الاحتجاج الشعبي بين «جيل Z» و«ناس الغيوان»

03 نوفمبر 2025
03 نوفمبر 2025

كنتُ في المغرب بداية الشهر المنصرم، وتزامن وجودي مع بداية احتجاجات الشباب التي حملت عنوان «احتجاجات جيل Z» وعبرت عن مطالب اجتماعية مثل تحسين الخدمات الصحية والتعليمية. لم أشاهد احتجاجات الجيل في مدن مثل الدار البيضاء وبني ملال والرباط، ولكن حضرت وقفة احتجاجية مغربية مؤيدة لغزة من كافة الفئات الاجتماعية هتف المشاركون بصوت واحد: «مغاربة من جيل لجيل لن نعترف بإسرائيل» في رفض شعبي واضح لا لبس فيه ولا مواربة ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني.

أثناء مطالعتي لما يكتبه «جيل Z» في وسائل التواصل الاجتماعي تذكرت فرقة «الغيوان» التي حملت هموم المجتمع المغربي، وعبرت عنه بكل جرأة وتحد للسلطات المحلية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. انتظرتُ أن يستدعي الجيل أغاني ناس «الغيوان» في التذكير بمعاناة الفئات الاجتماعية المهمشة، خاصة وأن الجامع المشترك بين فرقة ناس «الغيوان» وحركة «جيل Z» هو استقلالهما عن الأحزاب السياسية؛ إذ لا تنتميان لأي طيف سياسي، بل عبرتا عن هموم الإنسان المغربي. وبما أننا نتحدث عن فرقة «ناس الغيوان» وجدنا من المناسب التذكير بالفرقة وبداياتها التي كانت تسمى فرقة الدراويش الجدد؛ فناس «الغيوان» تُعد «ظاهرة ثقافية عميقة ارتبطت بمجمل التحولات الفكرية والفنية والاجتماعية والسياسية التي أفرزتها الفترة الممتدة من 1965 إلى 1972» حسبما يقول عنها حنون مبارك (1952) الذي يُعد أول من درس الفرقة دراسة سيسيولوجية. ترعرعت فرقة «ناس الغيوان» في الحي المحمدي نسبة للسلطان محمد الخامس الذي غير اسم الحي بدلا من اسمه القديم كاريان سنطرال -كاريان المشتق من الكلمة الفرنسية ( Carriere) التي تعني مقلعا للحجارة أو محجرا، وسنطرال تعبير عامي دارج يقصد بها المركز حسب كتاب «بحر الغيوان»: التعبير الفني للحي المحمدي الصادر حديثا للمؤلف هشام شوق-. أقامت السلطات الاستعمارية الفرنسية الحي في الجهة الشرقية المخصصة للصناعة والتجارة من مدينة الدار البيضاء. شهد الحي إقبال هجرات للمغاربة من كافة المناطق والإقامة في الحي الذي سيكون لاحقا نقطة للمقاومة المسلحة ضد المستعمر. ومن ذلك الحي المهمش قامت أهم الحركات الثقافية مثل فرقة «ناس الغيوان وجيل جلالة، والفرق المسرحية».

ما يميز فرقة ناس الغيوان أن مؤسسيها ينحدرون من جميع مناطق المغرب، ذلك التوليف ساهم في ثراء وصدق التعابير التي تناولتها أغاني المجموعة التي كانت اللسان الناطق بهموم المجتمع المغربي، ومطالب ضمنية بالعدالة الاجتماعية.

يختلف «ناس الغيوان» عن «جيل Z» أن الفرقة الغنائية أبدعت بأدواتها المحلية سواء على مستوى الأدوات والآلات الموسيقية أو على الكلمة المغناة واللحن المستمد من التراث المغربي بمختلف مناطقه. علاوة على ذلك يعبر «ناس الغيوان» عن الهامش الاجتماعي الذي لا يصل صوته إلى صانع القرار. أما «جيل Z» فيستخدم أدوات ومنصات إلكترونية عالمية وظفها الفاعلون في إبلاغ رسائلهم إلى المعنيين بالأمر، ونالت متابعة ومشاهدة واسعة خارج المغرب.

الجدير ذكره هنا أن بدايات الفرقة وحركة الجيل لقيت تعاضدا من الفئة الشابة؛ فعلى سبيل المثال كان جمهور الفرقة في بداية ظهورها يتراوح بين 15 و35 سنة، وهي فئة الشباب، أما أعمار «جيل Z» فتتراوح بين 13 و28 سنة.

السؤال الذي يطرح نفسه هل تواصل حركة «جيل Z» التعبير عن احتياجاتها بنفس الزخم الذي اكتسبته من العالم الرقمي؟ وهل يمكن أن ينتج عنها إنتاجات ثقافية معبرة تستمر إلى ما بعد تحقيق أهداف المطالب المرفوعة عبر المنصات الإلكترونية، أم أن الحركة ما هي إلا حالة منعكسة عن واقع عالمي مستهلك؟ في كل الأحوال؛ فإن أشكال التعبير الثقافي هي التي ستبقى وتخلد تطلعات الشعوب للحصول على حقوقها المشروعة.