مستقبلنا الغامض في زمن الذكاء الاصطناعي!

01 فبراير 2023
01 فبراير 2023

ربما كان من أغرب أوضاعنا التي نعيشها اليوم؛ عجزنا عن التنبؤ بممكنات حوادث المستقبل القريب من خلال استقراء الماضي وتحليل الحاضر، وصولا إلى تركيب صورة متوقعه عن مستقبل ربما تكون نسبة صحة التوقع فيها عالية جدا.

كان هذا ممكنا حتى ثمانينيات القرن الماضي نسبة للاطراد الذي تشكل فيه عالم بدا مختلفا منذ النصف الأول من القرن العشرين تقريبا، أما اليوم فإن التنبؤ حتى بانعكاسات المستقبل القريب عبر استقراء الماضي وتحليل الحاضر، فلربما كانت ضربا من المستحيل.

هل يتصل الأمر بإحساس البشر اليوم؛ بالعجز عن تصور المستقبل في ضوء متغيرات وتائر الذكاء الاصطناعي، وتداخلات العالم الافتراضي مع ممكنات كانت كما لو أنها مستحيلة التحقق من قبل؟

هل يمكن- مع مفاجآت زمن التحولات هذا- أن نعجز عن تخيل نوع حياة للبشر بعد 40 عاما من اليوم مثلا؟ ومع غرائبيات علم ميكانيكا الكم التي سحبت الثقة من بعض اليقينيات الرياضية، هل يمكننا القول: إن البشر سيصبحون في المدى المستقبلي القريب أعجز من أن يتفهم الأجيال بعضهم البعض؟

كل ذلك واردا على ضوء ما نرى اليوم من متغيرات زمن التحولات هذا، وإذا ما بدا أنه ربما نعجز في المستقبل عن اختبار بعض مقولات المنطق الأرسطي، كالفرق القائم بين معنيين قد يشبهان بعضهما من حيث الافتراض لكنهما غير ذلك؛ أي المقولة التي تقيم فرقا منطقيا بين ثنائية؛ إمكان التعقل واستحالة التصور في الدرس المنطقي الذي حرره القدماء على أمثلة قريبة، التي قد نجد لها اليوم مصداقية في أمر قد لا يصدقه حتى أكبر عقل من عقول القدماء، لو بعث حيا، كتعقل إمكانية انتقال الصوت البشري بين شخصين عبر مسافات وأبعاد مهولة بين الصوتين، كما بتنا ندرك ذلك اليوم بلا تعجب أبدا!

وبناءً على تعقل إمكانية انتقال أثيري لجزء من الروح (الصوت) منفكا عن المكان بتلك الطريقة الخارقة التي يعجز البشر حتى عن تصورها فيما تقطع القاعدة الأرسطية بتعقلها، هل يمكن القول، وبناء على قاعدة إمكانية التعقل واستحالة التصور، أن نرى في المستقبل أمورا نقطع باستحالة حدوثها اليوم؟ وهل في وسع الذكاء الاصطناعي أن يوفر تلك الإمكانية التي لا نتصورها اليوم لعلاقة الروح بجزء منها غير الصوت؟ الله أعلم، لكن بالتأكيد أن قاعدة إمكان التعقل ستتسع مصداقياتها في المستقبل، على نحو قد يجعل من جيلنا اليوم تماما كما لو أنه جيل المستقبل في المسافة ذاتها التي نتصور فيها الفروق بين جيلنا وبين جيل أجدادنا في العصور الوسطى!

إن ما يحدث اليوم من مفارقة واضحة لكل ذي عينين حيال السرعة الخاطفة في التفاعل مع الواقع الافتراضي (المنعكس بتأثيراته أحيانا على واقعنا) بطريقة أصبح معها الملل بعد دقائق قليلة لهذا الجيل مع كل شيء أمرا عاديا جدا، ذلك الملل في تقديرنا ملل قد لا يعكس سوية قابلة؛ لأن نعتبرها مسلمة من تلك المسلمات الموضوعية التي نخضع لها بحكم متغيرات الحياة، بل ذلك الملل هو بمثابة خلل حقيقي قد يؤدي إلى مصائب كبيرة في مستقبلنا كبشر إذا ما أصبحت السرعة الباعثة على الملل مما لا يستحق الملل منه هي الحاكمة لتصرفات جيل يعتقد أنها مسلمات من متغيرات حياة لابد من الخضوع إليها!

يمكن القول: إن ثمة خللا يصاحب التغير الذي يدخل به واقع أجيالنا في المستقبل القريب، فالإحساس بأن هناك خللًا سيصيب البشر في المستقبل قد يكون إحساسا مبهما وغامضا، لكن الحدس الإنساني والخيال البشري قد يحدس بأمور سيئة، يشعر أنها ستكون سيئة على حياة البشر في المستقبل لكنه لا يعرف كيف سنكون؟

بيد أن هناك شيئا يمكن القطع باستحالة حدوثه في مستقبل البشرية حتى في آفاقها الأكثر بعدا وإيغالا في ذلك المستقبل، هذا الشيء هو: عجز الإنسان المطلق، في كافة أحواله في الزمان والمكان، عن خلق الخلية الحية من العدم، لسبب بسيط هو أن القدرة على خلق الخلية الحية من العدم سيعني؛ القدرة على الخلود! فالحلم بالحرية من شرك الموت وانعدام الكينونة، الذي طالما راود أسلافنا بحثا عن الخلود هو الوهم الذي لن نكون قادرين على أن نجعله حقيقة أبدا!