حلقات عمل الكتابة الإبداعية وجدلياتها

26 مارس 2024
26 مارس 2024

في رمضان ومع المتابعات البسيطة للشاشة الصغيرة، استوقفني «تتر» مسلسل خليجي بأسماء المشاركين في حلقة عمل الكتابة الإبداعية التي أقيمت لكتابة قصة وسيناريو وحوار هذا المسلسل التراثي المستلهم من الموروث الخليجي، وكما يبدو من حلقات المسلسل فإن حلقة العمل هذه خُصصت للإشراف على كتابة القصة والنص والسيناريو الذي جاء مختلفًا عن باقي المسلسلات الأخرى التي يترك فيها الحرية للمؤلف في كتابة النص والحوار والسيناريو.

قد تكون هذه سابقة في إقامة حلقات عمل الكتابة الإبداعية للمسلسلات على الأقل في منطقتنا الخليجية، غير أن موضوع محترفات الكتابة أو حلقة عمل الكتابة وتعلمها قد ابتدأ منذ زمن طويل في بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة التي عرفت هذا النوع من المحترفات منذ ثلاثينيات القرن الماضي وانتقلت بعدها إلى بريطانيا وفرنسا ومنها إلى باقي الدول الأوروبية، وفي دولنا العربية قد يكون للمصريين واللبنانيين دور كبير في نشر هذه المحترفات بسبب الإرث الأدبي والتاريخي الذي يتكئون عليه في التأليف والكتابة.

ومع تنوع الأصناف الأدبية في الكتابة والتأليف انتشر هذا النوع من حلقة العمل الإبداعية التي تعزز من ملكات الكتابة والتأليف لدى الكتاب والمؤلفين خصوصا الشباب في مجالات كتابة القصة والرواية والكتابة الصحفية وصناعة المحتوى الرقمي والتلفزيوني وفي كتابة النصوص التلفزيونية والسينمائية والوثائقية، وفي بعض الأحيان أشاهد شخصيا إعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي عن حلقة عمل متخصصة لكتابة القصة والمحتوى الرقمي يقدمها أدباء وروائيون وقصاصون وكتّاب من مختلف الدول العربية، ومن وجهة نظر شخصية فإن هذا الحراك الثقافي سيسهم في يوم ما في إنتاج وتفريخ عدد من الكتاب والروائيين والصحفيين وكتّاب الدراما إن تم النظر إليه وتبنيه وصقله.

عراب الرواية العالمية والحاصل على جائزة نوبل في الآداب الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز تحدث عن حلقة عمل الكتابة وأهميتها في صقل مهارة الكاتب حين تساءل في مقدمة كتابه نزوة القصّ المباركة عن: لماذا جئنا إلى حلقة عمل تعلّم الكتابة؟ فيجيب: جئنا لنتعلم تركيب قصّة وكيف تُحكى حكاية. لكن هل هذا شيء يمكن تعلّمه؟». ليستطرد قائلا «إن العالم ينقسم بين من يعرفون كيف تُروى القصص ومن لا يعرفون».

ومع التقدير الكبير للروائي العالمي واعترافه بضرورة وأهمية حلقة عمل الكتابة الإبداعية وللفائدة التي يمكن أن يجنيها الكاتب من تعلم تقنيات السرد القصصي، إلا أن هنالك من يناقض ماركيز وأصحابه ممن يؤيدون هذه المحترفات فيذهبون إلى أن الإبداع هو موهبة فطرية لا يمكن تعلمه في حلقة عمل أو مستخلصات وإن حلقة عمل الكتابة لا يمكنها أن تخلق كاتبا ما لم يكن يتحلى بالموهبة الحقيقية في الكتابة.

بالنظر إلى الإيجابية والسلبية في هذا الموضوع، فإنه من الأسلم الأخذ بالإيجابية المتمثلة في صقل الإبداع وتنميته وغض الطرف عن جوانبه التجارية التي قد لا يكون منها بد، ولعلّي هنا أستشهد بمقال كتبه الروائي السوداني أمير تاج السر عقب تجربته في إقامة حلقة عمل للكتابة الإبداعية أقيمت على هامش جائزة البوكر العربية لتعليم الموهوبين من الروائيين «طرق ومسالك كتابة الرواية الصحيحة» قائلًا: إن تجربة العمل مع الكتّاب الناشئين كانت تجربة مثرية وناجحة وساهمت في إخراج وطباعة بعض الروايات الناجحة، ولم يكن ليتأتى إخراج تلك الأعمال لو لم تكن مثل حلقات العمل تلك والمستخلصات.

في الغرب تطورت فكرة حلقة العمل الإبداعية لتكون مقررات دراسية تدرس في الجامعات والكليات العريقة بمسمى «الكتابة الإبداعية» يدرس فيها الطالب فنون الكتابة الإبداعية في القصة والرواية والشعر والمسرحية والمقال والخبر الصحفي وفنون كتابة السيناريو والحوار وغيرها من الفنون الإبداعية الأخرى. وعلى الجانب الآخر من كوكب الأرض لا زلنا ندرس حتى اللحظة هل نقيم حلقة عمل للكتابات الإبداعية أم نترك ذلك للموهبة الفطرية؟