الشورى: التطلعات المجتمعية

10 يونيو 2023
10 يونيو 2023

بإعلان وزارة الدخلية القوائم الأولية للمترشحين لانتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة (2023 - 2027)؛ يمكن القول إن (الموسم الانتخابي) قد بدأ في سلطنة عُمان، وهو في تقديرنا «موسم خصب» للدراسة والتحليل؛ سواء كان للأنماط الناشئة من التداول بين المترشحين والمجتمع، أو لنوعية القضايا التي تركز عليها الطروحات المجتمعية في الموسم الانتخابي، سواء كانت تلك القضايا تطرحُ على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تفند في اللقاءات والمجالس المباشرة للحملات الانتخابية. ونعود للتأكيد أن الهواجس المجتمعية ليس وحدها تلك التي تصعدها مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ما يُطرح في هذه المواقع أيضًا هو مؤشر لا يمكن القفز عليه لحالة اجتماعية عامة يمكن التنبه إليها وقياسها في الواقع المجتمعي. تقف الفترة العاشرة لمجلس الشورى أمام عدد من المنعطفات المحورية؛ فهي تتأتى بعد صدور قانون مجلس عُمان (7/ 2021) الذي يمثل مرجعية أساس في تحول أدوار المجلس. وهي تتأتى كذلك في سياق التحول نحو مرتكز مهم في نموذج التنمية الجديد في عُمان، وهو تمكين المحافظات وتعزيز اللامركزية، وما يستتبعه من تأكيد القيادة السياسية على ضرورة فصل الأدوار بين ثلاث مستويات رئيسية: (المجالس البرلمانية: بوصفها مشاركًا في رسم التشريع ومتابعًا للسياسة العامة وملفات الأداء التنموي والحكومي)، (المجالس البلدية: بوصفها متابعًا للخدمات العامة والمحلية ومشاركًا في رسم وتخطيط التنمية المحلية)، و(المحافظات «الإدارات المحلية»: بوصفها واضعًا لسياسة التنمية المحلية ومنفذًا لها ومتحققًا من لامركزية التنمية). إذن مع فصل الأدوار وإزالة الاشتباك بين الصلاحيات خلال المرحلة الحالية، تستدعي الفترة المقبلة لمجلس الشورى تركيزًا موجهًا نحو الانخراط في المشاركة التشريعية والنظر والمتابعة والتقييم للسياسات العامة، بما في ذلك الأدوات المتاحة للمجلس وخصوصًا في شق النظر في خطط التنمية والموازنات العمومية.

أحد أهم المنعطفات المهمة أمام الفترة العاشرة هو أنها تأتي كذلك في مرحلة استقرت فيها هياكل العمل الحكومي وسياساته، خصوصًا بعد موجهات إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، ودخول الحكومة لتبني نموذج تنموي جديد يسمه عدة ملامح: منها ما ذكرناه حول تمكين الإدارات المحلية، ومنها التركيز على إرساء قاعدة مستديمة للمالية العامة، ومنها ارتكاز على قطاع ريادة الأعمال بوصفه قاطرًا للاقتصاد الوطني، ومنها انفتاح وتمكين أكبر للمنظومات الاستثمارية الداخلية والخارجية. ومن المنعطفات التي ستوجه الفترة القادمة للمجلس كذلك أنه سيتشكل في ضوء منتصف خطة خمسية تنموية (الخطة الخمسية العاشرة)، وسيواكب مراحل الإعداد وشروع التنفيذ لخطة خمسية لاحقة (الخطة الخمسية الحادية عشرة). وهو ما يتيح للمجلس المشاركة المستقلة في تقييم المسارات والاتجاهات والمستهدفات المقرة في الخطة الخمسية الحالية، وتشخيص الفجوات التنموية وخاصة في الشق التشريعي التي واجهتها، وتصعيد بعض التوجهات التنموية التي يرى المجلس أهميتها وأولويتها تعبيرًا عن التطلعات المجتمعية للخطة الخمسية القادمة. عوضًا عن أن الفترة العاشرة تتأتى في سياق استقرت فيه المعطيات الاقتصادية (بناء على المسار الراهن)، وهو ما يُمكن من متابعة مسارات تحقق الرؤية الوطنية (عُمان 2040) بناء على المستهدفات والأجندة المرحلية المحددة لها، خصوصًا أن الفترة العاشرة ستنتهي ونحن بنهاية (ثلث المدى الزمني للرؤية) تقريبًا.

