عمان اليوم

هل تسهم هدايا أولياء الأمور في تفوق الأبناء؟

28 يوليو 2023
تربويون يؤكدون دورها في التحفيز
28 يوليو 2023

تعتبر التربية من مفهومها العام عملية غرس القيم والأخلاق والقواعد والسلوك والمهارات المرغوب فيها حتى تتأصل في النشء وتبقى ملازمة لهم في مراحل حياتهم المختلفة، والتربية الحديثة تؤكد على الأهمية البالغة للطالب باعتباره المحور الذي تدور حوله العملية التربوية بجميع عناصرها وأهدافها بما في ذلك ميوله واتجاهاته المنطلقة من دوافعه وحاجاته المختلفة، وفي ظل الاهتمام المتزايد بالعملية التعليمية ورفع مستوى التحصيل الدراسي للطلبة والشراكة بين المدرسة والمنزل، أصبح هناك اهتمام متزايد عند أولياء أمور الطلبة والمعلمين في استخدام مبدأ التعزيز والتحفيز من أجل السير بالعملية التعليمية قدما نحو تحصيل دراسي عال وسلوك إيجابي من الطلبة، فعند نهاية كل عام دراسي تقوم الأسرة بمكافأة أبنائها نتيجة تفوقهم أو مجرد اجتيازهم لامتحاناتهم بشراء وتقديم هدايا لهم لأهمية هذا الأسلوب في دفع الطلبة إلى زيادة التغيير السلوكي الإيجابي وبالتالي رفع مستواهم التحصيلي، إلا أن بعض تلك الهدايا لا تحقق أهدافها المرجوة وربما تأتي بآثار سلبية على التحصيل الدراسي والمستوى الأخلاقي والصحي.

في البداية تقول شيخة بنت سعيد الخروصية أخصائية اجتماعية: إن هدايا أولياء الأمور لأبنائهم بعد نهاية العام الدراسي تعد تعزيزا ماديا وحافزا فعالا إذا تعطى مباشرة بعد السلوك المرغوب فيه وهو الحصول على درجات عالية نهاية العام لكي يزيد من احتمالية الحصول على أعلى الدرجات في الأعوام القادمة، فهذه المكافأة تحفز الطالب وتشجعه على مواصلة الأداء الإيجابي في دراسته ومما لا شك فيه أنه يجب أن يحسن ولي الأمر اختيار الهدية فلا يبالغ فيها ولا تكون مما لها تأثير سلبي على ابنه كالأجهزة والألعاب الإلكترونية، حيث يقضي أغلب أوقاته في استخدام هذه الأجهزة والتي ستؤثر عليه صحيا واجتماعيا ولذلك يجب عليه أن يختار الهدية المناسبة لمرحلته العمرية، وهل ستحقق له الفائدة من اقتنائها ولا يمنع أن يتشاركا في الاختيار وبرضا الطرفين.

وترى الخروصية أنه على أولياء الأمور أن يوازنوا وينوعوا في التعزيز بين المادي والمعنوي حتى لا يعتمد الابن على نوع واحد من التعزيز وبمرور الوقت تصبح عادة لا تعود عليه بالفائدة ولا تحقق الأهداف المنشودة من ورائها. وأكدت قائلة: التعزيز بشكل عام للأبناء سواء من ولي الأمر أو المعلم له دور في زيادة نسبة انتشار السلوكيات الإيجابية التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع وانخفاض السلوكيات غير المرغوبة كما يؤدي إلى زيادة ثقة وتقدير الطالب لنفسه أمام الآخرين حيث يشعر بالرضا والإنجاز ويدفعه إلى حب التعلم الذي بدوره يرفع من مستواه التحصيلي.

هدايا متنوعة

ويرى الدكتور سعيد بن علي الحجري مشرف تربوي أن هدية التفوق لها دور مهم في تشجيع الطلبة على بذل المزيد وعلى استمرار الجهد في التزود من العلم والتحفيز على الإنجاز والمثابرة في ذلك وزيادة ساعات المذاكرة والحرص على إتقان ما يتعلمه من مهارات ومعارف مختلفة في شتى العلوم. وأشار الحجري بقوله: نجد حرص معظم الآباء وأولياء الأمور على تكريم أبنائهم بهدايا مختلفة بحسب قدراتهم ومستوياتهم المادية التي تؤهلهم لذلك فنجد بعض الآباء يسارعون إلى مكافأة أبنائهم بالهدايا المختلفة بغض النظر عن مستوياتهم الدراسية والمعدلات التي حققوها. وهنالك آخرون يربطون الهدية بمستوى التفوق الذي أظهره الطالب. وبعض الآباء يرى أنه ليس من المهم أن نعطي الطالب الهدية ولكن الأهم أن يشعر الابن بإنجازه ويفتخر به وهذا أدعى حسب رأيه إلى استمرارية التفوق فالإشباع النفسي أهم وأبقى أثرا من الهدية المادية.

