No Image
بريد القراء

الزمن.. جزء من فلسفة الوجود

26 ديسمبر 2025
26 ديسمبر 2025

إذا كنا ندرك بحواسنا ومشاعرنا والحقائق التي نعرفها بأن شهر ديسمبر هو آخر شهور العام الميلادية، وبأنه الحقيقة مؤكدة في ترتيب الشهور الميلادية، وشيء لا يقبل التشكيك في صحته، لكن ثمة سؤال جوهري يأخذنا نحو أفق آخر بعيد يتمثل في أهمية هذا الشهر بالنسبة إلى ملايين الناس حول العالم؟!.

ينقسم الناس في لحظات الوداع والاستقبال إلى قسمين، قسم يرى بأن الوداع ظرف صعب، في تفاصيله الكثير من الذكريات والأحداث التي مضت، وهناك أشياء أخرى سنشتاق إلى تذكرها وربما يرعبنا الزمن وما يفعله بالذاكرة من تفككك للأحداث واندثار لكل شيء قديم، أما القسم الآخر من البشر فإنهم يرون بأن "القادم دوما هو الأجمل".

أيام قليلة وتنتهي أيام عام كامل، يرحل العام ومعه الكثير من الأحداث التي شهدناها على المستوى "الشخصي والمحلي والعالمي" وتبقى كل التفاصيل معلقة في ذاكرة البشر والتاريخ الذي حدثت فيه، فلسفة الحضور والغياب هي من صنع الزمن، أما البشر فلا قولة لهم غير الانتظار عند بوابات التمني.

وكل مرة نسأل أنفسنا، كم من أمنيات متبقية في جعبتنا لم تتحقق حتى هذا اليوم؟

في حقول الحياة الإنسان منذ أن بدأ رحلة العيش على الأرض فهو يغرس بذور الأمنيات والأحلام والرجاء في طرقاته، لكن المفارقة الكبيرة هو أن ذات الإنسان يترجل مع على ظهر الدنيا وهناك أمنيات كثيرة لم يحققها لنفسه أو يراها عند غيره !.

النفس البشرية تواقة دوما إلى الوصول إلى مآربها بشتى الطرق، لكن الأمنيات وحدها لا تتحقق دفعة واحدة، فربما هناك حلم يظل قائما في أذهاننا لسنوات طويلة، وما نريد تحقيقه يراوح مكانه، وعندما يأذن الله تعالى بتحقيقه تكون الفرحة مضاعفة، وهنا هي الحكمة الربانية، فكم من أشخاص عاشوا سنوات من الحرمان سواء من المال أو الولد، وعندما أعطاهم الله ما أرادوا، كانوا أكثر سعادة من غيرهم من الناس على وجه الأرض.

حسنا، لماذا نحن نكيل على رؤوسنا رمال الأمنيات والغايات دون أن نترك مجالا للصبر أن يحقق لنا ما نريد؟

الله سبحانه وتعالى أنزل في كتابه العزيز توصيفا صحيحا لحال الإنسان على الأرض بقوله: " إِنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا".

الغريب أننا نندب الحظ أحيانا كثيرة ونتأسف على ما فقدناه، ونصل إلى مرحلة اليأس بسهولة، خاصة عندما يطول أمد الانتظار وينفذ الصبر، ولا نترك مناسبة إلا ونستدعي في أذهاننا الأشياء التي نتمنى تحقيقها بسرعة، وهذا الاستدعاء هو جزء من العذاب النفسي الذي يضغط على أعصابنا، فالتمني والترقب أشياء تزيد من وتيرة القلق والشعور أحيانا بخيبة الأمل، لكن الله تعالى مطلع على أمورنا وهذا التأخير فيه حكمة عظيمة لا يعلمها إلا هو سبحانه.

يبدو أننا لا نمل من تكرار الأسئلة سواء كان ذلك صوتيا أو كتابيا، أو البحث في ثنايا الروح عن أحلام مجهولة لا تزال في علم الغيب فقط لنشعر بالألم من عدم تحققها !.

العالم في كل اتجاهات الأرض، هذه الأيام يترقب انبثاق عام ميلادي جديد، عام سيأتي بأحداث جديدة، وقصص فيها كل معاني "الفرح والحزن"، كلها ستنصب في وعاء الحياة التي سنعيش فيها -إذا امتد بنا قطار الحياة -، سنعيش تفاصيلها وأحداثها، ثم ترحل تلك الأيام كسابقاتها دون عودة فالزمن لا ينتظر أحدا، ثم نعود مرة أخرى لندخل العام الذي يليه ونحن محملون بالكثير من الأشياء على ظهورنا وفي خلجات صدورنا، أشياء تسقط من حساباتنا، لكن مع ذلك نبدأ رحلة أخرى، نتفقد من بقى معنا ومن غادرنا بلا عودة، نحتاج في مرة "استراحة المحارب"، وذلك لنتذكر أما أو أبا أو أخا أو أختا أو أي عزيز علينا، كانوا معنا حتى الأمس القريب، واليوم أصبح غيابهم عبأ يضاف إلى أعباء الحياة التي لا تنتهي معاناتها!.

عند قدوم عام جديد، نفرح لأننا نعبر حاجز عام كامل، وفي لجة الغبطة يساورنا الخوف من أشياء قد تأتي من المجهول فتدمينا، إذن هي الحياة هكذا ما بين لحظة "فرح ودمعة حزن".

هناك حقائق في هذه الحياة يجب الالتفات إليها ونحن نحط أقدامنا على أول سلمة في العام الجديد: "تأكد بأنه مهما صمدت في وجه الزمن، فإنه لن يفتقدك أحد في زحمة الأحداث المتتالية خاصة إذا كنت لا تعني له شيئا غير كونك إنسان يعبر به قطار العمر في محطات الحضور والغياب،هذا ما رأيناه وتألمنا بسببه من الذين أحببناهم كثيرًا وخذلونا !.

هناك شاعر متفائل يقول: "وإن ضاقت بكَ الأيامُ صبرًا..ستولدُ بعدَ صبركَ ألفُ بشرى..وتنهلُ مِن سرورِ العُمرِ حتى..كأنكَ لم تذق بالأمسِ مُرّا... أما أحد الحكماء فيقول "يساق المرء نحو قدره، فاطمئنوا، ما يريده الله هو خير لك، حتى لو كان خارج رغبتك، أعظم أرزاقك، يسبقها ابتلاء، فتظنه الأقسى"!.