مدير دائرة البحوث والتطوير: قريبا منظومة متطورة لـ «البث الخلوي للإنذارات» تتميز بالسرعة والتخصيص في توجيه التحذير
كتب ـ سهيل بن ناصر النهدي -
يتعاظم دور الأرصاد الجوية في التنبؤ بحالة الطقس وهطول الأمطار والرياح ودرجات الحرارة والحالات الجوية ناهيك عن اتساع حركة النمو السكاني والعمراني لمناطق لم تكن مأهولة في فترات زمنية ماضية، حيث تزداد بالمقابل تأثيرات الحالات الجوية على هذا النمو مع ازدياد التوسع العمراني وبالتالي فإن ذلك يرفع من حجم تطلعات المجتمع لدور أكبر تلعبه الأرصاد الجوية للرصد والتنبؤ بحدوث الحالات الجوية وفق تواقيت زمنية مناسبة لبث الإنذارات والتحذيرات من الحالات الجوية، حيث تأخذ الأرصاد الجوية على عاتقها أهمية تلبية طموحات المجتمع المستجدة التي تنشأ من التطور الحضري والوعي الفكري بأهمية خدمات الأرصاد الجوية في التنمية المستدامة.
وللاطلاع على جهود هيئة الطيران المدني في تطوير منظومة الأرصاد الجوية والتعرف عن قرب على الوضع العام للمناخ بالسلطنة وغيرها من الجوانب المتعلقة بالمركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة زارت (عمان) الأرصاد الجوية والتقت بعدد من المختصين للحديث عن الجديد حول الأرصاد الجوية.
منظومة حديثة
في البداية تحدث الدكتور حميد بن علي البادي مدير دائرة البحوث والتطوير بالمديرية العامة للأرصاد الجوية بهيئة الطيران المدني قائلا: تسعى الأرصاد الجوية بشكل مستمر إلى تلبية طموحات المتلقي لخدمات الأرصاد عبر توفير أنظمة حديثة للتنبؤ بالطقس وللوصول إلى السرعة والدقة للتنبؤ والإنذار من الحالات الجوية التي قد تشكل خطرا على الأرواح والممتلكات، مشيرا إلى أن هناك مساعي حثيثة لإدخال منظومة متطورة تسمى البث الخلوي للإنذارات (cell broadcast) وهي تقنية تستخدم شبكة الهاتف النقال لبث الإنذارات عن المخاطر الطبيعية وتتميز بالسرعة في البث والتخصيص بتوجيه الإنذار لأصحاب المصلحة ولجميع الأشخاص الموجودين في المنطقة المعنية دون غيرها عبر الهاتف بصوت ووميض مميز على الشاشة، موضحا أن هناك تنسيقا مع الهيئة العامة لتنظيم الاتصالات وشركات الاتصالات بالسلطنة لإدخال هذه المنظومة في الخدمة.
رادارات الطقس
وأكد مدير دائرة البحوث والتطوير على أهمية تشغيل (رادارات الطقس) وذلك لما تشكله من فعالية عالية في كشف مناطق الأمطار الغزيرة والرياح القوية مما يمكن المختص من التحذير عنها في المناطق التي قد تتعرض لها بجودة مكانية وزمانية أعلى، مبينا أن هيئة الطيران المدني تستخدم منظومة متنوعة من الوسائل للتنبؤ والرصد الجوي متمثلة في عدد من الأقمار الاصطناعية و75 محطة رصد سطحي أرضي و4 محطات بحرية و6 رادارات قياس الأمواج و10 محطات لقياس مستوى سطح البحر ومحطتين لرصد طبقات الجو العليا.
