الهروب من قيظ الصيف
ما إن يطل الصيف حتى يبدأ الناس في تجهيز حقائبهم، بحثًا عن مناطق أكثر برودة. هذا المشهد يتكرر في معظم دول العالم، ولا يختلف كثيرا بين الشرق والغرب، فحرارة الصيف تدفع الكثيرين إلى الهروب من لهيب المدن إلى أماكن أكثر لطفًا في الطقس. وفي عالمنا العربي، ومع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، يصبح السفر إلى الأجور البادرة حلمًا يراود آلاف العائلات، هربًا من حرارة تكاد تذيب كل شيء.
لكن في الجهة الأخرى من العالم، هناك مشهد معاكس؛ ففي دول الشمال حين يحل الشتاء ببرودته القاسية وتغطي الثلوج كل مكان، يبحث الناس عن الدفء، فيتجهون إلى بلادنا التي تمنحهم شمسًا معتدلة ورمالًا ذهبية وشواطئ ممتدة. إنها لعبة الفصول التي تجعل حركة السفر دائمة بين مناطق الأرض، فالهروب من القيظ أو الصقيع هو القاسم المشترك بين الجميع.
السياحة اليوم لم تعد ترفًا، بل أصبحت صناعة كبرى تنافس النفط والغاز في أهميتها الاقتصادية. منظمة السياحة العالمية تشير إلى أن السياحة تسهم بأكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي عالميًا، وتوفر ملايين الوظائف. دول مثل فرنسا وإسبانيا لم تصل إلى القمة صدفة، بل عبر خطط واضحة واستثمار في البنية التحتية، وترويج ذكي جعل السياحة موردًا رئيسيًا لاقتصادها.
وفي سلطنة عُمان، نمتلك ما يجعلنا وجهة مميزة على مدار العام. الطبيعة منحت سلطنة عمان تنوعًا فريدًا يجعلها مقصدًا لكل المواسم؛ ففي الصيف، تجذب أجواء الخريف في محافظة ظفار آلاف الزوار من داخل سلطنة عمان وخارجها، حيث تتحول الجبال إلى لوحة خضراء بديعة تتخللها الشلالات والغيوم والرذاذ، في مشهد قلّ أن تجده في هذه المنطقة من العالم. أما من يبحث عن المغامرة في قلب الصيف، فجبال الحجر في الشمال توفر درجات حرارة ألطف من المدن، مع فرص لهواة التخييم واستكشاف الوديان والكهوف.
وفي الشتاء، تصبح سلطنة عُمان بمثابة حديقة مفتوحة للسياحة، حيث تمتد شواطئها الذهبية لأكثر من 3 آلاف كيلومتر، لتوفر أجواءً مثالية للسباحة والغوص ومشاهدة الدلافين. الصحاري العمانية مثل رمال الشرقية تقدم تجربة فريدة لعشاق المغامرات والتخييم تحت سماء مرصعة بالنجوم، فيما تمثل الجبال والكهوف بيئة مثالية لمحبي التسلق والاستكشاف. ولعشاق التاريخ والثقافة، تزخر سلطنة عمان بالقلاع والحصون والأسواق التقليدية التي تحكي قصة حضارة ضاربة في الجذور. هذا التنوع يجعل من سلطنة عُمان وجهة سياحية متكاملة لا تقتصر على فصل واحد، بل تقدم للزائر تجربة مدهشة طوال العام.
ورغم هذه المقومات، فقد ارتفعت إسهامات السياحة في الاقتصاد الوطني إلى 2.12 مليار ريال عُماني بنهاية 2024 مقارنة بـ1.75 مليار ريال في 2018، وارتفعت مساهمة القطاع في الناتج المحلي إلى 2.7 مليار ريال عُماني مقارنة بـ2.3 مليار ريال في 2018. هذه الأرقام تعكس نموًا، لكنها تحتاج إلى مزيد من العمل لتحقيق أهداف رؤية سلطنة عُمان 2040 التي تسعى لجعل السياحة أحد أهم محركات الاقتصاد.
ما نملكه ليس مجرد طبيعة خلابة، بل فرصة حقيقية لصناعة سياحة مستدامة تعكس هويتنا وثقافتنا، وتضع سلطنة عُمان في صدارة الوجهات العالمية. فالسياحة ليست ترفًا، بل خيار استراتيجي يعزز الاقتصاد، ويجعل من بلادنا وجهة مفتوحة لكل الفصول، نروي من خلالها للعالم حكاية بلد يجمع بين سحر الطبيعة وروح الأصالة.
