الصراع الجيوسياسي في غرب إفريقيا

02 أغسطس 2023
02 أغسطس 2023

بوسعنا اليوم القول إن لرحى الحرب الدائرة بين روسيا من جهة، وبين أوكرانيا والغرب الأوروبي والأمريكي، من جهة أخرى، عناوين كثيرة في أكثر من مجال، لاسيما مجال النفوذ الجيوسياسي في غرب إفريقيا. فليس تفصيلًا أن تعقد كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، كل على حدةٍ، قممًا إفريقية تستضيف فيها رؤساء أفارقة؛ آخرها كانت قمة روسيا التي استضاف فيها الرئيس الروسي بوتين زعماء أفارقة في روسيا قبل أيام.

تعدّ غرب إفريقيا من المناطق الساخنة في العالم، ولاسيما أنها منطقة تمثل أحد المسارح التي تنشط فيها منظومات خطرة، مثل بعض الحركات الإرهابية كحركة بوكو حرام وداعش والقاعدة، التي تمتلك مساحات في بعض أراضي دول الساحل والصحراء، بالإضافة إلى مجموعة فاغنر الروسية التي تساعد بعض الحكومات هناك في إدارة الحكم كما في كل من جمهوريتي مالي وإفريقيا الوسطى.

ومن خلال نجاح فاغنر في دحر الإرهابيين والدواعش في جمهورية مالي قبل سنوات بدا لكثير من الدوائر الغربية أن طبيعة ذلك الصراع بين المنظومتين هو عينة من المقارنة بين السيئ والأسوأ.

اليوم مع تغلغل فاغنر في العديد من دول غرب إفريقيا، إلى جانب هويتها المختلة حتى في موسكو فإن ثمة خطورة كبيرة في تمدد تلك المنظمة التي هي حتى الآن تعدّ إحدى أذرع الحكومة الروسية في الخارج.

ولأن الولايات المتحدة تدرك خطورة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا وتحذر في الوقت ذاته من تمدد فاغنر هناك، فإن وجودها الأمني في منطقة الساحل والصحراء تضاعف بتوسع نفوذ فاغنر، لاسيما على خلفية إدارة الصراع مع روسيا في الحرب التي تخوضها بأوروبا.

إن التنافس الجيوسياسي بين كل من روسيا والولايات المتحدة في غرب إفريقيا يشكل تحديًا مزدوجًا، ففرنسا حين عجزت في مالي عن مواجهة المتشددين، حلت محلها قوات فاغنر الروسية ولعبت هذه دورًا كبيرًا بتثبيت أركان الحكم العسكري في مالي بعد هزيمة المتطرفين.

اليوم وإثر الانقلاب العسكري في النيجر على الرئيس الشرعي بازوم، تشهد المنطقة تحالفًا عسكريًا بين دول ثلاث شهدت انقلابات هي؛ مالي - بوركينا فاسو - والنيجر، ويبدو أن تحالف هذه الأنظمة الجديدة مع روسيا والمجاهرة بذلك شكّل لديهم وعيًا مشتركًا بالتصدي لكل محاولات تهدد سلطاتهم الانقلابية، كما رأينا في التهديدات التي أطلقتها كل من مالي وبوركينا فاسو بالاستعداد للمشاركة معًا في مواجهة أي تهديد لسلطة الانقلاب الجديد في النيجر. وإذا عرفنا أن الذين يعارضون الانقلاب في النيجر ليست فرنسا وحدها وإنما الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وحتى دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) التي أمهلت الانقلابيين 15 يومًا للتراجع عن انقلابهم. يبدو النفوذ الجيوسياسي على غرب إفريقيا بين كل من الولايات المتحدة وروسيا سيشهد تنافسًا شديدًا لتشكيل أوراق ضغط في ملفات ومناطق أخرى من العالم.

وإذ كان الروس اليوم ومعهم الصين هم الأكثر تأثيرًا في إفريقيا من دول أوروبا، فإن ذلك في تقديرنا قد لا يعكس إمكانية لتطور ديمقراطي حر في بلدان إفريقيا، التي تشهد بعض دولها أنظمة ذات استقرار ديمقراطي ملحوظ مثل غانا - السنغال - كينيا وغيرها.

وليس ثمة أمام كل من روسيا والصين في مواجهة أمريكا، جيوسياسيًا، إلا التحالف الموضوعي بينهما في إفريقيا، لأن المحفزات التي تطرحها كل من الصين وروسيا للتغطية على كثير من علامات عدم الشفافية هو مما لا يتعارض مع القيم التي تسوق لها كل من روسيا والصين في مجال علاقتها البينية مع دول أفريقيا.

وفيما يدرك الغرب خطورة اللعب بالبيضة والحجر في سياساته مع دول غرب إفريقيا لناحية الوجود المزدوج لكل من منظومة فاغنر، من ناحية، ومنظومات الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام وداعش والقاعدة، من ناحية ثانية، فإن جهود الولايات المتحدة على وقع الحرب الروسية الأوكرانية ستبدو عسيرةً في مكافحة وجود المنظومتين العدوتين لها - وإن كان قياس الشبه هنا مع الفارق بينهما - يومًا بعد يومًا يتبين كيف أن الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة بين روسيا وأوكرانيا، هي في الحقيقة حرب قد تخلط الكثير من أوراق الجغرافيا السياسية في أكثر من مكان في العالم كما نشهد اليوم في غرب إفريقيا.