نوافذ.. المتشائمون

06 ديسمبر 2022
06 ديسمبر 2022

لبرهة وجدتني غارقا في سوداوية مظلمة لا ترى إلا الباهت من القول ولا تتحدث بغير النقد ولا ترى أمامها سوى التشاؤم سبيلا ومآلا ومصيرا ويزكي هذه السوداوية أصوات تزعق من هنا وهناك بعضها قادم من بشر ذوي لحم ودم والآخر من ألواح مسطحة باتت تنافس البشر في التشاؤم والسوداوية وكل هذه الأصوات أعمت بصري وأصمت أذني وجعلتني لا أرى إلا ما يقوله لساني لتصدقه أذني.

المتشائمون في أيامنا هذه زاد عددهم وقويت شوكتهم وكثرت محاجاتهم بعلم وبغير علم بمعرفة أو عن جهل، الكل يردد ما يسمعه وما يقال له من دون تمحيص أو تفكير أو اختبار أو سؤال أو حتى بتدقيق ولو بسيط في مصدر ما يصله من معلومة أو خبر وكل حجته بأن الحياة لم تعد كما كانت، وبأن الدنيا تغيرت وأن كل شيء فيها لبس اللون الأسود ونزع عنه الأبيض، فالعالم من وجهة نظر هذه الفئة بات ظلاما داكنا لا يرتجى خيره ولا يؤمل اعتداله.

في الأيام المنصرمة جمعتني الصدف وغير الصدف مع مجموعات مختارة من صنوف البشر منهم المتعلم وغير المتعلم، المثقف والجاهل، العامل والباحث عن عمل، الغني والفقير والمتقاعد والموظف كلهم يمثلون أطياف البشرية فرأيت في أعين أغلبهم عدم الرضا، وعلى ألسنتهم كلمات لاذعة تنقد الماضي والحاضر وتمتد بنقده للمستقبل وتقسو على الحياة بما لا يحتمله عقل أو جسد فقلت في ذاتي يا ترى ما الذي أوصلنا إلى هذا المنحنى ونحن نرفل في نعم الله الكثيرة التي من بها علينا ولماذا بتنا لا نرى إلا النقد والشتم وسيلة للتعبير عن الرأي ولماذا لا نحاول أن نكون منصفين ولو على الأقل مع ذواتنا وأنفسنا ونرى الأبيض والأسود، والعتمة والضوء، والأبيض والرمادي، ولماذا لا نحاول أن نفتح حدقات عيوننا باتساعها كي تصبح الرؤية بالنسبة لنا كاملة وبزاوية نستطيع أن نحدد فيها الألوان على اختلاف أطيافها.

اتهمني كثير من المتشائمين بأنني مفرط في التفاؤل وأن إيجابيتي تخلو من الواقعية وما هي إلا انعكاس على انكبابي على الكتب وما أقرؤه أو أسمعه وأنني منفصل عن واقعي ولا أعلم كثيرا عما يجري من حولي فالحياة ليست زهرية والعشب ليس اخضرا والحال لم يعد كما كان. لم أجهد ذاتي في الرد على تلك التهم فقد سمعتها مرارا وتكرار ولم أحاول حتى الدفاع عن نفسي فأني أعرف ذاتي حق المعرفة فقد سلكت مسلك الفرح والتفاؤل منذ أمد طويل وصرت انتقائيا كثيرا في مجالسة من أشعر بأنه قد يرفع من سعادتي ويزيد من معرفتي، هجرت كثيرا من عادات الحزن والتشاؤم وخلعت الأسود واستبدلته بالأبيض، آثرت أن أنزوي عن كثير من الناس وأن أتلمس طريق الفرح حتى وإن كان طريقا ضيقا.

قد لا يكون المجال هنا لإسداء النصح وتبديل وتغيير العادات السيئة بالحسنة كي تصفو الحياة وتسعد لكنني أشعر أن من واجبي ككاتب أولا وكإنسان ثانيا أن أنشر الفرح قدر الإمكان وأن أنثر التفاؤل في قلوب وأفئدة وأفواه من افتقدوا لجمال الكلمة وأن أسعى بالقول في توضيح وتبيان الفرق بين النقد والتشاؤم، فكل شيء يمكن أن يقال وأن يفصح عنه بإضافة بعض من الاحترام واختيار الحسن من الألفاظ وعدم التجريح أو الشتم أو الانتقاص من الآخر فكل هذه القيم التي ذكرتها ما هي إلا قيمة الإنسان الذي تربى على حسن الخلق واحترام الكبير وتوقير الصغير وما هي إلا غيض من فيض من أخلاق الإنسانية التي هذبتها الأديان والقيم.

مهما بلغنا من التشاؤم درجة فانه يمكننا وبانعطافة بسيطة العودة إلى مسار الحياة الصحيح التي ترى الممتلئ من الماء وتترك الفارغ منه ترى النور وتهجر الظلمة ترى جمال الكون وحلاوته بعيدا عن منغصات الحياة، هذا ما نريده لأنفسنا وما ننشده لأوطاننا وما نتمناه للعالم أجمع فالحياة السعيدة تبدأ بالإنسان السعيد.