الدولة الفلسطينية والاعتراف الدولي
09 سبتمبر 2025
09 سبتمبر 2025
يترقب العالم خلال الأيام القادمة حدثا ديبلوماسيا وسياسيا مهما يعلن عنه خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، وهذا الحدث هو اعتراف عدد من الدول الغربية بالدولة الفلسطينية كدولة مستقلة على أساس قرارات الشرعية الدولية، وقرار المبادرة العربية التي أعلن عنها خلال القمة العربية في بيروت عام ٢٠٠٢، وأيضا نتيجة العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين لمدة أحد عشر شهرًا.
وتكمن أهمية الاعتراف -إن حدث- في أهمية الدول الغربية التي لها ثقل سياسي واقتصادي مهم في العالم، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا والبرتغال وغيرها من الدول الغربية وغير الغربية؛ بحيث يتحول منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتراف بالشرعية الدولية بحق استقلال فلسطين كدولة مستقلة تتمتع بالسيادة القانونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
إذا أعلن عن الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة من قبل تلك الدول الغربية الفاعلة فإن ذلك سوف يشكل حدثًا سياسيًا كبيرًا، ويضعف سردية الكيان الصهيوني التي تقوم على التضليل، وتمثيل دور الضحية بعد أن انكشفت الإبادة الجماعية التي تقوم بها حكومة نتنياهو المتطرفة وعصابات المستوطنين.
إن الغرب شعوبًا ومؤسسات مدنية أصبح على قناعة بأن الكيان الصهيوني هو سبب الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم، وأصبح هذا الكيان عبئًا على السياسة الغربية، خاصة في ظل الضغوط المتواصلة من الرأي العام الغربي على الحكومات، ونقل صور الإبادة الجماعية على شاشات التلفزة وشبكات التواصل الاجتماعي، ما جعل العالم شرقًا وغربًا يدين السلوك الإجرامي لكيان مارق لا يعترف بالشرعية الدولية ولا المنظومة الأخلاقية والقانونية. ومن هنا فإن المشهد السياسي في العالم يعد على قدر كبير من الخطورة في ظل تمدد الصراع إلى البحر الأحمر والخليج العربي. كما أن الكيان الإسرائيلي خلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار، وقدم بسلوكه المشين صورة قاتمة لمستقبل العالم وأجياله. بل إن هذا الكيان الصهيوني هو نبتة شيطانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حيث ارتكب منذ احتلال فلسطين عام ١٩٤٨ من خلال مؤامرة مكشوفة لحكومة الانتداب البريطاني جرائم بشعة ضد الإنسانية في فلسطين. كما حرض الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على تمديد الصراع ضد الدول العربية كما حدث خلال العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية عام ١٩٥٦. كذلك اجتاح الكيان الصهيوني العاصمة اللبنانية بيروت خلال عدوانه الغاشم عام ١٩٨١، كما قام بالعدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية واليمن، ولا يزال يرتكب الاعتداءات ضد السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدم المنازل وتدمير أشجار الزيتون، وهذا الأخير مورد اقتصادي مهم لعموم الشعب الفلسطيني.
إن اللحظة التاريخية الحاسمة قد حانت، وهي اعتراف الدول الكبرى في العالم بدولة فلسطين من على منبر الأمم المتحدة؛ حيث إن ذلك سوف يضيّق الخناق على الكيان الصهيوني، ويضع الإدارة الأمريكية في موقف محرج. كما أن على الدول العربية أن تستغل هذا الحدث السياسي المهم في الأمم المتحدة للتصدي لأكاذيب الكيان الصهيوني، وإيجاد تنسيق كبير مع دول العالم لكشف مخططاته، وهو الذي أصبح يتلقى ضربات موجعة من المقاومة الفلسطينية وحتى من جماعة أنصار الله الحوثيين.
إن تشدق المتطرف نتنياهو بمسألة «إسرائيل الكبرى» هو وهم. ومع ذلك فإن الحذر والاستعداد العربي لمخططات الكيان الصهيوني هو ضرورة للأمن القومي العربي في ظل الدعم العسكري والاقتصادي والاستخباراتي الذي تقدمه الإدارات الأمريكية؛ حيث إن الحوار مع واشنطن ينبغي أن يُبنى على عوامل موضوعية أساسها المصالح المشتركة، ولا يمكن أن يكون الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني ضد المصالح والمقدرات العربية. خاصة وأن قمة شنغهاي الأخيرة التي ضمت الصين وروسيا الاتحادية والهند وكوريا الشمالية أعطت مؤشرًا قويًا على تحالف جديد يتشكل في العالم حول ضرورة إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب يكون أكثر عدالة وإنصافًا لقضايا الشعوب، ومنها الشعب الفلسطيني الذي تعرض لانتهاكات خطيرة طوال ثمانية عقود منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨.
