كتاب "وفق نواميس كونية"

23 يناير 2022
23 يناير 2022

خلق الله تعالى الكون وفق نواميس كونية تحكمه وتسيره وتقوده عبر وعي كوني لا يختل توازنه، وتكون تلك الكلمة نابعة عن فكرة لها شأن كبير في صناعة مستقبل وتالي الأيام.

فتلك الكلمة قبل أن تصل إلى مرحلة الكتابة الفعلية، فإنها تكون في وقت مضى قد ارتحلت سابقا عبر بساط من الفكرة، في رحلة طويلة من منشئها الأم، ومنبعها الحقيقي ألا وهو العقل، والذي يسير بها في طاقة تذبذبية في رحلة عبر حقل طاقة يملأ المكان، فتنتقل من الكاتب إلى القارئ، بتأثير لا يمكن تجاهله، وكان لها قبل ذلك محرك رئيسي نابع من الداخل، وما تلك الكلمة إلا تجلٍّ ونتيجة لتلك السببية التي يرى بها الكاتب انعكاس صورة أشياء في الخارج، والمحيط من حوله من أحداث ومعارف جديدة يكتشفها بنفسه، أو أنه يرتطم بها صدفة على نحو فجائي، فتثير في ذاته الدهشة والتساؤل.

وفي مفتتح سلسلة مقالاتي الأسبوعية، وخلافا على مشاركاتي السابقة التي تنقلت فيها ما بين النقد الروائي، وفلسفة قصص الطفل والهوية، والتي تشي في عمقها بتساؤلات أجبتها لنفسي أولا، وشاركتها القارئ فيما بعد. آثرت أن أتحدث عن طاقة الكلمة وقوتها، والتي لا يمكن تجاهلها، والتي أول من يطال تأثيرها هو الكاتب نفسه، وعلى نحو مضاعف للأثر الذي يلقاه القارئ.

أكتب عن تلك الكلمة التي تحمل في مجملها طاقة لا تتبدد، بل تصنعنا من الداخل لا شعوريا، وحتى تلك الكلمات التي لم تلق لها بالا، أو كانت بقدر طفيف من التأثير فإنها تختزل في اللاوعي، ليكون لها هدف أسمى يتوافق مع التنمية الذاتية للقارئ.

وكما يقول روبن شارما في كتابه (قائد بلا منصب): "ماذا سيحدث للسيمفونية إذا خرج واحد فقط من العازفين عن اللحن؟، سيصبح العزف نشازا ويصير الأمر برمته فوضى"، لذا فالكاتب يأخذ معه القارئ عبر كارما الكلمة في رحلة تطوره، وإلا أصبح الفرق بينهما نشازا.

بل إنني أتجاوز حدود المنطق لأقول بكل ثقة إن لكلمة الكاتب قوتها، وإن لم تقرأ ولم تصل إلى المتلقي أو تعرضت للتهميش.

فبمجرد أن يسكبها الكاتب ويضفي عليها بعضا من روحه ومشاعره فإنها ستكون ذات أثر، ولن تظل نكرة وإن كانت كلمات بلا قارئ، فكما يقول غوته: "اعلموا أن كلمات الشاعر دائما تحوم حول أبواب الفردوس، وتظل تطرقها في هدوء، وهي تتوسل أن تحظى بالخلود".

فليس ضربا من الهشاشة الداخلية أن يتأثر القارئ بتلك الكلمة المحاطة بهالة من عمق المعنى، والذي يختبئ خلفها سر عميق، فتجعل المتلقي يفيض حيوية ويشع نورا.

تومض الكلمة في أذهاننا كنبض كهربائي ينقر على تلافيف الدماغ، مخلفا موجات متوافقة مع ترددات تلك الكلمة، فتحدث فينا تغييرا وفق برمجة عصبية، ورغم أن تلك الكلمة ما زالت كيانا مجردا إلا أنها تبقى خالدة، وتتماهى مع الكون ولا تتلاشى، وكما يقول المبدأ الفيزيائي: "الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم"، وليست كتلك الآثار المادية البائدة، بداية من رسومات ورموز الكهوف والتدوينات الصخرية، إلى أن جاءت بعدها الكتابات التصويرية، وتلتها الكتابة بالنقش، كاللغة الهيروغليفية المكتوبة على جدران المعابد والآثار المصرية القديمة، إلى الكتابات المسمارية في اللغة السومرية والأكادية.

فما إن تنطلق تلك الكلمة عن الكاتب، بدءا من استحضار الكلمات، والبحث عن الحقائق، وصولا إلى تشذيبها وتدوينها لنشرها وفق رؤية واستبصار، حتى تأخذ طريقها نحو الهدف أولا، ثم القارئ إن وجد، لتنساب على قلبه وروحه كشلال هادر تسكب قلبه من طاقات وحيوية، وتحلق حوله كرفيف أجنحة فراشات فرح زاهية، أو أن تكون كلآلئ مكنونة يستشفها من النص فيكون لحظة اكتشافه لها كمن حصل على كنز متجدد غير بائد، يتعاظم في داخله لب معنى الكلمة فيفيض منها صفاءً.

فتلك الكلمة التي يجمّلها الكاتب بزخرف القول ومنظومه، يوجهها لتسير في توافق نمطي استقرائي لما يود تحقيقه في نفس القارئ، كبذرة يرميها في يوم ماطر.

وحسب تطلعاتي وهدفي الأسمى، فأنا أعلم جيدا أن كلماتي هي بذور ستجد أرضا لها يوما ما، ليزداد الكون من حولي اخضرارا، داعية المولى العزيز أن تكون سلسلة مقالاتي بذورا حية تذروها الرياح إلى حيث النفوس التواقة للحياة بحب المعرفة.

لأكون معكم في رحلة لي أنا أولا، وتماشيا مع مقولة شكسبير: "تنازلوا عن دوركم في إصلاح الناس، وأصلحوا أنفسكم"، ومجيبة عن تلكم الأسئلة التي تلاحق الشغف والفضول، وتدغدغ بدهشتها تلافيف الدماغ، والتي لن أحصرها في مجال معين، بل هو تجوال متنقل عبر جوانب عديدة، علها تتوافق مع جوانب النفس البشرية المتعددة.

فوزية الفهدية روائية وقاصة عمانية وكاتبة رواية "الجانب الآخر من الحكاية" ولها إصدارات أخرى