اصنعوا لهم نجاحهم

06 ديسمبر 2022
06 ديسمبر 2022

المجتمعات المتقدمة تركز على ثقافة الرأي العام لمواطنيها كأحد توجهات بناء التنمية المتحضرة والمتمكنة والقادرة على التعاطي مع حاضرها والتعامل مع مستقبلها، وفي ذلك قوة لمثل هذه المجتمعات في تعزيز مكانتها الاقتصادية والثقافية وحتى السياسية من ناحية، وقدرتها على الارتقاء بأوطانها وشعوبها من ناحية أخرى، والمجتمعات التي لا تأبه بتعزيز وتنشيط ثقافة الرأي العام لديها وقيادتها بالشكل الصحيح تبقى عرضة للشائعات والتكهنات التي تؤثر سلبا على توجهات المجتمع، وتضعف كيانه، وتخفي بوصلته والأمثلة في ذلك كثيرة وعديدة لسنا بصدد الحديث عنها.

السبيل إلى ما أتحدث عنه هو مدى الشفافية بين الحكومة والمواطنين في معرفة توجهات كل مرحلة من مراحل بناء التنمية، لكون المواطن شريكا حقيقيا في هذه التنمية، ومن أجله تصاغ الأهداف وترسم التوجهات، ولدينا في مجتمعنا المحلي شواهد عدة نحتاج إلى إعادة النظر من خلالها في تعزيز الثقافة التي تدرك توجهات كل الجهود، وتعزز من استمراريتها، بل والمساهمة الفاعلة الكفيلة في تحقيقها، ونحن في عمان نمتلك إرثا حضاريا يضع لنا الأرضية الصلبة لكي يكون الجميع ضمن توجهات الحكومة في التعامل مع كل الملفات، والنظر للمستقبل برؤية موحدة قوامها الانتقال بالوطن من مرحلة التأسيس للبنى الأساسية، والخدمات التي ما زالت هي شغلنا الشاغل، والوصول لمراحل التميز والتفرد في صناعة الحاضر المشرق لعمان كما نعايشه في محيطنا الخليجي والعربي.

الشباب هم الركيزة الأهم، ولطالما آمنت الحكومة أن الإنصات والاستماع لهم يردم الهوة بين القمة والقاعدة؛ ليكون هناك انسجام في الرؤى وتوحيد للأهداف، فالشباب قوة لا تنضب، ومعين لا يخبو، هم الطاقة المتجددة القادرة على تقديم أفكار حيوية لبناء المجتمع النامي بكل محاورة، ونحن لاحظنا دور الشباب في صياغة رؤية عمان ٢٠٤٠، ومدى قدرتهم على التناغم مع التوجهات الكبرى للوطن، والإسهام الأمثل للبلد لتحقيق الغايات المنشودة عبر ضخ أفكارهم، ومعرفة توجهاتهم فهم الأقرب للتخطيط الناجح.

في كل مسارات التنمية المحلية الداخلية يبقى للوطن خصوصيته، واليوم وعبر تمكين دور المحافظات واللامركزية التي دعت إليها الحكومة، وإشراك المواطن في صناعة القرار بات من الأهمية بمكان لدى كافة مؤسسات الدولة أن تعمل على استحداث المتحدث الرسمي؛ لكي يدير بوصلة التواصل فيما بين هذه الجهات والرأي العام، وبلا أدنى شك سيعزز ثقافة الرأي العام بشكل أوسع ومساحة مرضية وزاوية ناجحة، كما أن غرس قاعدة أعمق للشفافية من أجله أن يحقق اطمئنانا لدى الناس، وبالتالي يولد الرضى عن كافة توجهات التنمية دون تذمر وأحاديث ملتوية يضج بها الشارع، فالزمن يسجل والتاريخ يشهد، وعلينا استقاء العبر، والاستفادة من التجارب، وزرع مساحة ود أوسع وأشمل؛ لكي يبقى المواطن مطمئنا قادرا على التعاطي مع كل مرحلة مهما كانت صعوبتها.

ثقافة الرأي العام عندما تكون على المحك تولد شائعات مغرضة، ونفور من المسؤولية، وفتور في الأداء، وهذا أمر غير محمود، ولا يساعد المجتمع إلى تبني سياسات حكيمة لتحقيق معدلات تطبيق رؤى العمل التنموي في البلاد، ما نحتاجه في مؤسسات الدولة قرب أوسع مع المواطن عبر تعزيز ثقافة التواصل، والعمل على التفاعل مع الآراء؛ لعكس صورة مرضية، فقناعة الرأي العام تتبلور عندما تكون هناك أرضية لهذا التواصل لاستطلاع مساحة الرضى عن الخدمات، وإشراك المواطن في تجويد هذه الخدمات وتحسينها؛ ليستشعر مدى قيمته لتحقيق ما يرغب من تطلعات تخدم المجتمع والأهم إدراك ما يمتلكه الشباب من أفكار لاستثمارها.

نصنع النجاح لكل فئات المجتمع عندما نكون أقرب لهم عبر الشفافية، وتبادل الرؤى ومعرفة التوجهات، بهذا التوجه لا يبقى للمتذمرين وجود، وسنطمس هوة عميقة قوامها بث الشائعات، ونشر السلبية، وتقليص رقعة الشكوى والتذمر، والانطلاق للعمل والعطاء، فالوطن يستحق، ونحن في مرحلة مخاض نكون أو لا نكون، ونحن نرى الأوطان تتنافس فيما بينها لوضع بصمة التميز، بينما نحن منهكون عكس التيار.

لنصنع لهم نجاحهم، فصناعة النجاح تبدأ من تعزيز ثقافة الرأي العام بالواقع المحيط، ومعرفة ما يدور هو دور المؤسسات المعنية، فإلى جانب دور الفرد في البحث عن المعلومة، وإدراك التوجهات والتفاعل والتناغم معها يأتي دور الجهات لغرس ثقافة أشمل تعززها الإحصائيات التي هي مؤشر بوصلة النجاح والذهاب بالمجتمع لمسار التقدم والتطور المنشود.

* سيف الناعبي كاتب في الشؤون المحلية.