أخبار سعيدة عن الأدب العُماني

27 نوفمبر 2021
27 نوفمبر 2021

ثلاثة أخبار سعيدة شهِدها الأدب العُماني خلال الأسبوعين الماضيين، تتضافر على اختلافها لتؤكد على ما وصل إليه هذا الأدب من مكانة ومقروئيّة في أنحاء متفرقة من العالم، أولها فوز الروائية العُمانية جوخة الحارثي بالأمس بجائزة الأدب العربي في فرنسا عن الترجمة الفرنسية لروايتها «سيدات القمر» (التي أنجزها المترجم المصري المقيم في فرنسا خالد عثمان بعنوان «Les Corps Celestes»)، مضيفةً للرواية العُمانية جائزة عالمية ثانية بعد فوز الترجمة الإنجليزية لروايتها بجائزة مان بوكر عام 2019م.

أما الخبر الثاني: فهو صدور ملف عن الأدب العُماني في مجلة بانيبال الإسبانية، حوى أشعارا وقصصا وفصولًا من روايات لنحو عشرين أديبا عُمانيَّا مترجمة إلى لغة سرفانتس، وقد أكدتْ المقدمة التي تصدرتْ هذا الملف أن أدب هؤلاء العُمانيين "يتجاوز حدود هويتهم، ويسعى إلى معرفة الآخر، وإلقاء نظرة خاطفة على التعددية البشرية".

الخبر الثالث زفه لي الكاتب سعيد الهاشمي بُعَيْد إنهائه مشاركتَه كمدرّس لأحد صفوف الأدب المُقارَن بجامعة هارفرد الأمريكية. وإذا كان مجرد وجود عُماني يُدرِّس في واحدة من أهم وأعرق جامعات العالم هو في حد ذاتِه مفخرة، فإن المفخرة الأخرى التي رواها سعيد هي أنه شارك بمحاضرة عنوانها «الأجرام السماوية في السماوات العُمانية»، وكان محور الحديث فيها -كما يتضح من العنوان- عن رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثي، إلا أن طلبة الدراسات العليا في تلك الجامعة لم يكتفوا بسماع ما يقوله الهاشمي عن جوخة وروايتها، وإنما أمطروه بالتساؤلات العطشى إلى معرفة المزيد عن الأدب في عُمان. ويعلق سعيد على ذلك بالقول: «مدهشٌ وساحرٌ ما يفعله الأدب والفن في القلوب، غريب ولافت ما يُثيرانه في العقول، كيف يُفجّران كل هذه التساؤلات، كيف يقرّبان البعيد ويُضيئُان القريب، كيف يتجاوزان الفوارق، العمرية والجغرافية والثقافية، ليصنعا عالمًا موازيًا يجمع كل هذه الألسن والآمال والأحلام».

وإذا كنا -كأدباء- بحاجة فعلية لهذا الاعتراف الخارجي بالأدب العُماني ومكانته وقدرته على التأثير، فإننا إلى اعتراف الداخل به لَأحوج. وإني أتخيّل أنه لو كان فوز جوخة بالبوكر الذي كان قبل سنتين حصل في دولة عربية أخرى، لعملتْ هذه الدولة على استثمار المناسبة للترويج للسياحة الثقافية فيها، وللتعريف بأدبائها الآخرين ونتاجاتهم انطلاقًا من هذا الحدث، غير أن الذي حدث أنه تم الاكتفاء باستقبالٍ احتفالي للأديبة في مطار مسقط من قبل بعض المسؤولين، ثم ذهب كلٌّ إلى شؤونه، وكنتُ أتوقع شخصيًّا أن تكون جوخة نجمة معرض مسقط للكتاب لعام 2020 بفعاليات ودراسات تحتفي بمنجزها، لكن هذا لم يحدث للأسف الشديد، رغم أن الدعوات ظل تنهال عليها من الجامعات والمؤسسات الثقافية العالمية للاحتفاء بها، بل إنه لم يتسن لها أحيانا تلبية هذه الدعوات بسبب عراقيل إدارية من جهة عملها، وكأن مشاركاتها شخصية، وليست إعلاء لاسم عُمان وأدبها.

ربما يقول قائل إن وزارة التراث والثقافة رشحت جوخة للتكريم على مستوى مجلس التعاون الخليجي، كما أقامت لها مؤسسة بيت الزبير (الخاصة) احتفالية بفوزها، وهما جهدان مشكوران، لكنني سأعود للقول إن هذا وحده ليس كافيًا، وإنه كان بالإمكان أكثر بكثير مما كان. ويكفي أن أذكر اليوم أن مجرد فوز الحارثية بالجائزة أسال لعاب كثير من القراء والمؤسسات الغربية لقراءة الأدب العُماني، وأعرف أن أكثر من رواية عُمانية في طريقها للترجمة إلى الإنجليزية ولغات أخرى نتيجة لفوز جوخة. هذا بدون أي جهد منا نحن الأدباء العُمانيين، فماذا لو أن وراءنا مؤسسات تدعمنا، وتعرف كيف تستثمر أحداثنا الثقافية السعيدة للترويج لعُمان وأدبها.

لعل هذا الفوز الجديد لجوخة مناسبة لتدارك ما فات، خصوصًا ونحن نعلم الآن أن أولى خطوات الاحتفاء بهذا الإنجاز ستبدأ السبت المقبل من خارج عُمان، بندوة يقيمها معهد العالم العربي في باريس تتضمن حوارًا مفتوحًا مع الكاتبة، وبتنا نعلم أيضًا أن الناشر الفرنسي للرواية دار «Stéphane Marsan» التي زينت غلافها بلوحة جميلة للفنان العماني أنور سونيا، أعلنت عن إصدار طبعة شعبية من الرواية في عام 2023. فإذا كان هؤلاء يحتفون بجوخة من بعيد، فأحرى بنا نحن أيضًا أن نبادر لهذا الاحتفاء.