وعلى صعيد تحسين التواصل مع المجتمع ومتلقي خدمات الأرصاد أفصح البادي عن الاستعداد لافتتاح (استوديو) خاص للنشرات الجوية بمقر الأرصاد الجوية بهيئة الطيران المدني سيتم من خلاله بث محتويات إعلامية وتوعوية عن الحالات الجوية وإنفوجرافكس عن الطقس بإشراف وتقديم مختصين من الأرصاد، حيث زود الاستوديو بأحدث الأنظمة الإعلامية بجودة عالية، أما في جانب رفع مستوى الجودة والفعالية في عمليات الأرصاد الجوية فقد أشار إلى نجاح الأرصاد الجوية في الحصول على الشهادة الدولية لإدارة الجودة أيزو ٩٠٠١، وشهادة إدارة أمن المعلومات ٢٧٠٠١، إضافة إلى مواصلة الدورات التدريبية عن بعد خلال سنة 2020 و2021 نتيجة لجائحة كورونا وذلك للإبقاء على المستوى المطلوب من صقل وتنمية خبرات ومهارات منتسبي الأرصاد خلال تلك الفترة.
ارتفاع درجة الحرارة
وعما إذا كان ثمة حدوث أي تغير في المناخ بالنسبة للسلطنة وغيرها قال الدكتور حميد البادي: إذا أردنا الحديث عن التغير المناخي فهناك عنصران يكثر الحديث عنهما في الوسائل الإعلامية، أحدهما (درجات الحرارة) موضحا أن درجات الحرارة بشكل عام ارتفعت في القرن العشرين مقارنة بالقرن التاسع عشر واستمرت في الارتفاع خلال السنوات الـ 30 الماضية، حيث بلغ أعلى متوسط عالمي سنوي للحرارة في عام 2016م، وفي السلطنة سجل الرقم القياسي لأعلى درجة حرارة في الصيف الماضي بولاية محوت بتاريخ 16 يونيو 2021 وقد بلغ 51.06 درجة سيليزية. وتضمين فترة السنوات الـ 30 مهم في حساب التغيرات المناخية فهي الفترة الأدنى التي يحسب فيها أي تغير طويل الأجل في المناخ حسب تعريف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فعلى سبيل المثال لا يجوز أن نشهد 7 سنوات جافة ونقفز إلى استنتاج أن هذا تغير دائم في المناخ فقد يعقبها 7 سنوات خصبة تعادل جفاف السنوات التي سبقتها، والحمد لله شهدت السنوات 2018 – إلى صيف 2020 زيادة في الحالات الجوية ارتفعت خلالها كمية هطول الأمطار إلى حوالي 30 % فوق المعدل.
لا زيادة في الأعاصير
وتطرق البادي إلى العنصر الثاني للتغير المناخي الذي يكثر الحديث عنه ألا وهو عدد الأعاصير، حيث نفى وجود زيادة مطردة في عدد الأعاصير على بحر العرب موضحا أنه على الرغم من وجود زيادة في الأعاصير خلال السنوات الثلاث الماضية من 2018 إلى 2020 إلا أن ذلك ليس دليلا على أن تلك زيادة دائمة فأرشيف الأعاصير يبين أن بحر العرب شهد في القرن الماضي فترات شبيهة زاد فيها عدد الأعاصير في سنوات تلاها نقص في سنوات أخرى حيث يلاحظ من خلال أحداث الأعاصير المسجلة لفترات طويلة كآخر 75 سنة مثلا عدم وجود نمط لزيادة أو نقصان لمتوسط عدد الأعاصير، وأسرد فترات في القرن الماضي شبيهة بفترة 2015-2020 ارتفع متوسط تشكل الأعاصير خلالها في بحر العرب ليصل 4 حالات مدارية منها فترة 1960 - 1965 وفترة 1971 - 1976م كما أن متوسط عدد الأعاصير والحالات المدارية الحالي في الـ30 سنة أقل مما كان عليه في الفترة بين 1950 – 1980 لذلك فإن هذه الأدلة تؤكد أن ما يحدث ببحر العرب من نشاط في سنوات أو سبات في سنوات أخرى ليس بجديد.
