لو أن بريطانيا قلقة حقا على مجاعة كوريا الشمالية فلتطالب بإنهاء العقوبات القاسية

19 يونيو 2023
ترجمة: أحمد شافعي
19 يونيو 2023

في هذا الأسبوع، بثت هيئة الإذاعة البريطانية تقارير من أكثر بلاد العالم انغلاقا. وكان العنوان الغالب على تلك التقارير هو أن شعب هذا البلد يتعرض لمجاعة. ذلك البلد هو كوريا الشمالية الشيوعية الفقيرة، أما البلد الآخر، أي كوريا الجنوبية الرأسمالية، فهو من أكثر بلد آسيا رخاء. ولقد تعرضت كوريا الشمالية للمجاعات من قبل في الخمسينيات من القرن العشرين، وفي السبعينيات، وفي التسعينيات، وفي كل مرة كانت تنقذها الصين. لكن الحكومة الكورية الشمالية أغلقت حدودها خلال جائحة كوفيد ثم لم تفتحها منذ ذلك الحين إلا لماما. وقد أعاق ذلك استيراد المواد الغذائية الصينية. ويعتقد خبراء في منظمة الأمم المتحدة أن كوريا الشمالية لا تكاد تقدر في هذا العام على إطعام أكثر من ثلاثة أرباع شعبها المؤلف من ستة وعشرين مليون نسمة في مستوى الكفاف اللازم للبقاء على قيد الحياة. وقد تحدثت هيئة الإذاعة البريطانية إلى شهود عيان، فأفاد هؤلاء بوفاة جيران لهم من الجوع، سواء أكانوا في منازلهم أم في الشوارع. هذا وقد قضى أكثر من نصف مليون نسمة من أبناء كوريا الشمالية نحبهم من قبل في مجاعة التسعينيات. ومن ثم فإن الأمر قابل لأن يتكرر.

ما الذي يجب أن يفعله البريطانيون حيال هذا الأمر، في ما عدا التعاطف المحض من بعيد؟ كثيرا ما تشير هازل سميث ـ خبيرة الشؤون الكورية في مدرسة لندن للدراسات الشرقية والأفريقية ـ إلى أنه عندما يسعى بلد إلى تحقيق درجة كبيرة من «الاكتفاء الذاتي» بدافع من رهاب الأجانب، والإنفاق على الدفاع بسخاء، فإنه يعاني من تشوهات اقتصادية هائلة. إذ يصبح نقص الغذاء «مندمجا في ... النظام». ولقد تردد أن صادرات الصين إلى كوريا الشمالية انخفضت بنسبة 81% في عام 2020، وأن المتاجر خلت من الغذاء الصيني وأن المتسولين باتوا منتشرين في كل مكان.

ربما أخطأ نظام بيونج يانج الحاكم حينما سعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن ذلك، في حد ذاته، لم يكن بالأمر الغبي. ومثلما قالت هازل لهيئة الإذاعة البريطانية هذا الأسبوع، فقد تمثَّل الأمر الكارثي بحق في تشديد عقوبات الأمم المتحدة في عام 2017. إذ وسَّعت المنظمة الدولية الحظر المفروض على المواد النووية والعسكرية بحيث لم يعد هذا الحظر يميِّز بين الاحتياجات المدنية والاحتياجات العسكرية. وبصفة خاصة، تم فرض وقف المنتجات النفطية، بما في ذلك كل ما يلزم من أجل الزراعة. ويتضمن ذلك مدخلات إنتاج الأسمدة والمبيدات والتعبئة البلاستيكية. لدرجة أن انخفض الآن استهلاك الوقود لمدة عام في كوريا الشمالية حتى بات يعادل استهلاك الوقود في يوم واحد في كوريا الجنوبية. وانخفض إنتاج الغذاء منذ عام 2019، بينما أدى انهيار الصادرات إلى الحد بشدة من قدرة كوريا الشمالية على شراء الغذاء من الأسواق العالمية.

لعل أنصار العقوبات المتحمسين لها سيقولون إن هذا دليل على أن «العقوبات ناجحة»، وإنه إذا كان شعب يتسامح مع زعيم مستبد شرس يمثل تهديدا للبلاد المجاورة لبلده، فليلق هذا الشعب جزاءه المستحق. وفي كل مرة يجري فيها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونجن اختبارا لصاروخ، فإنه يستحق عقوبة أخرى. وينبغي أن يكون هذا درسا له. غير أن بلدا إمبرياليا سابقا من قبيل بريطانيا، ينصب نفسه شرطيا أخلاقيا في العالم، لا يمكن أن يتقاعس عن عمل أي شيء. فلم يزل بوسع بلد كذلك أن يفعل الكثير بما يفوق المنتظر منه. لم يزل بوسعه أن يقود الغرب.

لكن ضرر العقوبات لا يعني نجاح العقوبات. فقد فرضت العقوبات أول ما فرضت على كوريا الشمالية بعد الحرب التي نشبت في خمسينيات القرن الماضي. ثم زيدت العقوبات في الثمانينيات، ثم جرى تشديدها حينما خرجت كوريا الشمالية من معاهدة حظر الانتشار الأسلحة النووية في سنة 2003. ثم زيدت العقوبات تشديدا بعد اختبارات الأسلحة المتتالية التي أجرتها بيونج يانج في أعوام 2006 و2009 و2013 و2016 و2017. وإنني أبحث فلا أجد مزقة من دليل على أنها أثمرت ولو الحد الأدنى من كبح النظام الحاكم في بيونج يانج، بل إنها رسخت لديه عقلية الحصار وزادته طيشا على طيش. ولم يخدم هذا مصالح أي طرف، سواء في الغرب أو من جيران كوريا الشمالية الآسيويين.

لقد فعلت العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية بالضبط مثل ما فعلته في عدد لا حصر له من الأنظمة الحاكمة في العقود الأخيرة، من كوبا إلى ميانمار إلى فنزويلا إلى أفغانستان. أي أنها رسخت النخب القائمة في السلطة وجعلت سلوكها أكثر ميلا إلى البارانويا. كما أن العقوبات أضعفت تسامح البلد مع المعارضة وقللت احتمالية وقوع أي تغيير. ويقول المتحمسون دائما إن العقوبات تستغرق وقتا. وقد استغرقت وقتا بالفعل. لكن هذه العقوبات فشلت على مدار نصف قرن.

وأهم من ذلك كله أنها، بفظاظتها المحضة، واشتدادها من عام إلى عام، تؤذي الفقراء والأبرياء في البلد الضحية وتضعفهم. وفي حالة عقوبات الطاقة المفروضة على روسيا، فإنها تضير أيضا الفقراء في الدول الفارضة للعقوبات. وقد باتت العقوبات تجليا آخر لانتشار الحمائية العالمية. وبوسعنا أن نفترض أنه سيكون مطلوبا الآن من دافعي الضرائب البريطانيين أن يرسلوا الطعام إلى كوريا الشمالية لتخفيف المجاعة التي شاركت حكومتهم على مدار ست سنين في المصير إليها. وسيكون من الصواب مطالبتهم بهذا. لكن سياستنا الخارجية تنسى القول السائر إنه إذا استحال عليك أن تفعل الخير، فعلى الأقل لا تفعل الشر. والعقوبات ليست فعلا للخير، لكن المحقق أنها فعل يؤدي إلى الضرر وإلى الإيذاء.