وأوضح: إن للهدية أهمية كبيرة في تحفيز الطالب ومكافأته على إنجازه، ولكن يبقى أمر مهم وهو انتقاء الهدية المناسبة التي تتناسب مع المرحلة العمرية للطالب ولا تشغله عن طلب العلم والاستزادة منه والاهتمام به ولا يكون تفوق الطالب دائما مربوطا بالهدية بحيث إنه إذا كرم بهدية زاد في رغبة التفوق والاستمرار في بذل الجهد وإذا لم يكافأ تكاسل عن الإنجاز والمثابرة. وأضاف الحجري قائلا: كلما كانت الهدية نابعة من احتياج الابن لها كان أثرها فيه أكبر لذلك من الأفضل أن نترك للطالب أو الابن مساحة لاختيار هديته بنفسه حتى يشعر أن الهدية التي قدمت له حققت شيئا من رغباته ولامست احتياجاته.

زيادة الدافعية

وقالت أسماء بنت علي الريامية معلمة لغة إنجليزية: بعد انتهاء العام الدراسي يسعى ولي الأمر لمكافأة أبنائه على نجاحهم وتفوقهم على جهدهم المبذول والهدية أيّا كانت تُعد دعما معنويا كبيرا للطالب، كما أنّها تشجع الطلبة بشكل عام على نيل أعلى الدرجات، وبذل المزيد من الجهد والعطاء خلال مسيرتهم العلمية ولكن ينبغي أن تناسب الهدية أعمار الأبناء بدون مبالغة أو تكلف حيث نرى أن الأجهزة الإلكترونية هي الأكثر تداولا مع إصرار الأبناء لاقتنائها مما يحتم على ولي الأمر متابعة أبنائهم وتحديد وقت معين لاستخدامها.

وأكد الدكتور محمد بن إبراهيم البحري أستاذ مشارك بجامعة الشرقية: تكريم أولياء الأمور لأبنائهم بشراء الهدايا أو أخذهم في رحلات لأماكن يحبون زيارتها بعد جهد معين يقومون به أو نجاح تم تحقيقه سواء في دراستهم أو مشاركاتهم الاجتماعية لها دور كبير في تحفيز نجاحهم وإثارة دافعيتهم نحو نجاحات أكبر والاستمرار دائما نحو تحقيق تقدم أكبر ومشرف لأولياء أمورهم، وأضاف البحري: يعبر هذا التكريم عن اهتمام أولياء الأمور وفرحتهم بتحقيق أبنائهم لهذا الإنجاز ولكن في المقابل يجب أن يقدر أولياء الأمور تلك الإنجازات التي يحققها أبناؤهم بحيث لا يتم تكريمهم على الإنجازات البسيطة والتي تكون في المتناول لتحقيقها لأن هذا يقلل من همهم ويصبح التكريم ليس له وقع في نفس الأبناء لبذل مزيد من الجهد كما أن التكريم لا يكون سلوكا سلبيا لدى الأبناء بحيث يكونون ساعين في تحقيق نجاحاتهم من أجل الحصول على التكريم والهدية وتكون مبادراتهم مستقبلا فقط للحصول على التكريم ولا يكون لهم دور اجتماعي من أجل خدمة مجتمعهم.

وذكر أحمد بن سيف البراشدي مساعد مدير مدرسة: يمثل نجاح وتفوق الأبناء في الدراسة مصدر فخر لولي الأمر، مما يجعله يصيغ هذا التفوق والنجاح بتعزيز ابنه/ابنته بتقديم الهدايا المادية بهدف إسعادهم، ومنهم من ينظر إليه بمنظور رفع مستوى الاجتهاد في المرحلة الدراسية القادمة، وقد شاع في هذه الآونة بأن تكون أغلب الهدايا ذات الطابع الإلكتروني كالأجهزة اللوحية أو هاتف يقتنيه الابن، الأمر الذي قد يكون له مفعول عكسي على مستوى الاجتهاد والأداء المأمول في المرحلة القادمة إن لم يخضع للرقابة والمتابعة من قبل ولي الأمر.

