ماذا بعد في المحادثات الأمريكية الإيرانية؟

20 يوليو 2025
20 يوليو 2025

ترجمة: أحمد شافعي -

في منطقة تشتهر بتقلباتها غير المتوقعة، يأتي احتمال تجدد المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية ليمثل أحدث حلقة في ملحمة بين خصمين. فمنذ أكثر قليلا من أسبوعين، تبادل البلدان ضربات غير مسبوقة في سياق حرب أوسع نطاقا بين إسرائيل وإيران أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف. ومثل هذه التحولات السريعة تثير سؤالا مهما وجوهريا: هل المسؤولون في طهران وواشنطن يرغبون في التوصل إلى اتفاق، وهل يمكنهم التوصل إليه؟

قد يكون للمرء ما يبرر تعبيره إما عن التفاؤل أو التشاؤم، نظرا لاتساع نطاق النتائج المحتملة. فكما هو متوقع، عزز ما يسمى بـ«حرب الإثني عشر يوما» موقف الصقور في إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وحتى في ظل تجدد الدعوات الأمريكية إلى المحادثات، تبقى إيران متشككة، وتفضل إسرائيل الصراع وتغيير النظام الحاكم. فقد لا تكون نهاية هذه الحرب أكثر من استراحة.

لقد انتهى هيكل الردع المفترض الذي كان يحكم معظم المنطقة قبل السابع من أكتوبر 2023، مثلما انتهت القواعد التي كانت تشكله، ومن ثم يزداد خطر الخطأ في الحسابات والتقديرات.

وفي هذا السياق، يكون قرار إيران بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الثاني من يوليو قرارا جوهريا. ويبدو أن طهران، كما هو متوقع، تستعمل هذه الخطوة باعتبارها إشارة إلى أنها تبتعد عن معاهدة حظر الانتشار النووي. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ترى أنها في ما يتعلق ببرنامجها النووي لم تتلق الضمانات الممنوحة للدول ذات السيادة إذ تتعاون مع معايير حظر الانتشار العالمية.

وذلك التفكير لم يعد بأي نفع على إيران، وتزداد تحذيرات القادة الأوروبيين من إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بموجب الاتفاق النووي السابق بين الولايات المتحدة وإيران، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، ولم يتوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن اعتبار الخطوة الإيرانية دليلا إضافيا على سلوكها المتمرد، ولم يتوان أيضا عن مواصلة الضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل شن جولة أخرى من الضربات نتيجة لتلك الخطوة.

غير أنه يتردد أن ترامب يفضل التوصل إلى اتفاق. وفي حين يزعم البلدان أنهما على توافق -وقد يكون الأمر كذلك في ضوء المغريات الكاذبة التي هدَّأت طهران قبل حرب يونيو- فإن قائدي البلدين يريان نهاية اللعبة بعين مختلفة. فترامب مستعد لاستخدام القوة لإظهار قوته في ما يمكن وصفه بأنه شكل من أشكال الإبرام القسري للصفقات، ومن المرجح أنه وكبار المسؤولين الأمريكيين المتحمسين لضبط النفس ينظرون إلى جولات جديدة من القتال مع إيران باعتبار أنها محفوفة بالمخاطر وعديمة الجدوى.

ولا يعني هذا أنه لا مجال لاستخدام القوة مجددا. فالولايات المتحدة -وفقا لم يرجح أن يكون تفكر الإدارة- يمكن أن تجتنب حربا أوسع نطاقا وتجتنب هدف تغيير النظام الذي تتبناه إسرائيل، مع تكثيف الضغط المتمثل في التهديد الحقيقي بالقوة العسكرية، مع ملاحظة أن لها الفيتو النهائي على هذا التهديد إذا ما لزم الأمر. ويشكل هذا النهج شعار «السلام من خلال القوة» الذي استشهد به ترامب ونتنياهو في خطاباتهما العامة. وهكذا، يشير الوضع اليوم إلى استمرار الوضع الراهن، ولكن مع استعداد أكبر لاستخدام العنف وسط حالة من عدم اليقين في ما يتعلق بكيفية رد هؤلاء الفاعلين على أفعال بعضهم بعضا.

قد تفسر هذه الديناميكية نهج إيران: أي «الغموض النووي». فبوقفها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع عرضها استئناف التنسيق في ظل ظروف مناسبة، تقدم إيران مخرجا يمكن أن يحققه الاتفاق. وبتجنبها إلغاء التصديق الفوري على معاهدة حظر الانتشار النووي، تقدم طهران أيضا سلما تصعيديا كنتيجة لأي تجدد للقتال. وبعيدا عن الخطابات الحادة، من المرجح ألا يكون قادة البلد واثقين كثيرا في أي من المسارين، ويرجون كسب الوقت على أقل تقدير.

