الأخبار المحلية في الصحافة العُمانية

13 يوليو 2022
13 يوليو 2022

الأسبوع الفائت كتبت في هذا المكان عن التقرير السنوي لحالة الأخبار المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية وكيف أنه حذر من تمدد الصحاري الإخبارية بعد أن أصبحت مقاطعات ومناطق واسعة محرومة من الخدمات الإخبارية المحلية، خاصة مع زيادة معدل إغلاق الصحف ليصل إلى صحيفتين أسبوعيا.

إذا كان وضع الأخبار المحلية كذلك في دولة مثل الولايات المتحدة ما زال يصدر بها أكثر من ستة آلاف صحيفة يومية وأسبوعية، فماذا عن أوضاع الأخبار والصحافة المحلية في العالم العربي؟ الإجابة عن هذا السؤال وغيره من الأسئلة الملحة المرتبطة بواقع ومستقبل الصحافة المحلية جاءت -إلى حد ما- في بحث «الأخبار المحلية في الصحافة العمانية» للباحث ياسر الشبيبي، الذي ناقشته لجنة علمية بجامعة السلطان قابوس قبل أسبوعين تقريبا، ومنحته درجة الماجستير في الصحافة والنشر الإلكتروني من قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية.

تعترف الدراسة بداية بأن الصحف العمانية اليومية منذ نشأتها وحتى اليوم تولي الأخبار المحلية اهتماما كبيرا، ويبدو ذلك واضحا في المساحات الكبيرة التي تحتلها الأخبار المحلية من الأعداد الرئيسية منها، وحتى عندما اضطرت بعض الصحف إلى خفض عدد صفحاتها نتيجة أزمة جائحة كورونا والأزمات المالية التي تواجهها، وتراجع قرائية النسخ الورقية، فإنها لم تضحِ بالأخبار المحلية، وتخلت تقريبا عن نشر الأخبار الإقليمية والعالمية التي يمكن أن يجدها القارئ في مصادر إعلامية أخرى كثيرة.

وتوصلت الدراسة إلى تفوق الأخبار المحلية ذات الطبيعة الإيجابية والجادة على الأخبار السلبية والخفيفة، وبالتالي اعتماد الصحف العمانية العربية اليومية على تحرير معلومات أخبارها المحلية وفقا لقاعدة الأهم فالمهم فالأقل أهمية بعيدا عن التشويق والإثارة. وتتمتع الأخبار المحلية في الصحف العمانية بدرجة عالية جدا من الموضوعية والاتزان في تقديم معلوماتها؛ وذلك تفاديا للتصادم مع قانون المطبوعات والنشر لعام 1984 الذي تعمل الصحافة العمانية في ظله، وغيرها من القوانين المعمول بها في سلطنة عمان، والتي تفرض العديد من المحظورات التي يجب تفاديها؛ وهذا ما يجعل الصحفيين والمحررين يعتمدون مبدأ نقل الخبر كما هو بدون تلوين أو رأي. وتهتم الصحف العمانية بتوافر قيمة الحالية في أخبارها المحلية إلى جانب الاهتمام الكبير بقيمة الأهمية وبالقرب المكاني.

وكشفت الدراسة أن المسؤولين الحكوميين يأتون في المرتبة الأولى كمصادر صانعة للأخبار المحلية، مع المؤسسات الحكومية والخاصة، في حين جاءت وكالة الأنباء العمانية كأول المصادر الناقلة للأخبار المحلية في الصحف العمانية اليومية، ونظرا لضعف الإمكانيات المتاحة لدى المؤسسات الصحفية العمانية والأزمات المالية المتكررة التي أدت إلى التخلي عن عدد كبير من الصحفيين والمراسلين، وعدم تعاون المؤسسات الحكومية والخاصة في توفير المعلومات، فإن إشكالية تجهيل المصادر ما تزال تمثل علامة بارزة في أخبار الصحف العمانية اليومية في ظل عدم وجود سياسة واضحة تمنع تجهيل المصادر.

