نوافذ : فن إدارة الأزمات

06 سبتمبر 2022
06 سبتمبر 2022

Ashuily.com

لن أتحدث هنا عن أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي استمرت لأكثر من عشر ساعات في بعض المناطق، فالتحقيقات الجارية كما أعلن عنها بيان هيئة الخدمات العامة كفيل بالإفصاح عن الأسباب التي أدت إلى هذا الانقطاع مع وعد بالتحقيق مع الشركات المرخصة للوقوف على الأسباب التي أدت إلى هذه الانقطاعات، ولكنني ومن وجهة نظر إعلامية فإن الجهات المعنية بهذا الموضوع لم تنجح كثيرا في إدارة هذه الأزمة إعلاميا على الأقل.

الأزمات والكوارث تحدث كل يوم ولا توجد دولة أو مؤسسة أو شركة أو حتى فرد محصنا من وقوع هذه الكوارث، فبعض من هذه الكوارث تقع لأسباب خارجة عن إدارة الإنسان والبعض الآخر بسبب أخطاء بشرية وينتج عن هذه الكوارث الكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات، ويبقى السؤال هنا ليس في التنبؤ والاستعداد والجاهزية للتصدي لهذه الكوارث، ولكن في إدارتها والخروج منها بالقليل من الخسائر والكثير من الدروس التي يمكن الاستفادة منها مستقبلًا لإدارة هذا النوع من الأزمات.

فن إدارة الأزمات بات علمًا أكاديميًا يتم تدريسه في الجامعات والكليات المتخصصة وتتفرع منه عدة علوم، منها ما يتعلق بالجانب التقني ومنها ما يتعلق بالجانب الإداري والمورد البشري ومنها بالجانب الإعلامي ومحصلة هذا العلم هو الإجماع على وجوب الاستعداد التام للكوارث قبل وأثناء وما بعد الكارثة وكيفية إدارة هذه الأزمات بمهنية عالية وإطلاع الرأي العام على ما يجري على أرض الواقع بكل صدق وشفافية وحرفية أولا بأول من دون أي إخفاء لحقائق أو وقائع، هذا فضلا عن تأسيس مراكز ومؤسسات لإدارة الحالات الطارئة والتنبؤ بحدوثها قبل وقوعها واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها والتقليل من خسائرها.

وضع الخطط والاستراتيجيات والتدريب العملي على إدارة الكوارث والأزمات من الأولويات التي تحرص الدول والمؤسسات والشركات على الاهتمام بها وإيلائها الاهتمام الأكبر بسبب ارتباط الأزمات بسمعة تلك المؤسسات، ففي حين أن كثيرا من الأزمات والكوارث ساهمت في تشويه صورة تلك المؤسسات فإن الإدارة الناجحة لتلك الأزمات ساهمت في تجميل وتحسين صورة المؤسسة واعتبارها نموذجا من النماذج المشرفة في التعامل الحقيقي مع الأزمات والكوارث.

في سلطنة عمان لدينا بعض الأمثلة على مفهوم الإدارة الصحيحة للكوارث والأزمات من خلال التجارب التي مررنا بها في إدارة الكوارث الطبيعية كالأعاصير والفيضانات والأوبئة والأمراض وما نتج عن تلك الممارسات من نضوج لتجربة إدارة الأزمات والكوارث من خلال تأسيس مركز وطني لإدارة الحالات الطارئة واللجنة المنبثقة منه ووضع إطار تنظيمي لإدارة الحالات الطارئة تشترك فيه الكثير من مؤسسات الدولة المختلفة كل في مجال عمله، وقد أعطت هذه النماذج سمعة حسنة لسلطنة عمان في إدارة الحالات الطارئة وإدارة الأزمات وباتت مرجعا يؤوب إليه كل من يبحث عن إطار تنظيمي وتدريبي متقن خصوصا في جوانب الأنواء المناخية والطقس.إعلاميا وفي عصر السماوات المفتوحة وعصر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إدارة الأزمات مختلفة بعض الشيء من حيث سهولة التواصل السريع والمباشر مع الجمهور ومعرفة آرائه والتواصل معه ورصد معاناته خلال الأزمة وما بعدها، وبات استخدام وسائل التواصل الحديث ومراكز الاتصال جنبًا إلى جنب مع الوسائل التقليدية في التواصل مع الجمهور يلعبان دورًا حقيقيًا في الوقوف على حجم الضرر والمشكلة وإيجاد حلول للكثير من المشكلات التي تنشأ خلال الأزمة وما بعدها، غير أن ندرة التواصل الإعلامي وشحه وغياب متحدث رسمي ملم وعارف بتفاصيل الأزمة قد يعمّقان من الأزمة ويؤخران إيجاد الحلول لها ويجعلان إدارة الأزمات والكوارث أكثر صعوبة ويسهمان في تشويه صورة المؤسسة بدلا من تحسينها، وهذا ما كان بعض الشيء في أزمة الكهرباء الأخيرة التي كان التواصل الإعلامي فيها مرتبكا وشحيحا مما ترك مجالا للكثير من التخمينات والإشاعات التي ساهمت في تعميق المشكلة بدلا من إيجاد حلول لها.

هنالك الكثير من الدروس يمكن الاستفادة منها عقب كل أزمة وكارثة وربما تكون بعض المؤسسات الخدمية بحاجة إلى تعلم فنون جديدة في إدارة أزماتها الداخلية والخارجية حتى لا يتكرر مسلسل الانقطاعات والأزمات.