«القرآن نهج حياة».. ندوة تبحث حلولا عملية ترسخ الوعي بالقراءات القرآنية
كتبت- مُزنة الفهدية / "تصوير: شمسة الحارثية"
في وقتٍ تتزايد فيه التحديات التربوية والفكرية أمام الأجيال، وتبرز الحاجة إلى خطاب ديني معرفي متوازن، جاءت ندوة «القرآن نهج حياة» لتطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن للقرآن الكريم أن يكون منهجًا عمليًا للحياة، لا مجرد نصٍ يُتلى أو يُحفظ؟
الندوة التي نظمتها دائرة التعليم والإرشاد النسوي تحت شعار «القرآن الكريم حياةٌ للقلوب ونورٌ للعقول وجهود أهل عُمان في خدمته»، لم تكتفِ بتأكيد مكانة القرآن الكريم، بل سعت إلى معالجة فجوة معرفية تتمثل في ضعف الوعي بتاريخ القراءات القرآنية في سلطنة عُمان، وتفاوت أساليب تعليم القرآن، والحاجة إلى ربط علومه بالواقع المعاصر.
تشير تجارب العاملين في التعليم القرآني إلى أن التركيز على الحفظ وحده، دون فهم المنهج القرآني وأبعاده التربوية والاجتماعية، يحدّ من أثر القرآن في بناء الشخصية. ومن هنا، جاءت الندوة كمنصة علمية لمعالجة هذا التحدي، عبر طرح حلول عملية تبدأ من المعلم وتنتهي بالمتعلم والمجتمع.
قال الدكتور طلال بن خليفة آل عبدالسلام مدير الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية: إن علوم القرآن الكريم تمثل مدخلًا أساسيًا لفهم الدين وتطبيقه في الحياة اليومية، مشددًا على أن بناء الإنسان المسلم لا يتحقق إلا بالجمع بين المعرفة والتطبيق، ومثنيًا على الجهود المنظمة للندوة في هذا الاتجاه.
وقدمت الجلسة الرئيسية التي أدارها الدكتور سيف بن سالم الهادي تصورًا عمليًا للمنهج القرآني في بناء الشخصية المسلمة، مستعرضًا القيم التربوية والاجتماعية المستمدة من القرآن الكريم، ومترجمًا إياها إلى تطبيقات واقعية يمكن أن تنعكس على سلوك الفرد واستقرار المجتمع.
ومن خلال طرح أسئلة عميقة حول طبيعة الإنسان، ومفهوم المعرفة، وأولويات الحياة، وطبيعة المجتمع، وآليات التغيير، فتحت الجلسة نقاشًا تفاعليًا ساعد الحضور على إعادة التفكير في دور القرآن كمرجعية فكرية وأخلاقية قادرة على تقديم إجابات متوازنة لتحديات العصر.
وفي جانب تطبيقي، سلطت الدكتورة صبية بنت عبدالرشيد البلوشية الضوء على أثر حفظ القرآن الكريم في تزكية النفس وبناء الوعي، مستعرضة نماذج وتجارب ناجحة لبرامج التحفيظ، أثبتت قدرتها على غرس القيم القرآنية وتعزيز الاستقرار النفسي والروحي لدى الحافظين.
كما قدمت الدكتورة مريم بنت حميد الغافرية ورقة علمية تناولت نماذج مشرقة من معلمات القرآن الكريم في سلطنة عُمان، كاشفة عن دور المرأة العُمانية في سد فجوة تعليمية مهمة، من خلال نشر الحلقات القرآنية النسائية وتخريج أجيال من الحافظات والمجازات والمقرئات، بما يعزز استدامة التعليم القرآني في المجتمع.
ومن زاوية مختلفة، طرحت الدكتورة سلمى بنت غريب المعولية رؤية الطب الحديث للاستشفاء بالقرآن الكريم، مقدمة مقاربة علمية مسؤولة تعالج إشكالية الخلط بين العلاج الروحي والممارسات غير المنضبطة. ودعت إلى التمييز بين الأمراض البدنية والنفسية في طرق العلاج، والتنبه لمخاطر اللجوء إلى ممارسات لم تثبت شرعًا أو علمًا.
وقدمت الباحثة مجموعة من الحلول العملية، من بينها تعزيز البحث العلمي الرصين في العلاقة بين القرآن والعلوم التطبيقية، ودعم الجامعات ومراكز الأبحاث في الدول الإسلامية لهذه الدراسات، إلى جانب تشجيع الأطباء المسلمين على الجمع بين التقدم الطبي وأخلاقيات الشريعة، وبث روح التفاؤل في نفوس المرضى كعامل مساعد في الشفاء.
لم تكن ندوة «القرآن نهج حياة» مجرد فعالية علمية عابرة، بل نموذج لكيف يمكن للندوات المتخصصة أن تتحول إلى أدوات لحل إشكاليات واقعية، عبر الربط بين النص القرآني والتربية، والصحة، وبناء الإنسان. وهي تجربة تؤكد أن الاستثمار في الوعي القرآني، حين يُقدّم بمنهج علمي وسرد معرفي متوازن، يمكن أن يسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا واستقرارًا وقدرة على مواجهة تحديات العصر.