أضرار الأعاصير
وأضاف الدكتور البادي: هناك دراسات علمية تقول (إن عدد الأعاصير لم يرتفع ولكن عدد الأعاصير الشديدة هي التي زادت) مشيرا إلى أن هذه المقولة ترد عليها مقولة علمية أخرى (بأن ما نراه من زيادة ظاهرية في قوة الأعاصير هو في الحقيقة انعكاس للتحسن في أدوات قياس سرعة الرياح وهي العنصر الأساسي المستخدم في تصنيف قوة الأعاصير)، فاليوم أصبح لدينا أقمار اصطناعية تكشف عن سرعة الرياح بدقة غير مسبوقة بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة لعدد السفن في بحر العرب مقارنة بالقرن الماضي الذي كان فيه بحر العرب فقيرا بالرصدات الجوية، فالزيادة الظاهرة في قوة الأعاصير قد لا تكون حقيقية لأننا نجهل سرعة الرياح بدقة في أعاصير القرن الماضي وشبه ذلك بافتراض الزيادة في الحالات الجوية الأخرى كالأمطار الشتوية التي قد يظن البعض أنها زادت من خلال زيادة عدد آلات التصوير التي تصور وتوثق هذه الأحداث والزخم الإعلامي الكبير الذي نشهده في وسائل التواصل الاجتماعي في آخر 10 سنوات وعدد محطات رصد الأمطار بينما لم توضح القياسات طويلة الأجل زيادة في كميات الأمطار المسجلة من هذه الحالات، ولكن من جانب آخر يؤكد البادي أن أضرار الأعاصير على الممتلكات وتأثيرها الاقتصادي فعلا زاد باطراد وربط ذلك بزيادة عدد السكان الذين يتعرضون لهذه الحالات الذي تضاعف أكثر من 5 مرات خلال السنوات الـ50 الماضية حيث كان عدد سكان السلطنة في عام 1970م لا يتجاوز 730 ألف نسمة، فيما يصل الآن إلى 4.5 مليون نسمة ورافق ذلك توسع كبير للمدن ضيقت مجاري المياه، مشيرا إلى أن هناك مناطق لم تكن مأهولة في السابق وتعرضت في فترات ماضية إلى أعاصير وحالات جوية ولكن لم يكن أحد ليشعر بها لأنها غير مأهولة، أما الآن وبعد أن امتدت إليها عملية التنمية والبناء فقد أصبحت مأهولة بالسكان مما يعني أنها أصبحت تحسب في تأثيرها على الممتلكات في الوقت الحاضر.
التخطيط السليم
وأكد مدير دائرة البحوث والتطوير بالمديرية العامة للأرصاد الجوية على أهمية التخطيط السليم عند الشروع في أي توسع عمراني وتصميم مخططات عمرانية تهتم بحماية مجاري الأودية والمناطق المنخفضة التي دائما ما تكون عرضة للمخاطر عند حدوث أي حالة جوية، مبينا أهمية استخدام البيانات المؤرشفة للمناخ في مجال التخطيط العمراني المستقبلي وغيرها من المشاريع الحيوية التجارية والصناعية وأشار إلى أن هناك وعيا متزايدا بذلك انعكس مؤخرا في زيادة عدد طلبات بيانات المناخ من المديرية العامة للأرصاد الجوية وطلبات الدراسات الاستشارية والتقارير المتعلقة بالطقس والمناخ من قبل الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وتتضمن هذه الدراسات على سبيل المثال تحليل كميات الأمطار المحتملة وقوة الرياح على نطاقات زمنية ومكانية مختلفة قبل البدء في أي مشروع، مؤكدا أن الردود على طلبات البيانات تتم بسرعة لا تتجاوز يومين بينما تعتمد مدة تنفيذ الدراسات الاستشارية وكتابة التقارير على حجم العمل المطلوب.
