الميلاد العظيم..
08 سبتمبر 2025
08 سبتمبر 2025
ذكرى ميلاد أعظم خلق الله، ذكرى أحب حبيب لله تعالى من الأنبياء والرسل، ذكرى العظيم الذي أرسله تعالى لجميع الناس، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ذكرى الذي أرسله الله للإنس والجن معا: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا(2)) ذكرى صاحب الدين الذي ارتضاه الله تعالى لخلقه جميعا: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ). وكان من ضمن أعطيات هذا النبي العظيم أنه من نسل النبي إبراهيم -عليه السلام- النسل الذي بعث الله منه أنبياء ورسلا عظاما مثل: إسحاق وإسماعيل ويعقوب وموسى وداود وسليمان ويوسف وعيسى ويحيى عليهم جميعا أفضل الصلاة والتسليم، فقال الله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) لقد أوتوا الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وأوتوا الحكمة، وأيضا أتوا الملك العظيم.
وهل ذلك من العجب، يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)) فالله يصطفي من البشر الأطهار المتقين الذين يتوارثون هذا الطهر والتقوى والخلق العظيم والنباهة والفطنة كابرا عن كابر؛ ويتشربون مناهج الرشد في جيناتهم وحيواتهم؛ ليكون منهم الرسل والأنبياء والأوصياء، وليكونوا بمستوى يليق بالتبليغ عن الله تعالى، وحمل أمانة رسالاته للناس وشرائعه ومناهجه ودينه وتطبيقها حرفيا، أمانة عظيمة لا يقدر عليها إلا من اختاره الله.
ونال الحبيب -عليه أفضل الصلاة والتسليم- استثناء خاصا، فهو سيد الرسل جميعا: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)). درست علم النفس بأنواعه التربوي والتطوري والاجتماعي على مقاعد الدراسة الجامعية، وكنت أدرس باندهاش تداخل أدوار الوراثة والتربية والمجتمع في تربية الإنسان، وكانت عبارة رب العزة «ذرية بعضها من بعض» في وراثة النبوة والرسالات تستوقفني، كما كانت تستوقفني آيات: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)) فكم للوراثة والتربية وتنميط المجتمع دور حاسم في الأرومة الطيبة أو الأرومة غير الطيبة.
الأرومة الطيبة التي كان منها هذا النبي الحبيب الذي نعيش مناسبة ولادته، لم يكن سيد الدنيا فقط، وإنما هو سيد الآخرة، فهو أول من سيدخل الجنة، وهو صاحب المقام المحمود في الجنة، وهو صاحب الحوض يسقي منه من يرتضيه رب العزة، وهو الشفيع لأمته.
ومع كل ذلك، ضرب بالحصى، وسفّهه الكفار، وطارده الصبيان، وحوصر مع أتباعه، وفرضت عليهم المجاعة، ثم هدد في حياته، فكان القتل على بُعد أنملة منه، فسكت وصبر وتواضع كما لم يفعل أحد من قبله أو من بعده.
وعندما ظهرت نبوءته الكريمة وسادت في المدينة المنورة لم يسلم من الأذى أيضا، فقد جرى عليه ما جرى من شج رأسه وكسر رباعيته، وتعرض للقتل على يد مقاتلي الكفار عندما خالفه جنده في معركة أحد، ولم يلتزموا بتعليماته.
فأثنى الله تعالى عليه حق الثناء: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
لأن لهم وقت الغضب والحساب العسير؛ لأن لهم وقت مناقشة أسباب الهزيمة؛ لأن لهم وقت العقاب فعفى عنهم وغفر، واستغفر لهم الله، ولم يغير دأبه معهم في مشاورتهم، فإذا عزم وقرر توكل على الله، فنال أرفع وسام وأعظم شهادة من رب العرش العظيم: (وإنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) صلى الله عليك يا رسول الله في يوم ميلادك، وكما كنا -أهل عمان- من أتباع دينك في الدنيا سلما وتسليما لنبوءتك العظيمة، حشرنا الله تعالى معك في الآخرة وسقانا من حوضك في الجنة وأنالنا الدرجات العلى.
د. طاهرة اللواتية إعلامية وكاتبة
