نوافذ : البعد عن الواقعية
Ashuily.com
هل الحياة عادلة؟ سؤال جدلي سفسطي بدأ طرحه منذ أزمان مدينة أفلاطون الفاضلة وما قبلها حتى اليوم لا زلنا نسأل السؤال نفسه لماذا لا توجد عدالة في الحياة ويقصد بها هنا ليس عدالة القضاء وإنما عدالة السماء بمفهوم الأوسع والأشمل.
لماذا هنالك أغنياء يملكون الملايين وفقراء لا يملكون قوت يومهم أين العدالة في ذلك؟ لماذا هنالك المرضى المدنفين في أمراضهم وأسقامهم وغيرهم يرفلون في ثوب الصحة والعافية أين هي العدالة في ذلك؟ ولماذا هنالك الأذكياء جدا وغيرهم من الأغبياء ولماذا ولماذا وغيرها من التساؤلات الحائرة المسافرة عبر المسافات التي لا تجد لها أي إجابة باستثناء أن الحياة أكبر من تؤطر في مفهوم العدل والمساواة وأكبر من أن تعبأ في قالب لماذا أنا هكذا وغيري كذا وفي أحيان كثيرة أوسع من أن يعيها عقل الإنسان المستخلف.
هذا النوع من الأسئلة المفتوحة الإجابة قد لا تلامس الواقع في كثير من تساؤلاتها الحيرى لأن واقع الحياة يفرض أن يكون فيه الشيء وضده بها الأبيض وضده الأسود به الصحة وضده السقم به، الغنى وضده الفقر به العلم وضده الجهل بها كل شيء وضده وما بين الأضداد تأتى الفوارق المتباينة التي تتوسط هذه الحياة وقد يكون لأوسطها الغلبة الأكبر وأيضا قد يكون لأوسطها الجمال فالتوسط هي السمة الأبرز والأكبر والأجمل.
البعد عن الواقعية هو ما يجر إلى مثل هذه التساؤلات التي بدروها تقود إلى تساؤلات يمتزج فيها التفاؤل بالتشاؤم باعتبارها حالة نهائية لتساؤلات الحيرى الباحثة عن إجابة. بعض من يسمون ذواتهم بالمحفزين والمنشطين وخبراء الذات والنفس هم من يسهمون أكثر من غيرهم في إذكاء جذوة هذه الأسئلة سواء بقصد أم بغير قصد فهم لا يدرون أن ما يثيرونه من أسئلة تنتهي بأن ينفصل المرء عن واقعه وينعزل عن محيطه ويقع في شرك وفخ الكلمات البراقة اللامعة التي ما أن يتلبسها المرء حتى تبدأ حياته في الانقلاب رأسا على عقب.
كثيرة هي الجدليات التي أحاول أن أخرجها من قمقم الصمت وأصدح بها عاليا لأحاجج وأشاكس بها بعضا من الزملاء، بأن الحياة ليست زهرية كما ترونها على شبكات التواصل وهي ليست براقة كما تسمعونها على ألسنة الببغاوات البشرية وهي ليست بالبياض التام ولا بالسواد المعتم هي كل شيء وبها كل المتناقضات وبداخلها كل الواقعية التي يجب أن تعاش بضمير الأنا لا بضمير الهو أو الهم.
أحاول أن أسوق لهؤلاء الأصدقاء بعضا من الأمثلة على حياة الواقع التي يجب أن يقفوا بأرجلهم عليها ولا يكتفون فقط بسماع قصص النجاح أو الفشل وقصص الواقع وغير الواقع وقصص الممكن وغير الممكن فلكل شخص له تجربته في الحياة تناقض تجربة الآخر وكما قيل بأنك لو نظرت عن قرب لحال أحدهم لتحسده على شيء لتمنيت أن لا تكون مكانه في كل شيء فالنظر إلى الزوايا الضيقة هو ما يثير تلك الأسئلة والبعد عن الرؤيا المسطحة هي يجعل النظر قصيرا للحياة وشخوصها.
لنلامس أرض الواقع ونبتعد عن الأحلام ونحاول ما استطعنا إلى ذلك سبيلا أن نجعل الحياة بلا أسئلة سفسطية حيرى وأن نهجر المقارنة والمماثلة والمقايسة بالآخرين فكل له ظرفه وكل له خاصته وكل له حياته التي تختلط فيها الألوان والمتضادات والمتناقضات وأن نسعى إلى رسم وتشكيل الصورة الكبرى للحياة التي يختلط فيها كل شيء وأن نبتعد عن الأحلام ونلامس الواقعية بأقدامنا.
