المبادرات الثقافية .. خطوة نحو الريادة والارتقاء

21 فبراير 2022
21 فبراير 2022

يُمثل إشهار العديد من المبادرات الثقافية في سلطنة عمان، ترجمة حقيقية لتحقيق أهداف الاستراتيجية الثقافية (2021-2040)، الساعية إلى تنظيم وتطوير العمل الثقافي وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع، بهدف ترسيخ الهوية الثقافية وتحقيق الريادة وتنميتها واستدامتها محليًا وعالميًا، فقد أشهرت وزارة الثقافة والرياضة والشباب -الجهة المُنفذة للاستراتيجية الثقافية- عددا من المبادرات في بعض محافظات سلطنة عمان، لتلبي حاجة المجتمع إلى الحراك الثقافي وتمكين المبادرين من تحقيق رغابتهم وبلوغ غايتهم في ممارسة أنشطة مدنية في المحيط الاجتماعي، تسهم في توفير شراكة مجتمعية بين المؤسسات والأفراد، وتُفعّل العمل التطوعي في مجال لم يكن مطروقا من قبل ألا وهو الشأن الثقافي.

ترتبط المبادرات الثقافية مع «رؤية عمان 2040»، في عدة أهداف منها، تمكين المجتمع من تقييم المعرفة ونقدها وتوظيفها وإنتاجها ونشرها، في مجتمع يتصف أفراده بالمسؤولية، ومدركون لحقوقهم وملتزمون بواجباتهم، في مجتمع مدني ممكن ومشارك بفعالية في التنمية المستدامة، وهذا ما يدفعنا للتفاؤل نظرًا لتضمين الرؤية مفردات ذات دلالات عميقة مثل النقد والحقوق والواجبات والمجتمع المدني، لذا نأمل العمل بها لتتأسس ثقافة مسؤولة قادرة على المساهمة في نقل الفرد والمجتمع إلى مستويات الرقي والرخاء.

إن إشهار المبادرات الثقافية ومنح الثقة للعاملين فيها، تُعزز روح المواطنة وتجسد شرطها الأساسي في المشاركة الوطنية وبناء تعاون خلاق بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، لذلك ننتظر من القائمين على تلك المبادرات بذل المزيد من الجهود، وابتكار طرق وأساليب حديثة في التخطيط والتنفيذ، واستثمار الطاقات البشرية لحصاد المكاسب والإنجازات، مع إدراكنا المسبق لحجم التحديات التي تعترض سبيل الحالمين، لكن بالعمل المُمنهج والمحترف يمكن التغلب على المعوقات، كأن يتم إشراك العاملين في إدارات المجالس الثقافية في دورات مختصة بالإدارة الثقافية، لتمكينهم من تنشيط الفعاليات وإدارة الأنشطة وقيادة مؤسساتهم التطوعية وفق علم الإدارة الحديثة.

المطلوب من المبادرات الثقافية توفير إنتاج ثقافي تؤطره استراتيجيات الدولة، ويستند على الخطط الوطنية المعنية بالشأن الثقافي، دون التماهي مع عمل المؤسسات العامة أو المدنية، أو تكرار النمطية السائدة في الفعاليات.

فالمُنتجات الثقافية وصناعة الإبداع جواهر الاستدامة الثقافية، تعكس وعي المجتمع وترصد تحولاته الاجتماعية والاقتصادية.

نعلم أن المورد المالي هو المحرك الأساس لأي مؤسسة من المؤسسات، وينسحب ذلك على المبادرات الثقافية، التي لا تستطيع تسيير أعمالها أو تحقيق أهدافها بدون الحصول على دعم مالي يوفر أبسط شروط النجاح، لذلك لا بد من طرق أبواب مؤسسات القطاع الخاص، وتذكير المؤسسات البنكية ومجالس إدارات الشركات الكبرى بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه أصحاب المصلحة والمجتمع، علمًا أن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في سلطنة عمان لا تزال دون المستوى (تحقيق صحفي 2015).

ربما لعدم وجود نص تشريعي يلزم مؤسسات القطاع بتخصيص نسبة معينة من الأرباح لتنمية المجتمع.

ننتظر في المستقبل إشهار العديد من المبادرات النوعية التي تُعنى بفئات اجتماعية مُعيّنة، مثل مبادرة مختصة بثقافة الطفل، ومبادرات خاصة بالثقافة الجغرافية ومكوناتها، كالسواحل والجبال والبوادي والقرى والمدن والجزر، ومبادرات تهتم بمفردات ثقافية من التراث الشفوي العماني غير المادي، فهذا المجال يستحق الاهتمام نظرًا لتعرضه لخطر الانقراض، وتلاشيه من حياة الإنسان في العصر الحالي.

اللغات والفنون والميثولوجيا والآداب المنتشرة على خارطة سلطنة عمان، تحتاج إلى تجميع وتوثيق ودراستها دراسة علمية بحتة، وهنا نعوّل على الناطقين بها وممارسي الفنون الشفوية على تحمل مسؤوليتهم اتجاه مكوناتهم، كتوثيق ما يستطيعون توثيقه من اللغات واللهجات والمسميات، ويمكنهم الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة في التسجيل والتوثيق بالصوت والصورة.

إن البدايات صعبة في كل شيء، ولكن بالمثابرة والعمل يُمكن تخطي الصعاب، الرهان قائم على الاستمرارية والعطاء، وليس بالأماني والرغبات التي تظلّ مشاعر عاطفية ما لم تُجسد إنجازات على أرض الواقع.