"أوميكرون" وصناعة وتصدير الخوف !!

30 نوفمبر 2021
30 نوفمبر 2021

منذ الإعلان عن ظهور سلالة جديدة متحورة من فيروس كورونا منتصف الأسبوع الماضي في جنوب إفريقيا، والخوف يجتاح العالم من أن يعيد هذا المتحور من جديد قصة كورونا التي لم تنته، لتبدأ موجة جديدة من الإغلاقات الجزئية والشاملة، وحظر التنقل بين الدول، والبحث عن لقاح جديد يقاوم هذه السلالة التي يُقال إنها الأسرع انتشارا وخطورة من الفيروس الأصلي، ومن كل المتحورات التي سبقتها.

يعيش البشر الآن على وقع مفاجآت كوفيد-19 التي يبدو أنها لن تنتهي، فبين كل مفاجأة ومفاجأة تظهر مفاجأة جديدة، تتعلق إما بالفيروس نفسه ومراوغاته وتحولاته لمقاومة اللقاحات، وإما باللقاحات نفسها ومدى كفاءتها في مواجهة المتحورات الجديدة من الفيروس أو آثارها الجانبية التي بدأت بالفعل في الظهور لدى البعض بعد حصولهم على الجرعة الثانية.

إلى أين تقودنا تلك المفاجآت وما مدى خطورتها؟ وهل هي تحولات حقيقية في الفيروس أم محاولات لتصريف المخزون الكبير المتراكم من اللقاحات لدى الشركات الأمريكية والأوروبية الكبيرة، تريد أن تتخلص منه بعد أن أوقفت بعض الدول استيرادها؟ والأهم من ذلك هل تعيدنا تلك المخاوف سواء كانت حقيقية أو مصطنعة مرة أخرى إلى الاختباء في المنازل، ومزاولة أعمالنا عن بعد؟

منذ بداية أزمة انتشار الفيروس لم تتوقف الدول الكبرى، سواء تلك التي خرج منها الفيروس القاتل أول مرة، أو تلك التي أنتجت اللقاحات المضادة له، عن صناعة الخوف والرعب وتصديره إلى كل شعوب العالم، حتى أصبحنا نعيش حالة خوف ورعب مستمرة مرة من الفيروس نفسه، ومرة من احتمالات انهيار الأنظمة الصحية مع تزايد أعداد المصابين، ومرة من الآثار الجانبية للقاحات. وخلال هذه الفترة جربت كل الدول تقريبا حالات الإغلاق الجزئي والشامل، واكتوت بالآثار الكارثية طويلة المدى التي تركتها تلك الأزمة على اقتصادياتها، وما خلفته من زيادة نسب الفقر وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، وخروج الشركات الصغيرة والمتوسطة من السوق، ناهيك عن تفشي الأمراض النفسية والاجتماعية الناتجة عن العزلة والتباعد الاجتماعي.

ورغم أني لست من أنصار "نظرية المؤامرة" التي ترجع كل أزمة عالمية صحية كانت أم غير صحية إلى قوى مجهولة في العالم تعمل ليل نهار على صناعة الأزمات وتضخيمها ونشر الرعب منها، لتحقيق أهدافها غير المعروفة، فإن استمرار أزمة جائحة كورونا وتقلباتها خلال عامين تقريبا تجعلني، مثل الكثيرين غيري، أشك كثيرا في حقيقة هذه الأزمة وحجمها الفعلي، لدرجة تدفعني في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأن هناك بالفعل مجلس إدارة يدير العالم لحسابه أو لحساب قوى محددة فيه، يقرر متى يطلق الأزمة ومتى ينشر الخوف والهلع منها، ومتى يخفف منها، ومتى يعيدها مرة أخرى إلى صدارة أجندة الاهتمامات العالمية.

ولعل قصة اكتشاف المتحور الجديد في جنوب إفريقيا الأسبوع الفائت وما ترتب عليه، تؤكد صحة هذا الاعتقاد. فبعد أن هدأت الأمور نسبيا وفتحت دول العالم أبوابها خاصة للذين تلقوا جرعتين من إحدى لقاحات كورونا المعتمدة، وعاد الناس إلى أعمالهم والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، وارتفعت أسعار النفط في العالم، وبدأت الأسواق الصغيرة والناشئة في التعافي، فجأة وبدون مقدمات يتم الإعلان عن سلالة جديدة متحورة من كوفيد-19 يقال إنها أسرع انتقالا وأشد فتكا، مما خلق حالة من الارتباك ليس فقط لدى الحكومات، ولكن لدى عامة الناس الذين كانوا يعتقدون أن الأزمة انتهت أو كادت بعد أن وصل التحصين باللقاحات إلى نسب عالية جدا.

الشعور الجديد بالخوف وما ترتب عليه من قلق وإحباط لدى قطاعات واسعة من البشر عبر بعضها عن نفسه في مظاهرات مناهضة للعودة إلى الإغلاق في أكثر من دولة أوروبية، مثل بلجيكا وهولندا والنمسا وكرواتيا وإيطاليا، يؤكد أن توقيت الإعلان عن المتحور الجديد كان مقصودا.

مجلس إدارة العالم الذي يدير أيضا المنظمات الأممية مثل منظمة الصحة العالمية، رأى- كما يعتقد أصحاب نظرية المؤامرة- أن التعافي الاقتصادي العالمي السريع سوف يضر بمصالح القوى والشركات الكبرى النافذة في العالم، وأن الأمر يحتاج إلى إبطاء وتيرة هذا التعافي، خاصة ما يتعلق منها بالزيادة المستمرة في أسعار النفط، التي لم يوقفها قرار الدول الكبرى المستوردة باللجوء إلى المخزون الاستراتيجي. ومن ثم تم اللجوء إلى الحل القهري الأسهل وهو صناعة خوف جديد من سلالة جديدة من الفيروس، ودفع الدول دفعا إلى الإغلاق، وبالتالي خفض استهلاك النفط وانهيار أسعاره. ويكفي في هذه الحالة أن يتم استخدام الترسانة الإعلامية التي تعمل من الدول الكبرى لبث الهلع والرعب من المتحور الجديد، ودفع منظمة الصحة العالمية إلى ممارسة دورها في الإعراب عن القلق، ثم توصية دول العالم بإغلاق أبوابها أمام القادمين من دول محددة – هذه المرة دول جنوب القارة الإفريقية- ثم التوصية بالإغلاق الجزئي والتام بعد ذلك، لتتوقف المحركات الاقتصادية عن العمل تماما خاصة في الدول الصغيرة والفقيرة. ولا مانع لزيادة جرعة الخوف من صناعة أخبار عن اللقاحات الحالية، وهل ستكون فعالة في مواجهة السلالة الجديدة أم يحتاج الأمر إلى تطوير لقاح جديد يتم فرضه على العالم.

وقد بدأ بالفعل تنفيذ سيناريو المتحور الجديد، وحتى أول أمس- الاثنين- كانت 24 دولة في العالم قد أغلقت حدودها جزئيا أو كليا منذ إعلان منظمة الصحة العالمية الجمعة الماضي أن "متحور "أوميكرون" الجديد لفيروس كورونا مثير للقلق بسبب كثرة الطفرات التي عرفها، مما يجعله مختلفا عن سلالة كورونا الأصلية التي ظهرت مع بداية الجائحة في ديسمبر 2019".

وبسبب حالة الخوف والهلع التي يغذيها النظام العالمي، بالغت بعض الدول في الأمر فأغلقت حدودها بالكامل أمام كل دول العالم، في حين أغلقت دول أخرى حدودها أمام القادمين من دولة جنوب أفريقيا وباقي دول منطقة جنوب القارة الأفريقية، ومنعت مواطنيها من السفر إليها، فيما وسعت دول أخرى من حظر السفر لتشمل بعض الدول غير الأفريقية التي رُصدت فيها حالات إصابة بالمتحور الجديد. ومن المتوقع أن يتم إكمال السيناريو بالدعوة إلى الإغلاق التام في بعض الدول، ومن ثم البحث عن لقاح جديد أو تطوير اللقاحات الحالية للتعامل مع المتحور الجديد وهو ما يزيد العبء على الدول الفقيرة، مثل دول إفريقيا التي لا تزيد نسب التطعيم بها ضد الفيروس الأصلي عن 7 بالمائة.

هذه الدائرة التي لا تنتهي من صناعة ونشر الخوف ستكون هي المحرك في السنوات القادمة للتعامل مع قضايا العالم المختلفة، في إطار الصراع ثلاثي القطبية الذي يتشكل حاليا بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين، من جانب، وبين الصين وروسيا من جانب آخر.

لقد كانت صناعة الخوف على مدى تاريخ العالم محركا مهما من محركات السياسة الدولية، تستثمر فيه القوى الكبرى للحفاظ على مكتسباتها وضمان مصالحها في مواجهة الدول الفقيرة التي تريد النمو والتحرر من أسر السيطرة الخارجية، وتستثمر فيه الأنظمة الديكتاتورية للحفاظ على وجودها في السلطة لأطول فترة ممكنة ومواجهة التطلعات الشعبية للحرية والعدالة والمساواة. ولن ينصلح حال العالم، ولن يتوقف فيروس كورونا عن إنتاج متحوراته المقلقة إلا عندما يتخلص العالم من الخوف وصانعيه.