10 ملايين أمل!
من أولى العبارات التي حفظناها، وكتبناها في كرّاساتنا في المراحل المدرسيّة الأولى عبارة " ازرع ولا تقطع"، ومنذ ذلك العمر المبكّر، نمت الأشجار على كرّاسات الرسم، وجدران مدرستنا، حيث الأشجار المحيطة بها، وكنّا نسقيها، في أوقات الاستراحة، كما يسقي معلمونا أذهاننا بالعلوم، والمعارف، وكانت فرحتنا تبلغ أعلى درجاتها في (عيد الشجرة)، وهي مناسبة الهدف منها تكريم الشجرة، والاحتفاء بعطائها، والتشجيع على العناية بها، وزراعتها، ويعود تاريخها إلى العاشر من ابريل عام 1872 حين زرع سكان ولاية نبراسكا مليون شجرة، ولم تأت الفكرة من عالم من علماء الطبيعة، أو من "تاجر أمل" حسب تعريف بونابرت للقائد، بل من صحفي كان مولعا بالأشجار يدعى (جوليوس سترلينج مورتون) وكثيرا ما كان يحثّ سكان مدينته ( نبراسكا) الأمريكية في مقالاته على زراعة الأشجار، ومن هناك هلّ هلال عيد الشجرة، فشاهده العالم، ورأى أن يحذو حذو ما فعلت مدينة ( نبراسكا)، فاختارت كلّ دولة يوما تحتفل بعيد الشجرة، يتناسب مع مناخها، وظروف الإنبات فيها، ومنها السلطنة التي تحتفل في 31 من أكتوبر من كلّ عام بيوم الشجرة بأمر من جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه-.
وفي عيد الشجرة، ترتدي الطبيعة ثوبها الأخضر، وتغرّد البلابل، وتتراقص الطيور، وتغمر روح الإنسان بهجة، والشجرة عنوان لارتباط الإنسان بالمكان، وحين غادرت بغداد، بقيت أتذكّر الوجوه والأسماء والأماكن بالقوة نفسها التي أتذكّر بها الأشجار، وعلى وجه الخصوص، النخلة التي زرعناها سنة ١٩٧٩ امتثالا لقرار صدر بزراعة في كلّ بيت نخلة، وزيتونة، فكبرتا معنا، وواصلتا عطاءهما إلى اليوم، وقد صوّر الكاتب عبدالرحمن منيف هذه العلاقة الحميميّة التي تنشأ بين الإنسان، والأشجار في روايته (الأشجار واغتيال مرزوق) الصادرة عام 1973، فبعد أن يخسر بطلها (إلياس نخلة)أشجاره التي ورثها أبا عن جدّ في واحدة من مغامراته، يغادر قريته ، وحين يشعر بضياعه في المدينة يقول " الوجوه القاسية لا تعرف رائحة الأشجار، ولا تعرف العطف على الغرباء"، فالأشجار بالنسبة له وطن، وحلم يسكنه، وحين يتمسّك بالأشجار، فإنّه يتمسّك بحلم يداعب مخيّلته، وحين قطع أهالي (الطيبة) أشجاره غمرته التعاسة، وكانت نتيجة ذلك سقوطه في بئر من الأحزان لا قرار له، فالأشجار لمن يقترب منها تعي ما حولها، لذا حين رثت الفارعة بنت طريف أخاها الوليد بنت طريف، قالت:
أيا شَجَرَ الخابورِ ما لَكَ مُورِقاً
كأنَّكَ لم تجزعْ على ابْنِ طَريفِ
فَقَدْناهُ فُقدانَ الرَّبيعِ فَلَيتَنا
فَدَيناهُ مِن ساداتِنا بِأُلوفِ
فالأشجار بالنسبة للشاعرة تتألّم، وتسمع، وتحزن، لذا قامت بتوبيخ، الشجر النابت على نهر الخابور في الجزيرة حين ظلّ مورقا، وهذا يسمى بـ" تجاهل العارف" لأن الشاعرة تعلم بذلك مسبقا، ولكنها تريد الأشجار تقاسمها الحزن على فقد شقيقها، فوجّهت اللوم لها كونها الأقرب إلى روحها.
وعندما قال رسول حمزاتوف "نحن في انتظار وردة لم نزرعها بعد"، فإنّه فتح بابا للأمل، لكن هيئة البيئة لم تكتفِ بزهرة الأمل، بل قامت بإطلاق مبادرة وطنية لزراعة 10 ملايين شجرة بريّة، على مدى 10 سنوات، وبما أنّ كلّ شجرة تمثّل أملا بحياة أكثر جمالا، وخضرة، فيكون لدينا ملايين من الآمال!
وهذا ما فعلته الهيئة عندما دشّنت في 26 من أغسطس من العام الماضي أول مواقع استزراع الأشجار البرية في منطقة ميناء الفحل، بدأتها "بزراعة 1800 شتلة لأشجار برية مختلفة، ضمن سلسلة حملات أخرى سيتم تنفيذها في مختلف محافظات السلطنة" كما ذكرت وكالة الأنباء العمانية، وفي جلسة حوارية أقامها النادي الثقافي تحدثت د. ثريّا السريري المديرة العامة المساعدة لصون البيئة، عن هذه المبادرة بكثير من الروح الإيجابيّة، والحماس، لما للشجرة من دور في حماية البيئة من كل الأضرار التي تحيط بها، وأهميّة زيادة المساحات الخضر، ودورها في الحفاظ على الأمن الغذائي، وتنشيط الجانب السياحي، فأوّل شيء يقع عليه نظر السائح هو المساحات الخضراء التي يبهج منظرها النفس ولو أكملت هذه الحملة برامجها، فلنا أن نتخيل شكل شوارعنا، وساحاتنا العامّة، ولتحقيق هذا الهدف لا بدّ من مساهمة الجميع في نشر الوعي البيئي، لتوضيح أهمية الحفاظ على التنوع النباتي، وتكثيف البرامج التثقيفية، والتربوية في مدارسنا، والقيام بدروس عملية تعلم النشء الجديد العناية بالنباتات، والأشجار، فبدون مشاركة الجميع يصبح من الصعب القيام بزراعة أمل واحد، في حملة هدفها زراعة 10 ملايين أمل !
