نوافذ : المونديال.. وما بعده
Salim680@hotmail.com
حقق مونديال قطر 2022 مكاسب مهمة للغاية تستحق التوقف عندها؛ لأنها ستسهم في تغيير الكثير من المفاهيم لدى شعوب العالم عن المنطقة العربية بعد حالة الإبهار التي قدمتها اللجنة المنظمة عن مفهوم التنظيم الذي استحق شهادة الإبداع.
أولها: تتمثل في دحض نظرية الغرب أن العرب لا يملكون الأدوات والقدرات لتنظيم حدث عالمي كالمونديال، لتنتهي هذه الخرافة إلى مزبلة التاريخ، بل أطلق عليه «مونديال القرن»، تعبيرًا عن دقة التنظيم والنجاح الذي حققه، مقارنة بمستوى البطولات السابقة في تاريخ كأس العالم.
ثانيها: المنتخبات العربية استطاعت تغيير النظرة العالمية عنها وهي أنها توجد في البطولة من أجل المشاركة فقط؛ حيث استطاعت أن تذهب إلى أبعد من ذلك، وتتفوق على منتخبات عديدة منها تفوق السعودية على الأرجنتين، وتونس على فرنسا، والمغرب على بلجيكا والبرتغال وأسبانيا، وتحقق المركز الرابع على مستوى البطولة الذي يعد إنجازا غير مسبوق يضع الكرة العربية في مصاف الرياضة العالمية.
ثالثها: تعرَّف العالم على الثقافة والتاريخ العربي من خلال وجوده في المنطقة، واندمج في تفاصيل الحياة الاجتماعية التي أثارت الدهشة والإعجاب لدى الحضور لمشاهدة أو نقل الحدث من دول العالم المختلفة، وعمل على نقل تلك الانطباعات إلى بلدانهم المختلفة التي دنسها الإعلام الغربي وشوه فيها الكثير عن تلك الثقافة.
رابعها: أن المنطقة العربية عاشت لمدة شهر تحت أضواء الإعلام الدولي لدرجة أن العالم تراجع اهتمامه بالحرب الروسية الأوكرانية، وهذا الإعلام في غالبيته لم يركز إلا على الحقائق لنقلها رغم محاولة البعض منها التشويه والتحريض على توقع فشل البطولة قبل انطلاقتها التي قلبت عليهم تلك التوقعات، هذا الإعلام خلال وجوده عرّف العالم بشكل أكبر على الدول العربية وثقافتها وتاريخها وإسهاماتها في الحضارة الإنسانية.
خامسها: أن نجاح تنظيم كأس العالم يفتح الطريق على مصراعيه أمام الدول العربية لاستضافة بطولات عالمية ذات تأثير بالغ في الحضارة الإنسانية مستقبلًا اتكاءً على إرث عظيم لمونديال القرن الذي ودعناه يوم أمس الأول.
الفارق الذي صنعته هذه البطولة الاستثنائية هي أنها استطاعت أن ترسم صورة مختلفة عن العرب، إذ انتشلتهم من تلك النظرة المشوشة إلى نظرة لافتة تحترم إمكانياتهم وإرادتهم، وتحقيق حلمهم عبر ما صنعه الأشقاء في دولة قطر من العمل على مدى 12 عاما في الإعداد الشامل والكامل لهذه البطولة رغم التحديات التي اعترضتهم وأطلقوا عليه «مونديال العرب» إيمانا منهم أنهم يمثلون هذه الأمة.
هكذا تصنع الأمم أمجادها، والدول لا تقاس بحجمها وسكانها وإنما بما تحمله من طموح ذي تأثير عالمي، فدول عديدة تملك مالا تملكه الدول العربية مجتمعة تقاسمت تنظيم المونديال، وأضعفت تلك الأجواء الحميمية بين الشعوب من الجماهير الحاضرة، وباعدت بين المجموعات المشاركة ومشجعيها، بعكس ما حدث في الدوحة التي ألهبت حماس الجماهير في تجمعاتهم المتقاربة الذي كان هدفا استراتيجيا، هنيئا للعرب، وهنيئا لقطر نجاح هذا المشروع التاريخي الذي استطاع تقديم الرد الشافي على المشككين ومتبني الحملات العنصرية طيلة عقد من الزمن، والشكر للاتحاد الدولي لكرة القدم الذي وضع ثقته في الدوحة، وأسند إليها هذا المشروع الذي جاءت نتائجه مبهرة وفاقت كل التوقعات ليبقى مونديال العرب النسخة التي لن تتكرر في تاريخ كأس العالم.