وحددت الدراسة عددا من التحديات التي تواجهها الصحف العمانية عموما في مجال الأخبار المحلية، من أبرزها: الوضع الاقتصادي العالمي الذي أثر سلبا على الصحف المحلية وأدى إلى تقليل عدد صفحاتها والاستغناء عن بعض ملاحقها، وتسريح عدد من موظفيها، وتعاني الصحف من قلة المصادر وعدم تعاون المؤسسات الحكومية في توفير المعلومات في بعض الأحداث والقضايا المحلية، وكذلك التعميمات التي تصدرها الجهات المختلفة بخصوص طبيعة التغطيات الصحفية، بالإضافة إلى السيطرة المفروضة من المؤسسات الحكومية على العمل الصحفي والإعلامي، نتيجة لحساسيتها المفرطة تجاه نشر أي خبر أو تصريح سواء عن طريق دوائر العلاقات العامة أو الإعلام التابعة لها، حتى إن بعض الصحفيين باتوا يشعرون بنوع من التضييق الذي يُمارس عليهم من جانب تلك المؤسسات، ولعل هذا ما دفع الباحث إلى مطالبة الصحف العمانية بالبحث عن مصادر أخرى للأخبار، والتقليل من اعتمادها على الأخبار الجاهزة التي ترد لها من المؤسسات الحكومية والخاصة، وإذا ما تحقق ذلك فإن تلك المؤسسات ستكون مضطرة لتوفير ما تطلبه المؤسسات الصحفية من معلومات وبيانات.

إن أهم ما يمكن الإشارة إليه اعتمادا على نتائج هذا البحث المهم هو ما أوضحه الباحث في مناقشة النتائج، حيث وصف الصحافة العمانية العربية اليومية بأنها صحافة تنموية تخضع للقوانين المنظمة للعمل الإعلامي، وأهمها قانون المطبوعات والنشر الصادر في عام 1984 الذي أصبح يعوق حركتها في استقاء ونشر الأخبار ومنافسة منصات النشر الأخرى الإلكترونية والإذاعية والتلفزيونية. ولذلك يحتاج هذا القانون إلى تعديل كامل ليواكب التغيرات التي شهدتها البيئة الصحفية العالمية والمحلية، ويتناسب مع تعدد وتنوع منصات النشر الصحفي، وكذلك القوانين الأخرى ذات الصلة بالعمل الإعلامي، وأهمها قانون الجزاء الذي يتناول جرائم الصحافة، ومحظورات النشر.

وقد ساهمت تلك القوانين، والخبرة التاريخية التي اكتسبتها الصحافة العُمانية في زيادة مستوى فلترة الأخبار المحلية من جانب الصحفيين حراس البوابات، وهو ما نتج عنه بعض الظواهر التي تكاد تنفرد بها الصحافة في سلطنة عمان عن غيرها مثل سيطرة الأخبار ذات الصبغة الإيجابية على حساب الأخبار السلبية، والأخبار الجادة على الأخبار الخفيفة، وإجمالا تشكل الرقابة الذاتية عقبة أمام ظهور كتابات صحفية مبدعة وناقدة متميزة، وتجعل وظائف الصحافة تدور فقط في فلك الإخبار والتثقيف، وتقلص دورها كسلطة رابعة، تقوم بوظائف التحليل والتفسير والنقد.

ويرى الباحث أن التطور المنشود للصحافة العمانية ينبغي أن يواكب الطفرة التكنولوجية الحاصلة في مختلف وسائل الاتصال والمعلومات، والاستفادة منها في الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع، وضمان وجودها على مختلف المنصات التي توفرها تلك التقنية. وفي ظل عدم وجود صحافة إقليمية تُعنى بأخبار الولايات والمحافظات في سلطنة عمان؛ فإن على الصحف العمانية العربية اليومية -وباعتبارها صحفا قومية- أن تولي أهمية عادلة على أقل تقدير، بتغطية أخبار جميع المحافظات العمانية، مع إعطاء الأولوية للأخبار التي تحمل في طياتها أهمية وطنية أو قومية لجميع القراء، وتجنب الأخبار ذات الأهمية المتدنية، والتي تجذب اهتمام فئة بسيطة من الجمهور.

وغني عن القول إن الصحف العمانية اليومية بحاجة لتطوير سياساتها التحريرية التي تحدد آليات التعامل مع الأخبار المحلية، ومعايير نشرها، بناء على أهميتها الوطنية، مع تنويع موضوعات هذه الأخبار والقوالب والأشكال الفنية المستخدمة في عرضها.

من المؤكد أن وضع الأخبار المحلية في الصحافة العمانية، وفقا لهذه الدراسة المهمة، يبدو جيدا بالمقارنة بما عرضناه الأسبوع الماضي عن تراجع الأخبار المحلية في الصحف الأمريكية، فما زالت الصحف العمانية وفية لعهدها مع القارئ المحلي، ومع ذلك فإن هذا الوفاء يجب أن يصاحبه زيادة جودة تلك الأخبار حتى تكون قادرة على تلبية احتياجات القارئ المعاصر الذي لم يعد يكتفي بمصدر واحد للأخبار، ولديه خيارات عديدة يمكن أن يتنقل بينها بكل سهولة ويسر.