نعتقد كذلك أن الفترة التاسعة (الحالية) للمجلس ومخرجاتها ستكون موجهًا أساسيًّا للموسم الانتخابي الراهن، وللفترة العاشرة من عمر المجلس. ذلك أن مجمل مداولات القوانين، والسياسات، وموجهات العمل التنموي التي تم مناقشتها خلال هذه الفترة، ونركز تحديدًا على القوانين المتصلة بـ (العقد الاجتماعي) -إن صحت التسمية- شكلت ثقلًا محوريًّا لنقاشات المجلس، وهذه القوانين ترسم بشكل دقيق مسار المرحلة المقبلة، ويقع على عاتق الفترة التاسعة تفعيل الأدوات المناسبة لـ (متابعة) تحقق غاياتها وتحقيق أثرها والحوكمة التي تقرها في مختلف القطاعات التي تتوجه إليها. غير أن المرحلة المقبلة عمومًا تتطلب من الفاعلين التنمويين (بمن فيهم المجالس البرلمانية) التركيز على ملفات متعددة، يتصل بعضها بالتطلعات والهواجس المجتمعية الراهنة. نعتقد أن أحد تلك الهواجس هو البحث عن (الجذور الاقتصادية) لمشكلة (المسرحين عن عمل)، فالإجراءات التشريعية لكبح المشكلة، والضمانات الاجتماعية لحماية هذه الفئة (مهمة)، ولكن من المهم كذلك التفكير بشكل جلي في البحث عن جذور المشكلة، وخاصة في إطار الأوضاع الاقتصادية القائمة. وذلك لضمان إيجاد حلول وقائية أكثر ديمومة لكبحها. نعتقد كذلك أن المرحلة المقبلة تفرض تعظيمًا للمنفعة الاجتماعية من مشروعات ومبادرات الاستثمار الاجتماعي (المسؤولية الاجتماعية)، وقد تكون هذه المسألة لا تزال تحت جدلية: هل المسألة تستوجب حوكمتها بالتشريعات؟ أم أن المسألة هي أخلاقية كونها مرتبطة بـ (مساهمات) متعددة لمؤسسات القطاع الخاص؟ ولكن بعيدًا عن هذه الجدلية، يمكن أن نقول إن الاتجاه الذي يجب التركيز عليه هو الكيفية التي تتوجه بها هذه المساهمات لتحقيق الضرورات الاجتماعية القصوى، ثم لملامسة التوجهات الوطنية. خاصة أن كل كيان لديه سياساته واستراتيجياته في هذا الصدد، ولكن كيف يمكن للدولة أن توجه (جزء) على الأقل من مجمل ذلك لتحقيق منظومات (الأمان الاجتماعي - التنمية المحلية المتوازنة - سد الفجوات التنموية).

ومن الملفات التنموية التي نعتقد أنها يمكن أن تكون مساحة للنقاشات البرلمانية والتنموية عمومًا هو ملف (الاستثمار في الشيخوخة النشطة)، ويمكن أن تؤدي الموجهات التشريعية دورًا في حفز ذلك، خاصة مع شمول منظومة الحماية الاجتماعية المقترحة لفئة كبار السن، والزيادة المطردة لمؤشرات أمد العمر ونوعية الحياة عالميًا، والحاجة القصوى لتفعيل ما يُعرف بالاقتصاد الفضي (وقد كتبنا عنه مقالة مفصلة سابقًا على هذه المساحة). نعتقد كذلك أن ما شهده العالم من موجات تضخم مطردة خلال السنتين الماضيتين، وفي ضوء الاضطرابات الجيوسياسية عالميًّا أصبح هناك تفكير متزايد في عناصر الاكتفاء المحلي، وهنا لا نتحدث فقط عن العناصر الغذائية وحدها، وإنما قد يمتد ذلك إلى العناصر التقنية والصحية كذلك. وليس أدل من ذلك عن النقاش العالمي متعدد الاتجاهات حول موضوع الصراع على أشباه الموصلات. ولذا سيكون أمام العمل التنموي ملفًا مهمًّا لتمكين منظومات الاكتفاء المحلي سواء عبر تشريع جامع، أو عبر حزمة منسقة وطنيًّا لتمكين الصناعات والفاعلين في القطاعات ذات الأولوية والأكثر تلامسًا مع منظومات الاكتفاء المحلي.

لا يمكن كذلك القفز على قضايا تستوجب النظر التشريعي مثل الاستخدام الأخلاقي، والتمكين الاقتصادي، والأثر الاجتماعي للتقنيات الحديثة، بما في ذلك تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي. والأطر التشريعية لتمكين منظومات القيمة المحلية المضافة (المحتوى المحلي)، وكذلك النظر في مقتضيات واتجاهات السياسات السكانية الراهنة والمستقبلية، ومدى اتساق موجهاتها مع استقرار البنى الاجتماعية وتعزيز النشاط الاقتصادي. وهناك قائمة يصعب حصرها من الأولويات التنموية التي يمكن أن تكون ملفات نقاش للمرحلة القادمة سواء للمجالس البرلمانية خصوصًا أو للمشهد التنموي على وجه العموم. إلا أن ما يُمكن قوله إن الفترة العاشرة برهاناتها ومنعطفاتها نتوقع أن تكون فترة محورية للفاعلين التنمويين وإن الأثر الأقصى لدور مجلس الشورى إنما يتشكل من خلال (الاستباقية - النظر الشمولي للسياسات التنموية العامة - ومشاركة أقصى قدر من الأطراف المجتمعية المحتملة في تحديد أجندة التشريع وموجهاته).

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان