فقد الزملاء..وظل النسيان !
بعض بيئات العمل تصدمك بما فيها من تركيبة عجيبة من البشر، ومنذ الوهلة الأولى تشعر بشيء مختلف عن الشكل الطبيعي لبيئات العمل التي تسمع عنها، تشعر باستنفار روحي وامتعاض نفسي، وتكاد تجزم بأنها عبارة عن مستنقع بشري لا تتوفر فيه أي جانب من جوانب التحفيز أو الرضا، وبالتالي هذه البيئة في نظرك "غير صحية وترقى بأن تكون غير آدمية"، وتستشف ذلك من خلال التعاملات والعلاقات التي تنشأ ما بينك وبين الجالسين حولك ومع أول اشتعال لفتيل خلاف بسيط يظهرون على حقيقتهم التي تنبأت بها منذ البداية.
لكن بالمقابل، هناك بيئات عمل "محفزة على العطاء"، ويتمنى الشخص منا العيش في ظلالها لسنوات طويلة، فالأجواء ما بين الزملاء تجسد كل معاني الطيبة والتعاون والإخلاص في العمل، ومن المفارقات بأن مثل هؤلاء الناس لا تختارهم بمحظ إرادتك ولكن القدر هو من يختار لك زملاؤك الذين تقضي معهم سنوات حياتك طويلة، وتظل تتذكرهم وتشتاق الى الجلوس مهم في العمل وخارجه.. فسبحان الله العظيم.
في بعض الأماكن يخيل لك أن ثمة نوعين من البشر مجبر على التعامل معهم، وبأن حبال الود والزمالة تكون وقتية حتى وإن توالت عليها الأيام !
بشكل عام، ومن خلال الواقع تستشف بأن علاقة العمل "وقتية"، فليس جميع زملائك هم أصدقاؤك حتى وإن كنت تعيش معهم في غرفة واحدة.
والدليل على ذلك، عندما تخرج من أبواب العمل لا تجد من يسأل عنك، بالنسبة للبعض أنت لا تفرق عن بقية الأشياء التي وُجدت في مكان العمل من طاولات وحواسيب وغيرها.
عندما يغيب شخص ما لا يحس به الباقون، وعندما يمرض زميل آخر لا يفتقده أحد، بل يظل مصيره مجهولا حتى يخرج للعلن أو يتسرب خبر مصيره بعد وقت ليس بالقصير.
كم من قصص وأحداث سمعناها من أصدقاء اشتكو لنا من عدم سؤال زملائهم عليهم، الغريب أن المريض هو الذي يفتقد الزملاء، لهذه الميزة قد يكون لها فائدة عظيمة هي أنك تصفي القوائم الطويلة ممن تعرفهم لأنك تكتشف من يستحق أن يظل اسمه مرتبطا بالأسماء الأخرى القريبة منك، فليس كل اسم شخص حفظته في ذاكرة هاتفك يفكر بأن يسأل عنك، فالقلة القليلة هي من يأيتها هذا الالهام وتبادر بالسؤال عليك إذا ما غبت عنهم.
مات من بيننا عدد من الزملاء.. لا أحد يتذكرهم أو يدعو لهم، تعتقد بأنك تعيش وسط كائنات منغلقة أو منعزلة، بعضنا يعيش الوهم بكل حالاته يعتقد بأنه شخص محبوب او شخص له قيمته ومكانته وما إن يخرج من عمله تتضح أمامه الصورة، كذلك المتقاعد الذي لا يخفى على أحد أمره يعاني الكثير منهم من إهمال الزملاء لهم.
أصبحوا غرباء في أماكن كانت أصواتهم عالية فيها، أصبحوا ضيوفا غير محبب حضورهم، أصبحوا شيئا من الماضي لا يعود.
هناك مقولة يابانية قديمة تقول: كل إنسان له ثلاثة وجوه: «الوجه الأول: هو الذي تُظهره للعالم، النسخة التي تتشكل بالصورة التي تريد للآخرين أن يروها..أما الوجه الثاني: هو الذي يتعرف عليه أهلك وأصدقاؤك؛ النسخة التي تُظهرها فقط لمَن تُحبهم وتثق بهم، والوجه الثالث: هو الذي لا يعرفه أحد سواك، إنه أصدق انعكاس لك، غير مُلوث بنظرات الآخرين".
وفي بيئة العمل تتضح أمامك وجوه أخرى لم تذكرها تلك المقولة بشكل واضح وهي: "وجه الحمل الذي يخفي حقيقة الذئب البشري الذي يستوطن ذاتك". فكمن من أشخاص صدمنا منهم رغم أنهم لا يبدو عليهم أنهم أشخاصا يخفون شيئا عنا، كنا نعتقد بأنهم اأكثر وضوحا وصدقا وإخلاصا، لكنهم يخفون شيئا مخيفا.
