السينما للجميع

05 مارس 2024
05 مارس 2024

في كل مرة يقام فيها مهرجان للسينما يطل السؤال الأزلي برأسه ليسأل إن كنا لا نصنع سينما ولا ننتج أفلاما سينمائية، فلماذا إذًا كل هذا البذخ في استضافة السينما بكل فروعها وتقسيماتها وكذلك السينمائيين يجتمعون للحديث عن صناعة غير موجودة وصُناع يظهرون ويختفون بسرعة البرق بمجرد الانتهاء من المحفل السينمائي؟

وقد لا تكون الفائدة المرجوة من ترسيخ هذه الثقافة موجودة وأثرها غير عميق، ولم نستطع استقطاب إلا بعض منتجي السينما الكبار للتصوير معنا. وكما تثار معنا الكثير من الأسئلة فإنها أيضًا تثار مع المهرجانات السينمائية العالمية الأخرى من كونها نخبوية صرفة تهم فقط من يمتهن هذه الصنعة ولا يمتد أثرها إلى الجمهور المشاهد فضلا عن اتهام السينمائيين وصناع الأفلام أنفسهم من أنهم لا يهتمون بشيء سوى باقتناص الجوائز المالية والعينية فضلا عن الفسحة المتأتية للقاء أقرانهم من مختلف دول العالم.

مع كل هذه التساؤلات المشروعة من قبل المختصين أنفسهم أو المراقبين أو ممن لا يعنيهم الشأن لا من قريب ولا من بعيد إلا أن المتابع لهذا الشأن نجد أن عدد مهرجانات السينما والأفلام في ازدياد مطرد في كل أنحاء العالم سواء تلك التي تقف على ماض سينمائي عريق أو التي تتلمس طريقها نحو العالم السينمائي، في المغرب مثلا يصل عدد المهرجانات السينمائية في مختلف مناطق المغرب إلى 60 مهرجانا سنويا، وفي بريطانيا يصل عدد المهرجانات السينمائية ومهرجانات الأفلام إلى 50 مهرجانا سنويا بواقع مهرجان واحد كل أسبوعين وتشجع الدولة على إقامة المزيد من هذه المهرجانات بإصدارها دليلا استرشاديا بكيفية تنظيم المهرجانات والتسويق والإدارة. الفكرة الأساسية من إقامة مهرجانات الأفلام ومهرجانات السينما لتكون بمثابة التظاهرة الكبرى للدول لنشر الوعي بأهمية الفنون وصناعتها وإظهار الهوية والإرث الحضاري للدولة، وتشجيع الصناعات الإبداعية والثقافية والمعرفية، وخلق جيل من الشباب المنتج للفنون في كافة المجالات إضافة إلى الترويج الدعائي والإعلامي كأداة من الأدوات الناعمة في الترويج التاريخي والطبيعي والتجاري للدول.

بحكم قربي من الأفلام وإنتاجها وصناعتها وتحديدًا الوثائقي منها حين كنت في مرحلة من مراحل العمر شغوفًا بكتابة وإنتاج الفيلم الوثائقي أو التسجيلي، كما يسميه البعض، ويعتبر شديد القرب من الإنتاجات السينمائية الدرامية بحكم تقاطعه في كثير من التفاصيل مع عناصر الفيلم التي تجمع الدراما والسرد والقصص فضلًا عن استخدام التقنيات الفنية في الكتابة والتصوير والمونتاج والإخراج؛ وأعي هنا جيدًا الصعوبة البالغة في إنتاج أفلام وثائقية عالية الدقة تشابه إنتاج الفيلم السينمائي أو قد تزيد عليها من حيث إن بعض الوثائقيات يتطلب إنتاجها موازنات مالية عالية وسنوات عديدة من الإنتاج. وفي فترة من الفترات عرَّفت سلطنة عمان بنفسها إعلاميًا من خلال إنتاجاتها الوثائقية العالية الجودة التي أسهمت في التعريف بالمكنونات الحضارية والتاريخية والمعرفية للإنسان والمكان؛ وحصلت الكثير من تلك الأفلام على جوائز محلية وعربية وعالمية. ما أعنيه هنا في هذه المقارنة البسيطة في إنتاج الأفلام هي أن العائد من إقامة المهرجانات يتقاسمه الجميع فعندما ننظر اليوم إلى واقع الإنتاج في سلطنة عمان نجده في فترة سابقة محصورًا فقط في ما تقوم به الدولة ممثلة بوزاراتها المختلفة التي تمتلك الموارد اللازمة للإنتاج، أما اليوم فإن عددًا من شركات القطاع الخاص والأفراد أنفسهم يقومون بإنتاج الكثير من الأفلام الدرامية والوثائقية جنبًا إلى جنب مع الإنتاجات الحكومية، كما أن عدد مهرجانات الأفلام قد زادت وتنوعت بين مختلف المحافظات والولايات علاوة على أن جودة الإنتاج قد تطورت بفضل وجود جمعية مختصة للسينما تسهم في الارتقاء بهذا الفن، وهي القائمة على تنظيم مهرجان سينمائي وصل إلى رقمه الحادي عشر.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عمان» أوبزيرفر