إن النظام الدولي الأحادي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية منذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام ١٩٩١ سجل فشلًا ذريعًا على كل مستويات العمل الدولي الخاص بالقضية الفلسطينية وتعاطيه مع قضايا المنطقة والعالم. كما أن استخدامه المفرط لحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي أفقد السلوك السياسي الأمريكي مصداقيته. كذلك، فإن إعلان الرئيس الأمريكي ترامب حروبه التجارية أربك الاقتصاد العالمي، وأدخل المنظومة التجارية في وضع معقد. ومن هنا فإن العالم يحتاج إلى منظومة دولية مختلفة، ولعل مجموعة «بريكس» ومجموعة «شنغهاي» قد تكون من الملامح الأولى لظهور نظام دولي متعدد الأقطاب يعالج قضايا العالم من خلال منظومة القيم والقوانين التي يركز عليها ميثاق الأمم المتحدة ووكالات المنظمة الأخرى، خاصة على صعيد ترسيخ السلام والأمن في العالم، واعتماد الحوار آلية موضوعية لحل النزاعات والصراعات بين الدول.
كما أن الأمم المتحدة عانت كثيرًا من السياسة الأمريكية؛ حيث إن عدم إعطاء الوفود الرسمية تأشيرات دخول إلى نيويورك ـ مقر المنظمة الدولية ـ يعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقية دول المقر مع الأمم المتحدة. ولعل نموذج عدم إعطاء الوفد الفلسطيني الذي يترأسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأشيرة دخول هو جزء من إفشال التظاهرة السياسية الدولية في مقر الأمم المتحدة، خاصة الإعلان الرسمي حول الاعتراف بدولة فلسطين من قبل عدد من دول العالم، ومنها دول غربية مهمة كما تمت الإشارة. ومن هنا فإن الهدف الأمريكي من عدم منح تأشيرة الدخول للوفد الفلسطيني هو خدمة الكيان الصهيوني، وإبعاد ممثلي دولة فلسطين من التحدث رسميًا من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيضًا الحديث إلى وسائل الإعلام الدولية لكشف جريمة الإبادة الجماعية التي مارستها حكومة نتنياهو المتطرفة والجيش الإرهابي الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وهي بمثابة فاجعة إنسانية متواصلة.
وعلى ضوء ذلك؛ فإن أمام العرب خلال وجودهم في الأمم المتحدة أن يكشفوا كل جرائم الكيان الصهيوني، بل ينتقدوا سلوك الإدارة الأمريكية الذي يعد الرافعة التي تنفذ من خلالها إسرائيل كل تلك الممارسات القبيحة ضد الشعب الفلسطيني وضد شعوب المنطقة. وقد اتضح أن الكيان الصهيوني دون مساندة أمريكية هو كيان هش يمكن هزيمته من المقاومة الفلسطينية وحدها. وقد أثبتت المواجهات خلال عامين أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أصبح منهكًا، وحالات الانتحار تتواصل علاوة على الهروب من الخدمة العسكرية.
إن أجواء الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام القادمة ينبغي أن تفضح ممارسات الكيان الصهيوني الذي هو خطر على الإنسانية، وعلى منظومة القيم الأخلاقية والدولية، ونواميس العالم المدني، ولابد من محاصرته ديبلوماسيًا وقانونيًا وإعلاميًا. وقد انكشف للعالم؛ حيث تتحدث جرائمه عبر الإعلام الدولي، وهذا يعد أحد أهم النكسات الكبيرة التي مُني بها منذ عام ١٩٤٨. وهذا يقودنا إلى أن الدولة الفلسطينية سوف تكون واقعًا، وسوف يتأكد العالم ـ وهو في طريقه إلى ذلك ـ أن الكيان الصهيوني أصبح منبوذًا، ولابد من ردعه.
عوض بن سعيد باقوير صحفـي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة
