كلام فنون.. المصلحون العظام والموسيقى السلطان قابوس ومحمد علي باشا

13 مارس 2022
13 مارس 2022

اقترحتُ عام 2018 على النادي الثقافي التعاون مع مركز عُمان للموسيقى التقليدية تنظيم فعالية موسيقية بعنوان: (الموسيقى في فكر جلالة السلطان قابوس، المحافظة والتجديد)، وقد اقترحت إدارة النادي عقدها في مبنى دار الأوبرا السلطانية في إطار الاحتفالات بالعيد الوطني المجيد، بهدف إبرازها وكسب نخبة من الحضور والمشاركين.

ورغم الجهود المبذولة من الطرفين المنظمين لم تصل الفعالية إلى المستوى الذي كنت آمله على الأقل من وجهة نظري.

تذكرت هذه الفعالية وأنا أطالع (كتاب مؤتمر الموسيقى العربية)، ودخلت في مقارنة بين أفعال المصلحين العظيمين، وهما المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- والزعيم المصري محمد علي باشا وتشابه أفعالهم وأثرها على واقع الموسيقى في البلدين رغم اختلاف أزمنتهم.

وكان مؤتمر الموسيقى العربية انعقد في القاهرة عام 1932، ونال اهتماما دوليا بارزا، وحضره عدد كبير من علماء الموسيقى العربية وممارسيها من العرب والأوروبيين.

ولا تزال دار الأوبرا المصرية مستمرة في تنظيم هذه الفعالية سنويًا تحت مسمى مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية منذ التسعينيات، وقد تشرفت بحضور الاحتفال باليوبيل الماسي لانعقاده عام 2007 بالقاهرة.

إن المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- لم يكن قائدا سياسيا فحسب بل مصلحا عظيما؛ نظرا لما قام به من إصلاحات ثقافية، أحيت الموسيقى العُمانية ممارسة وتوثيقا وتعليما، ولأول مرة في تاريخ عُمان تولى السلطات السياسية عنايتها بالموسيقى، ويعترف بأهميتها في الحياة الثقافية وصون الهوية، فتوالت توجيهات المغفور له بتأسيس فرق الموسيقى العسكرية، والفرقة السلطانية الأولى والثانية للموسيقى العربية، ومركز عُمان للموسيقى التقليدية، والجمعية العُمانية لهواة العود، والتعليم الموسيقي في المدارس والجامعات، والأنشطة الأخرى التي كانت تنظمها وزارة التراث والثقافة سابقا كمهرجان الأغنية العُمانية، وما يقوم به مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم من خلال جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب والمؤسسات الفنية الأخرى التابعة له وصولا إلى آخر أعماله العظيمة في خدمة الموسيقى إنشاء دار الأوبرا السلطانية في مسقط.

إن إصلاحات السلطان قابوس -طيب الله ثراه- وضعت الموسيقى العُمانية في مسار تنموي لم تشهده عُمان على مدى العصور، ومن واجب المؤسسات القائمة تنظيم فعالية مشتركة سنوية على الأقل تليق بذلك، وتسهم في تطوير دراسات وأبحاث الموسيقى العُمانية وإبراز إبداعات ممارسيها من خلال الندوات العلمية والأمسيات الموسيقية، ويمكن تطوير هذه الفعالية لتكون على مستوى العالم العربي بالتزامن مع مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة.

وبالإشارة إلى إصلاحات الزعيم المصري محمد علي باشا (القرن التاسع عشر) والظروف التي دفعته إلى ذلك فقد كتب عنها باختصار مفيد الدكتور محمود أحمد الحفني في مقدمة الكتاب المشار إليه وصفا يكاد يكون متطابقا مع واقع الموسيقى العُمانية في السبعينيات، واقتبس: (ولما وجد محمد علي باشا أن الموسيقى العربية قد ذوى غصنها لما أصابها من الإهمال طوال قرون متوالية، وأنها صارت فريسة الضياع وعفت ألحانها لعدم تدوينها إلا في القليل النادر الذي تناقله المغنون بالتواتر، ولم يكن له من وعاء يحفظه غير الحناجر تتصرف فيه كما تشاء، وانحطت منزلة الموسيقى حتى غدا احترافها مقصورا على الطبقة الدنيا من الشعب، وأصبحت لا يمكن الانتفاع بها في حاضرها، عمد هذا المصلح العظيم إلى تدارك هذا الحال، فإنشاء في البلاد المصرية على مدة عشر سنوات (1824-1834) خمس مدارس لتعليم الموسيقى في مختلف أنواعها، وتلك المدارس هي، مدرسة الطبول والأصوات بمصر، ومدرسة الطبول بمصر، ومدرسة الموسيقى في الخانقاه، ومدرسة العزف بالنخيلة، ومدرسة الآلاتية بمصر.

وشمل بعطفه ملحن عصره الكبير محمد القباني فجعله كبير الملحنين لديه، وأنعم على ساكنة المغنية بوسام تقديرا لفنها.

وكتب في ذلك العصر السيد محمد شهاب الدين وكان شاعرا مجيدا وموسيقيا ماهرا سفينته (سفينة الملك ونفيسة الفلك) التي جمع فيها الكثير من الموشحات العربية، فكانت عاملا قويا في إنعاش الموسيقى).