تأسيس مركز "جينوم" وطني ضرورة لاستشراف مستقبل صحة المجتمع
- د. المنذر المعولي: تساعد البيانات الجينومية السكانية على تطوير علاجات جديدة
- فهم المتغيرات الجينية للسكان يسهم في الوقاية من الأمراض الوراثية
أكد الدكتور المنذر المعولي، رئيس قسم علم الوراثة بمستشفى جامعة السلطان قابوس على أهمية تأسيس مشروع مركز جينوم وطني يرتبط ببنك المعلومات الحيوية ليكون ذا قيمة كبيرة في فهم طبيعة الأمراض الوراثية والتركيب الجيني والمتغيرات والعوامل البيولوجية التي تؤثر على صحة المجتمع العماني. موضحا أن تنوع الدراسات الجينية في المجتمعات تعطي فرصا جديدة لاكتشافات علمية تؤدي إلى تطوير علاج الأمراض.
وأوضح استشاري الطب الوراثي رئيس قسم علم الوراثة بمستشفى جامعة السلطان قابوس في مقال علمي بعنوان "مشروع الجينوم العماني هو مستقبل استخدام الجينوم كمحدد للصحة والمرض في المجتمع" نشر في مجلة عمان الطبية التابعة للمجلس العماني للاختصاصات الطبية في عددها الأخير نوفمبر 2022، أن علم الجينوم هو دراسة جميع الجينات ومتغيراتها في خلايا الكائن الحي وكيف تتفاعل مع بعضها البعض ومع العوامل البيئية لتؤثر على الصحة وحالة المراضة، في حين يعد علم الجينات، هو علم الوراثة الذي يتم فيه دراسة وظيفة وتغيرات جين (مورث) معين والمتعلق بمرض معين.
وأكد المعولي أن تباين الجينوم البشري يعد من العناصر المهمة المعنية بتحديد الصحة والمرض في الإنسان، وتشمل هذه العوامل سلوكيات نمط الحياة وعوامل بيئية واجتماعية وديموغرافية وثقافية، ومع تفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض فإنها تحدد مدى انتشار وتوزيع الأمراض على مستوى العالم، وبهذا يمكن بشكل خاص أن تؤثر التغيرات الوراثية الخاصة بمجتمع معين على الصحة العامة لهذا المجتمع.
وتابع الباحث الدكتور: "نظرا لأهمية الطب الدقيق والتغيرات الوراثية المرتبطة به، فقد لوحظ تأثير الطب الجينومي في صحة الفرد والصحة العامة واقتصاديات الصحة للمجتمعات، ويتم حاليا تطبيقات الطب الجينومي الواسعة في كل من تصنيف الأمراض غير المعدية (السرطان، أمراض القلب، والأوعية الدموية)، وتوصيف المخاطر المتعلقة بتغيرات جينية معينة، وتوفير المعلومات حول استجابة الفرد المحتملة للعلاج.
وعالميا طورت الدراسات المرتبطة بنطاق الجينوم (GWAS) من فهمنا للمحددات الجينية وارتباطها بالمرض، إلا أنه لا تزال المعلومات الوراثية لسكان الشرق الأوسط لا تحظى بالتمثيل المعقول في هذه الدراسات العالمية.
وفي هذا الصدد، أشار الباحث إلى أن هناك تغيرات جينية جديدة مرتبطة بالمرض تكون واضحة في بعض المجموعات السكانية دون غيرها، وبهذا من الممكن أن يوفر تنوع الدراسات الجينية في مجتمعات عدة فرصا جديدة لاكتشافات علمية تؤدي إلى تطوير العلاج. علاوة على ذلك، فإن هذه الدراسات سوف توفر فهما أفضل لمخاطر الأمراض الخاصة بالسكان لدينا خاصة في سلطنة عمان.
وأضاف المعولي: نظرا للانخفاض المضطرد في تكلفة فحص التسلسل الوراثي مؤخرا، كان هناك العديد من الدراسات التي تهدف إلى إنشاء بيانات الجينوم السكانية، حيث يعد مشروع الجينوم البشري المكتمل حجر الأساس لجميع مشاريع الجينوم الوطنية الحالية والحديثة، إلا أنه وبشكل عام لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من العمل في السنوات القادمة لفهم بعض الآثار المترتبة على المتغيرات الجينية الخاصة بالسكان. لذلك، فإن إنشاء بيانات الجينوم العماني (لسكان سلطنة عمان) مستقبلا من خلال مشروع جينوم وطني يرتبط ببنك للمعلومات الحيوية سيكون ذا قيمة كبيرة، حيث سيساعد في تحديد التركيب الجيني والمتغيرات والعوامل البيولوجية التي تؤثر على صحة مجتمعنا.
ويرى الباحث أن واحدة من الاستراتيجيات والاستثمارات المستقبلية في البنية التحتية للرعاية الصحية تكمن في كيفية التغلب على تحدي الأمراض غير المعدية، لاسيما في دول مجلس التعاون الخليجي. ففي الآونة الأخيرة، أكملت وزارة الصحة بسلطنة عمان مسحا وطنيا للأمراض غير المعدية وعوامل الخطر تسمى STEPS 2017، حيث شمل المسح عينة تتكون من مئات الأفراد من سكان جميع محافظات السلطنة. وقد جمعت معلومات شاملة وأساسية عن مؤشرات الأمراض غير المعدية الرئيسية كالعوامل الديموغرافية (العمر والجنس والمنطقة)، والبيانات الفسيولوجية (مستويات ضغط الدم)، والعوامل البيوكيميائية (الكوليسترول، وجلوكوز الدم، ومستويات الهيموجلوبين)، والعوامل السلوكية (التمارين والتدخين وعادات تناول الطعام). مثل هذا المسح الوطني آنيا أو مستقبلا يدل على الاهتمام بأولوية صحة المجتمع.
وفي المستقبل فإن ربط بيانات ومتغيرات الجينوم بهذه العوامل أمر مهم. وإن هناك مزايا متعددة لهذا الأمر وتتضمن على سبيل المثال معرفة المتغيرات الوراثية المرتبطة بصفات مثل مستوى ضغط الدم، وارتفاع السكر في الدم، وارتفاع الكوليسترول في الدم. وقد يكون للمتغيرات الوراثية النادرة المتوارثة في تماثل ارتباطا بتبعات بيولوجية فائقة التأثير (سواء كان التأثير ضارا أو وقائيا)؛ ومنها على سبيل المثال ما يرتبط بمستويات الدهون، وضغط الدم الانقباضي، أو القابلية للاضطرابات السلوكية والنفسية. ويمكن استهداف المتغيرات الجينية الخاصة بالسكان للوقاية الأولية من الأمراض الوراثية، مثل فحص ما قبل الزواج. وعلى وجه العموم، فإنه من الممكن أن تساعد البيانات الجينومية السكانية والمرتبطة ببيانات مؤشرات الأمراض في التدخل العلاجي بما في ذلك تطوير علاجات جديدة، وبدء التدخل المبكر، والتدابير الوقائية الأولية. ويساعد هذا أيضا صانعي السياسات على رسم استراتيجيات لتحسين صحة المجتمع.