وأشار البراشدي إلى أن فكرة تعزيز الطالب بتفوقه الدراسي ينبغي أن لا يحصره ولي الأمر في الهدايا المادية فقط، وإنما يستطيع أن يوجهه نحو هدايا ذات قيمة دينية وخلقية وسلوكية أو مهارية، بأن يكون التعزيز كهدية رحلة العمرة أو إلحاقه بمركز لغات مع هدية مادية خاضعة للرقابة أو هدية يكون لها دور في صقل مهارات ابنه، أو إشراكه في ورشة تدريبية يميل إليها الابن ويدخل بها السعادة إليه وتحثه على الإبداع والتفوق ولها دور في الدافعية للتعلم ومحفزة على رفع مستوى الاجتهاد.

الاتجاه السلبي

وأكدت عنوة بنت محمد الحرسوسية ولية أمر قائلة: أنا مع الطالب الذي يحصل على المكافأة التشجيعية من الأهل لأنها تدخل عليه الفرح والسرور وتشد من عزيمته لبذل المزيد من الجهد والعطاء، والهدية ربما تكون مادية ومعنوية ولكن تبقى في الشيء المعقول حتى لا تأخذ الاتجاه السلبي، كما أن على الطالب ألا يثقل كاهل ولي أمره بأن يطلب شيئا ليس بمقدوره تحقيقه.

ورأى عبدالله بن علي الريامي معلم أول رياضيات أن هناك حرصا من قبل أولياء الأمور على مكافئة أبنائهم بعد تميزهم وتتعدد سبل المكافئة فيسعى البعض إلى تلبية متطلبات أبنائه المادية في حين يسعى الآخرون إلى توفير الأجهزة الإلكترونية أو الدراجات الهوائية وجميعها لها وقعها الكبير متى ما لبت طموح ورغبة الأبناء، بعد تقديم الهدية قد يعتقد ولي الأمر بأن ما عليه قد أداه وهو اعتقاد خاطئ، فمع كل نوع من الهدايا مجموعة من المحاذير التي يجب على ولي الأمر إدراكها ومتابعتها فالهدية المالية مثلا كيف سينفقها وفيما سيصرفها.

وأضاف الريامي: وإذا اتجهنا إلى الأجهزة الإلكترونية واللوحية والهواتف النقالة فالتوجيه والإرشاد والمتابعة حولها يجب أن يكون أكبر لأن هذه الأجهزة ستقودهم إلى عالم آخر قد لا يعلم عنه أولياء الأمور شيئا عندها إذا لم يكن الأبناء محصنين سيقودهم عالم هذه الأجهزة ربما إلى ما لا يحمد عقباه وهنا نكرر الحذر ثم الحذر من أن يقدم أجهزة للأبناء دون متابعتهم في كيفية استخدامها ومعرفة ما هو عالمهم الافتراضي الذين يعيشون فيه من خلال شبكة المعلومات.

وأشار يوسف بن زاهر الشريقي معلم لغة عربية: لا يخفى على أحد حجم الفرحة التي تنتشر في الأسرة في نهاية كل عام بسبب تفوق أبنائهم مما يدعو الآباء إلى التفكير في كيفية مكافأة أبنائهم وما يدور في أذهان الأبناء بعد تفوقهم من ردة فعل الأسرة تجاههم وهنا ينبغي أن نعلم أن هذا الجانب سلاح ذو حدين لذلك مع اتفاقي الشديد مع ضرورة مكافأة الابن المتفوق لا بد أن تحرص الأسرة على اختيار الهدية التي تساعد على تطوير الأبناء لا على الهدايا التي قد تحطم ما بُني في العام الدراسي ومن هنا نستعرض بعض الهدايا كمقترح وليس حصرا مثل ألعاب مهارية متناسبة مع أعمارهم أو تقديم دورات تدريبية مهارية أو إرسالهم إلى دراسات يتخللها بعض الترفيه في الخارج مع مراعاة اختيار المكاتب المناسبة العاملة في ذلك الجانب وغيرها من الهدايا التي تجمع المرح مع التطوير.