«أنا ربّ الإبل»

02 مايو 2021
نوافذ
02 مايو 2021

وعدت نفسي بأن لا أكتب، حينما عدت إلى هذه الزاوية، ما يعدّ نقدا ويسمّيه البعض «انتقادات»، فهناك من الزملاء الصحفيين من يقومون بهذا الأمر، وقد جرّبت السير في منعطفاته عشرات السنين، وليس من خاسر في ذلك.. سواي!!

في داخل كل كاتب منّا فراغات، ينظر إليها بقلق، ويؤمن بأنه، وعبر الكتابة، يمكنه ملأها، إن لم يكن بهذه التجربة الآنية من الكتابة، فهناك متسع من الوقت لإعادة النظر مرة أخرى في هذا الفراغ، والسير في محاولة جديدة، وهكذا ينتظم سلك الكتابة، ويمضي.. العمر.

الفراغات هي تلك المربعات الناقصة في اللوحة كي تكتمل..

فراغ، أو أكثر، في حياتنا، وفي الأشياء من حولنا، ثمة نقص على الكلمات أن تنبّه إليه، أن تشير إلى ثمّة لون ليس في مكانه، وإن ذلك البياض عيبا..

المثير للمفارقة أنه لا يوجد فراغ متفق عليه، ما تراه ككاتب لونًا مثاليًا لملء أي فراغ يعدّه كاتب آخر خادشًا للنظر، فالمسألة نسبيّة، ورؤية الأشياء مختلف عليها، حتى داخلك، ما تراه اليوم مناسبا ستعدّه ذات مزاج آخر غريبًا وصادمًا.

هي الفراغات التي تحاصر الكاتب دوما، في محيطيه: الداخلي والخارجي، يحاول تسوية الأمور بين داخله وأكثر من خارج يحيط به، بين نوازعه التي توجّهه أو يتصادم معها أحيانا، ومع نوازع الآخرين الذين يختلفون معه وعيًا وإدراكًا وثقافة ورؤية، ولكل منهم وجهة نظره التي يؤمن بها، كأنما لا حقيقة غيرها.

تكتب عن قضية ما، تستشعرها بقوّة، وتتناولها بقسوة، ليأتي غيرك فلا يرى ما يستدعي ثورتك التي جعلت من الكلمات رصاصات، وربما يخالفك الرأي تماما، مطالبا بعكس ما تراه!!

لا بأس أن تتصادم الأفكار، وأن نتفق ونختلف، وبديهي أن لا يبقى البشر على قلب رجل واحد، فتحدث العداوات وتتكرّس بما يصبّ على النار من زيت الكلمات و(الكلام)، لكن سنة بعد أخرى في مسار العمر تحدث المراجعات، والحماسة التي تشتعل مع فورة الشباب ستهدأ، حيث التجارب تعمّق النظرة بهدوء نحو ما حصل وسيحصل..

بعد آلاف التجارب في كتابة المقالات، وما حوته من أفكار ووجهات نظر، وصلت إلى قناعة: ليقم العالم بإدارة شؤونه كيفما يريد، ليس عليه أن يكون نسخة ممّا أراه، مستعيدا قول عبدالمطلب حينما أخبروه عن أن جيش إبرهة متوجّه لهدم الكعبة، قال: «أنا ربّ الإبل»، أما العالم كلّه «فله رب».. يسيّره.

ستدرك، في وقت ما، أنه لا أحد معني بما أحرقت أعصابك لأجله، وأن الذاكرة ضعيفة، وستجد نفسك وحيدا.. في مواجهة فراغاتك.. وحدك.