواء الفنية والاحتفالية أخبرني زميلي الخبير إنه لأوّل مرة في حياته يرى مثل هذا الشيء، فسألته مستغربا ألا تحتفلون بالأعراس في ولايتكم؟ قال: بلا، ولكن ليس بهذه الطريقة بالأغاني والآلات الموسيقية والفرق الموسيقية المختلطة بين الجنسين.

الشعر والغناء عند أوائل المطربين:

حبيبي اليوم ما شوفه.. ودرب الشوق ما يطوفه

قالوا محني كفوفه.. يمر جنبك ولا يسأل

أسأل عنه الجارة.. اللي قريبة من داره

قالت بس يا خسارة.. حبيبك ما يدير البال

حبيبك ما له فاقة.. دائم عند عشــاقه

لابس حجل في ساقه.. وتحت الحجل خلخال

شفت الورد في خده.. وساعة ذهب في يده

ماشي ولا أحد عنده.. لا بس قرمزي وشال

أوائل المطربين العُمانيين أمثال سالم بن راشد الصوري صاحب كلمات ولحن الأغنية: « حبيبي اليوم ما شوفه» والواردة نصها أعلاه، كان لديهم العديد من المهارات الفنية ورغم تواضعهم بالمقارنة بالمعاصرين، إلا أنهم تميزوا ببعضها عن الجيل المتأخر، فقد كانوا مطربين وفي الوقت نفسه ملحنين ويكتبون كلمات أغانيهم بأنفسهم باللهجات العامية. ومن الملاحظ غياب نصوص كبار الشعراء الأدباء العُمانيين في أغاني الرواد، وسبب ذلك يعود -في اعتقادي- إلى أن صلات الشعراء الأدباء (إن صح الوصف) ضعيفة جدا أن لم تكن معدومة مع هؤلاء المطربين، ولا يزال الوضع على حاله تقريبا باستثناء الأغاني الوطنية الموسمية.

أما الشعر العُماني الحديث (أو الحداثي؟) غير مدرج في جدول أعمال الغناء العُماني حتى كتابة هذا المقال. وأعتقد أنه حان الوقت لاستكشاف آفاق فنية جديدة من خلال هذا الشعر الحديث ولغته التعبيرية، ولكن سيكون من الصعب السير في هذا الاتجاه من غير صلة مباشرة بين الطرفين.

مسلم الكثيري موسيقي وباحث