والحق أن هذا ليس بالموقف المستحب. فقد أثبت ترامب مرة أخرى قدرته على الكذب ونقض الاتفاقات في لحظة، مقدما بذلك نسخة أخرى من استراتيجية الرجل المجنون التي تنتهجها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر. والرجوع إلى المفاوضات مع لاعب كهذا أمر محفوف بالمخاطر، إذ يصعب التمييز بين الخداع والتهديد الموثوق. ولا شك أن طهران لن ترتكب نفس أخطاء التهاون التي ارتكبتها في الماضي، لكنها لا تزال تجد نفسها في موقف صعب. وقد تفقد تهديدات الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي جدواها إذا حافظت الجمهورية الإسلامية على نهجها المتحفظ. لكن هذا النهج قد يفقد جاذبيته بمرور الوقت.

وهذا الوضع غير مستحب أيضا بالنسبة للولايات المتحدة. فإيران التي تشعر بالحصار هي إيران أشد خطورة. وكما أن تهديدات واشنطن باستخدام القوة تثير القلق، فإن تهديدات طهران بالاختراق النووي المحتمل تثير القلق أيضا. ومع تزايد التساؤلات الحقيقية حول نجاح الغارات الجوية الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية في يونيو، تتزايد المخاطر المرتبطة بمزيد من الحروب.

في هذا السياق، نجح هجوم يونيو الأمريكي الإسرائيلي على إيران في تعزيز الوحدة الوطنية داخل الجمهورية الإسلامية. ونتيجة لذلك، تتجه طهران نحو خطاب عام بطرق لم تسلكها في الماضي، إذ تجمع بين الإسلاموية الشيعية الثيوقراطية والقومية الفارسية والإيرانية التاريخية. وبرغم اندفاع البلد نحو إجراءات قمعية ضد المتسللين المزعومين، فإن العديد من الإيرانيين اعتبروا الهجوم على بلدهم ومجتمعاتهم هجوما على إيران بأكملها -وليس فقط على رجال الدين، بما يجعل شن ضربات إضافية للضغط على البلد نهجا غير واقعي.

في حال انهيار المحادثات الأمريكية الإيرانية بسبب رفض طهران المستمر التراجع عن برنامجها النووي المتعلق بالتخصيب -وهو احتمال وارد جدا في ضوء الديناميكيات الداخلية للبلد- سيضغط نتنياهو على واشنطن لشن المزيد من الضربات. وفي ضوء عدم رغبة ترامب في وقف ذلك الهجوم المفاجئ وتفضيله للإكراه كوسيلة للتوصل إلى اتفاقات، فمن المرجح أن يتبع ذلك تجدد الصراع.

في المقابل، سوف تتعرض إيران لمزيد من الضغط للاندفاع نحو امتلاك سلاح نووي، وعلى الأقل، قد تنفذ تهديداتها المتعلقة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، بما يزيد الضرر المحيق بشفافية برنامجها النووي، وتشن هجمات أقوى على المواقع الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.

ويتنافى مع الإحساس بالمسؤولية افتراض أن تلك الهجمات ستكون شكلية على غرار الضربات الإيرانية للقيادة المركزية الأمريكية في الدوحة بقطر، في نهاية حرب الأيام الإثني عشر، ومما يتنافى مع الإحساس بالمسؤولية بالقدر نفسه افتراض أن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية يمكن أن تغير السلوك الإيراني، فالقبول بهجوم عسكري واسع النطاق على إيران، وما سيترتب عليه من حملة لتغيير النظام الحاكم، في حال اندفاعه نحو امتلاك قنبلة نووية، هو نتيجة سياسية غير مقبولة. ثمة تسمية لهذه السلسلة من الأحداث: فهي حرب أخرى لا نهاية لها. وسوف تأتي هذه الحرب على حساب أرواح لا تحصى من الإيرانيين والإسرائيليين والأمريكيين. ورغم أن هذا السيناريو غير مضمون، فإن المخاطر المرتبطة به يجب أن تثني أي محاولة لتجديد القتال. فلطهران وواشنطن مصلحة مشتركة في التوصل إلى اتفاق، وعليهما رفض مصالح إسرائيل المناقض في المزيد من العنف.

وأخيرا، فإن أفضل طريقة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي هي التوصل إلى اتفاق تفاوضي. وترامب هو الذي يمسك زمام الأمور، ولديه فرصة لإثبات جدارته المزعومة في تحقيق السلام. وفي الوقت الراهن، تبقى هذه الجدارة غير مؤكدة.

ألكسندر لانجلوا محلل للسياسة الخارجية وزميل مشارك في «أولويات الدفاع».

الترجمة عن «ذي ناشونال إنتريست»