بريد القراء

هموم العمل على طاولة النقاش!

26 ديسمبر 2025
26 ديسمبر 2025

يحمل بعض الموظفين يوميًا سلة ممتلئة بالكثير من الأحداث التي رافقتهم خلال دورة عملهم اليومية، من أجل إفراغها على طاولة النقاش في البيت، وكأن هذا المكان جزء من العمل ومسؤول عن تصحيح بعض الأخطاء أو تحمل جزء من المسؤولية!

والموظف، وإن كان مشحونًا بتصرفات زملائه أو طريقة عملهم أو أي مضايقات يتعرض لها في مجال عمله، عليه ألا يفتح كل ملفاته اليومية أمام عائلته؛ لأنهم ليسوا معنيين بذلك، وربما يدخلهم في أمور لا علاقة لهم بها بقدر ما ستزعجهم ما سيسمعونه من شكوى.

عند بعض الموظفين لا يوجد ستار حاجز أو فاصل محدد ما بين الأشياء التي تُقال والتي لا تُقال. فليس كل شيء في هذه الحياة يجب أن نبوح بتفاصيله للآخرين. بعض الناس يخبر من حوله بكل شاردة وواردة في عمله، بل لا ينسى الحديث عن تدهور علاقته مع زملائه ومديره، ولا ينسى أيضًا المراجعين ومدى شعوره بالإزعاج من أسئلتهم أو مطالباتهم بإنجاز معاملاتهم.

لا تستغرب مما قد قرأت سابقًا، فقد أصبح بعض الموظفين لا يفرقون بين حياتهم العملية كوظيفة، ومسؤولياتهم باعتبارهم رب أسرة، التي لا علاقة لها بالمشكلات والأحداث التي تعكر المزاج.

وبعض الأشخاص لديهم قدرة عجيبة على نقل المشكلات بتفاصيلها المملة، والحدث تلو الحدث، بل يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك، فهم بارعون في وضع النظريات والاحتمالات؛ لأنها جميعًا حاضرة في ذهنهم، لدرجة أنهم يشكّون في الشخص الذي يحدثهم بأنه جزء من هذه المشاكل التي تحدث لهم في العمل.

هذا الموظف هو طاقة متفجرة من "الشكوى" والتذمر، فلا يكاد يوم يمر بسلام إلا وهناك قصص يقصها على أهله وأصدقائه، وهي بمثابة "حكاية" قبل وبعد النوم!

منذ سنين طويلة، والناس تقول بأن الشكوى لغير الله مذلة، لكن البعض لا يهتم بهذا الأمر، بل يجد متعة وراحة نفسية عندما يعكّر صفو حياة الآخرين، وهو كما يُقال: "إذا لم تستطع إسعاد نفسك، عكّر مزاج الآخرين"، وهذا بالضبط ما يفعلونه عندما يجمعك القدر بأحدهم في موعد أو بمحظ الصدفة.

هذه النوعية من البشر أقل ما يقال عنها إنها أشخاص مرضى نفسيًا، والبعد عن طريقهم هو سلامة، أما مجالستهم فيمكن أن تنقل إليك العدوى أو تحوّلك من شخص إيجابي إلى شخص محطم نفسيًا، من كثرة الشكوى والمشاكل التي يحيط بك الشخص الجالس أمامك، ولا يكف عن جلب المصائب والمشاكل.

وبعد حديث طويل، يقول لك إنه لا يريد أن يعكّر مزاجك أو يصدع رأسك، وهو حرفيًا قد أثقل كل شيء في رأسك وظلّم الدنيا أمام عينيك، ولا غرابة أن تصبح نسخة منه مع الوقت.

وبعيدًا عن ذلك، أسرار العمل يجب أن تبقى في العمل. فالموظف يتحمل أمانة عظيمة، ومن الواجب عليه أن يبقيها بعيدًا عن حديثه أمام الآخرين، فكل عمل له مشاكله ومصاعبه واختلافات في الرأي.

أما ما نراه اليوم من البعض من شكوى الزحمة أو كثرة الأعباء الوظيفية، فهي أمور يجب أن تبقى بعيدة عن تناول الجميع. فالعمل له خصوصيته، كما هو الحال بالنسبة للخصوصية الشخصية التي نحاول أن نبقي الآخرين بعيدين عنها، ولا نفتح مجالًا للحديث عنها من قريب أو بعيد.