كلام فنون : أين موسيقانا من موسيقى الهند وإيران؟

05 نوفمبر 2023
05 نوفمبر 2023

أعتقد أننا في هذه المنطقة وخاصة الجناح الشرقي للجزيرة العربية نجاور أمتين عظيمتين هما إيران والهند اللتان تمتلكان تراثا ثقافيا موسيقيا هائلا، ورغم العوائق الجغرافية التي تفصلنا عنهما، إذ علينا أن نخوض البحر للوصول إليهما، إلا أن الأطراف العُمانية والإيرانية والهندية وصلت إلى بعضها وكوّنت منذ أزمنة غابرة علاقات استفاد منها الجميع. غير أن هذه العلاقات القوية التي كانت ولا تزال في المجالات الاقتصادية والسياسية لا تناظرها صلات ثقافية موسيقية بنفس حجم تلك العلاقات وعمرها الزمني من وجهة نظري. والصلات الثقافية مع الموسيقى الفارسية وصلت إلينا عبر واضعي أسماء المقامات والدرجات النغمية للموسيقى العربية. إن العلاقات والصلات الموسيقية بيننا وبين هذه الشعوب المجاورة لا تعكس في رأي عمق الجوار الجغرافي والتاريخي والاقتصادي والاجتماعي معها.

وهذا لا يعني أن تكون موسيقانا هندية أو إيرانية، فهذا ليس هو القصد، ولكني حينما أقارن بين قوة حضور وتأثير الموسيقات الثلاث في محيطنا الجيوثقافي أجد موسيقانا هي الأضعف، مع أننا لسنا مجتمعا قليل الفعالية أو حديث التاريخ والحضور السياسي والاجتماعي في هذه المنطقة.

نحن اليوم بالتأكيد قادرون على فعل الكثير، وفي موسيقانا عناصر قوة كثيرة بسبب خصائصها الفنية المتنوعة، ومع شيء من التنظيم والتخطيط والتصميم يمكننا صناعة قوتنا الموسيقية الناعمة في محيطنا الجيوثقافي على الأقل. من هنا أطمع وأطمح إلى إصلاح هذا الخطأ التاريخي -إذا كان هناك خطأ- وتعظيم نشاطنا الموسيقي المعرفي بيننا وشعوب الحضارات العظيمة المجاورة لنا في الهند وإيران في الحاضر والمستقبل. ولعل تنويع برامج الحفلات الموسيقية التي تنظمها المؤسسات ذات الصلة نحو مجالات موسيقية أخرى كالمؤتمرات والملتقيات، والنشر والتوثيق المعرفي الموسيقي، وبصفة خاصة برامج وأنشطة رفع الكفاءة الموسيقية ورعاية المواهب في الاختصاصات المختلفة سيعود بالنفع العميق على تنمية قدرات الشباب الموسيقي العُماني واكتساب المعارف والمهارات الموسيقية الشرقية والغربية العالية.

خلال عملي في إدارة مؤسسة موسيقية عُمانية كنت أقابل باحثين من أوروبا وأمريكا واليابان يقطعون المسافات البعيدة إلى هذه المنطقة لدراسة موسيقانا وتراثنا، وفي المقابل لم أقابل أي باحث موسيقي جاء من الهند أو إيران له اهتمامات معرفية كما هو الحال مع الأوروبيين والأمريكيين بصفة خاصة، ومن جانبنا لم نتمكن من اعتماد برامج زيارات موسيقية إلى تلك البلاد لأسباب كثيرة. من هنا تساءلت مرة في واحد من مقالاتي عن سبب الكسل المعرفي المتوارث والمتبادل بيننا وجيراننا في هذا الشأن؟ وهذا القصور في التوق إلى معرفة موسيقى الآخر لا ينحصر علينا في عُمان فقط بل هو ممتد كذلك إلى طرفي الخليج العربي/ الإيراني، بحيث لا أجد ذلك النشاط الموسيقي القوي سواء في الممارسة أو المعرفة النظرية بين هذه الأطراف قديما أو حديثا باستثناء تلك العبارات الغامضة التي يكررها الجميع ويستنسخها عن تأثير عمال فرس في بعض أغاني المدينة ومكة ومن خلالها إلى الغناء العربي الإسلامي المتقن في بداية نشأته في الحجاز قبيل نهاية القرن الهجري الأول.

نحن أطراف حضارية كبيرة في هذه المنطقة العريقة من العالم القديم، ساهم جميعنا ويساهم في العديد من الإنجازات العالمية، ولكن للأسف نجهل موسيقى بعضنا البعض، وهذه معادلة غير مناسبة لأدوارنا القديمة والحديثة والمستقبلية من وجهة نظري على الأقل.

ومن الملاحظ أن الفنان والشاعر الكويتي عبد الله الفرج مؤسس الغناء الكويتي في القرن التاسع عشر كان قد تعلم العزف والغناء في الهند، غير أنه جلب معه إلى الكويت الكثير من الغناء العربي اليمني مع آلتيه القنبوس والمرواس التاريخيتين. ولا أعلم أي تأثير هندي في غناء هذا الفنان الذي عاد إلى وطنه الكويت لأسباب اقتصادية كما حصل مثلا في حضرموت مع محمد جمعة خان في القرن العشرين. أما في مدينة صحار العُمانية فيعتقد مثلا: أن غناء الباكت المنقرض تقريبا يعود إلى تأثير فارسي قديم ظل متوارثا في هذه المدينة العريقة التي تعرف كبوابة الشرق وكانت دائما منفتحة على مختلف الثقافات الشرقية خاصة. وعلى كل حال أبوابنا الموسيقية كانت شبه مسدودة، إلا عن الرياح الإفريقية الشرقية، والسبب في ذلك ربما يعود إلى أن معظم الفئات العمالية البسيطة كانت تنحدر من تلك البلاد، ويقع عليها الكثير من العمل اليومي، ومع ذلك هي أكثر حماسا ونشاطا تجاه ممارسة الغناء والرقص وضرب الإيقاعات، ولها فنون موسيقية عديدة في تراثنا مثل: الميدان، والليوا، والمكوارة، والطنبرة / الطنبورة وغيرها.

مسلم الكثيري موسيقي وباحث