فيسبوك وسؤال الكتابة!

06 يوليو 2022
06 يوليو 2022

ربما عكس عنوان المقال، أعلاه، دلالةً نمطيةً يغني ظاهرها عن معناها، لكن لعله من الأهمية بمكان؛ رصد ردود فعل التجارب الذاتية للكُتَّاب والكاتبات مع فيسبوك، والأسئلة التي قد تجول بخواطر بعضهم حيال التحدي و«الاستفزاز» أحيانًا فيما يطرحه هذا الفضاء الأزرق، لا من حيث هويته التواصلية الحديثة وسرعة النشر وخواص التفاعل، فقط، بل كذلك من حيث السؤال الذي ربما خطر ببال كل من امتهن الكتابة: ما جدوى الكتابة في فيسبوك؟

بطبيعة الحال، سؤال جدوى الكتابة؛ نفترض أنه سؤال محسوم للكاتب من حيث كونه كاتبا، لكن بما أن جدوى الكتابة هنا تتصل بالكتابة على فيسبوك، بصفة خاصة، فإن هناك رأيا سيظل مرددًا في عقل الكاتب، بينه وبين نفسه، وبحسب حالاته النفسية واستعداداته المتقلبة، سواءً لناحية المزاج الإبداعي القلق والمتصل بجدوى الكتابة وهويتها في ذاته ككاتب، أو لناحية الهوية المضطربة للاستخدامات التي تبدو على هذا الفضاء الأزرق وردود فعلها في مجتمعاتنا العربية من حيث التفاعلات التي تحدث فيه، إلى جانب الإشكالات الأصلية للفيسبوك والغموض الذي يكتنف مسائل مثل تعريف الحرية فيه، ومدى مناسبتها للمبدأ الذي يقول: «تنتهي حريتك حين تبدأ حرية الآخرين» وغير ذلك من التحديات التي تشغل ذهن الكاتب والكاتبة في فيسبوك.

تختلف ردود فعل الكُتَّاب والكاتبات حيال استمرارية أو مزاجية الكتابة في فيسبوك، لكن سيظل سؤال الكتابة في هذا الفضاء الأزرق والجدوى المتصلة بتقديمها لرواده ومتابعيه المحتملين هو بمثابة سؤال أكبر من ذلك. فالهوية الافتراضية لفيسبوك في كونه إحدى بنيات الوسائط الحديثة لثورة المعلوماتية والاتصال هي جزء من عالم كبير مازال البشر مضطربين في التعامل معه، وغير قادرين على تحديد مؤثراته النهائية في مستقبلهم على المدى القريب، ولا في الأحوال التي قد تطرأ عليهم جرَّاء التقدم في فعل التواصل الرقمي معه. ولذلك، وربما لمثل هذا الهاجس الافتراضي الذي لم يحسم بعد، أصبح التعامل مع فيسبوك على هذا النحو من التسامح في كثير من دول العالم، مع معرفة تلك الدول للحدود غير المناسبة التي لا يكترث لها فيسبوك في مسائل حيوية ومهمة ومؤثرة على البشر كقضية الحرية!

وفيما يضطرب الكاتب والكاتبة باستمرار في علاقته مع فيسبوك، سنجد أنه، من ناحية ثانية، كما لو أن حاله أشبه بحال إنسان يعيش لحظة ثورية من تاريخ البشر؛ كلحظة اكتشاف الطباعة، والثورة المعرفية التي انتشرت بين الناس بعد ذلك الاكتشاف الخطير. على أن لحظة الكاتب هذه لحظة شخصية جدًا بالنسبة له، كما أنها لحظة خاصة تعكس هواجس كائن داخلي وخيالي قد لا تعينه تقديراته على تصور نسبي لحاله مع الفيسبوك خارج ذاته!

إن التفكير في سؤال الكتابة على سطح فيسبوك بالنسبة للكاتب قد تدخله في فضاء متوتر لتجربة افتراضية تكاد معايير الكتابة فيها –عبر هذا الفضاء الأزرق- هي نقيض لعالمه الكتابي القديم والمنظم، سواءً لناحية الأفكار أو لناحية مهارات التقنية الكتابية، أو لمعايير ضبط الكتابة، وهنا ستلح على الكاتب أسئلة كثيرة تتردد فيها تلك الجدوى بين الفعل والترك؟ كما أن عادات الإلف والتطبُّع وأجواء المشاركة اليومية على مدار الساعة؛ كلها مؤثرات تلعب دورًا كبيرًا في تبْيِئَة الكاتب وتطبيعه داخل بيئة فيسبوك إلى درجة قد يبلغ فيها التماهي مرحلةً تجعله أقرب لأن يكون متماهيًا مع الطبيعة الغالبة لرواد فيسبوك!

لكل ذلك، هل يتعين على الكاتب أن يستمر في الكتابة بلا انقطاع في فيسبوك، وكيف تكون طبيعة تلك الكتابة، هل هي جادة، أم غير جادة، أم على الكاتب والكاتبة أن يختبرا فترات انقطاع عن الفيسبوك لاستعادة عاداتهم الكتابية؟

لا يمكن لكاتب متمرس في الكتابة أن يقلع عن عاداته الكتابية ليرافق إيقاع فيسبوك السريع وفق الأنماط التي يراها فيه، لكن إذا ما توهم الكاتب أن هذا الفضاء الأزرق مكان لجدوى الكتابة، بدلا من حقيقة كون الفيسبوك فضاءً للتواصل، مطلق التواصل. فإننا في تلك اللحظة؛ إما أن نكون بإزاء كاتب فقد ظله تحت ضغط التماهي مع استسهال الكتابة في فيسبوك، أو أمام شخص غادر فيسبوك، مرةً وإلى الأبد، بعد أن أعيته التمثيلات الكتابية الممجوجة في أوقيانوس فضائي عجز عن التعامل معه!

محمد جميل أحمد كاتب من السودان