حالة صحم
وعما تعرضت له ولاية صحم قبل أشهر قال البادي: الحالة الجوية التي تعرضت لها ولاية صحم بتاريخ 4 مايو 2021 من النوع الذي ما زال يشكل تحديا علميا على مراكز الأرصاد حول العالم للتنبؤ به قبل فترة طويلة، فالرياح القوية التي أثرت بشدة على الولاية نشأت من خلية رعدية كبيرة كان من الصعب التنبؤ بمكان تشكلها الدقيق قبل فترة زمنية طويلة، فمع أن هناك تنبؤا بأنها ستتشكل في ذلك اليوم في مكان ما شمال السلطنة ولكن كان صعبا على أخصائي الأرصاد الجوية المناوب أن يعرف بدقة مكان تشكلها، ومع ما يتوافر حاليا من قدرات وموارد متاحة تنحصر قدرة الإنسان على التنبؤ بالأضرار من هذا النوع من الحالات الجوية قبل ساعات إلى دقائق قليلة من حدوثها، وبسبب ضيق الوقت يتطلب التحذير من مخاطرها أنظمة تساعد على التحذير السريع والموجه للموجودين في منطقة الخطر، ومن المؤمل أن يغطي تشغيل منظومة البث الخلوي للإنذارات (cell broadcast) هذه الحاجة كما سيساعد تشغيل الرادارات الخاصة بالطقس في الرصد الآني للرياح القوية والتحذير منها.
حالة صور
أما عن الموجة الشرقية التي أثرت في شهر يوليو بأمطار غزيرة على ولاية صور والأضرار التي لحقت بعدد من مناطقها ذكر الدكتور حميد البادي وجود عدد من الإنذارات المبكرة التي أصدرتها الأرصاد عن تلك الحالة الجوية، وأكد أن هناك مجالا لتحسين هذه الإنذارات من حيث اللغة وطريقة البث الموجه للمناطق المتوقع أن تكون أكثر عرضة بسبب وقوعها بالقرب من مجاري الأودية وفي مناطق منخفضة، وفي المقابل هناك حاجة لمراجعة التخطيط العمراني في المناطق التي تأثرت لضمان عدم تكرار مثل هذه الأضرار والخسائر في المستقبل.
وأوضح البادي أن الأرصاد الجوية حذرت من العديد من الحالات الجوية التي تعرضت لها بعض ولايات ومناطق السلطنة خلال فصل الصيف، ولكن المستفيد أو المتلقي لخدمات الأرصاد يطمح إلى المزيد من الفعالية والتخصيص للخدمات المقدمة الموجهة للمناطق المتوقع أن تتعرض لمخاطر أكبر من غيرها وذلك لجذب انتباه قاطنيها، وهذا يتطلب المزيد من الاستثمار في تطوير الأنظمة التي تساعد في تحقيق هذه الخدمات.
التوقعات الفصلية
من جانبها أوضحت إفادة بنت سليمان الحبيشية أخصائية أرصاد جوية بالمديرية العامة للأرصاد الجوية في حديثها عن التوقعات الفصلية عن الطقس أن أهم عنصرين في هذه التوقعات هي (الحرارة والأمطار)، وأشارت إلى أن التنبؤات الموسمية لفصل الخريف (شهر أكتوبر إلى ديسمبر) توضح أن درجات الحرارة ستكون أعلى من المعدل في أغلب ولايات السلطنة وبمقدار أقل على ولايات محافظتي الداخلية وشمال الشرقية.
أما عن الأمطار فبينت الحبيشية أنه من المتوقع أن تبقى حول المتوسط خلال الأشهر القادمة أكتوبر ونوفمبر وديسمبر مؤكدة على أن دقة التوقعات تعتمد على الفترة الزمنية فكلما كانت المدة الزمنية أقل كانت التوقعات أكثر دقة.
بعد ذلك زارت عدسة (عمان) مرافق الاستديوهات الخاصة بالطقس والنشرات الجوية المزمع تدشينها قريبا، حيث اطلعت على أبرز التقنيات المتوفرة والأنظمة الحديثة التي سيتم العمل بها، وقدم المختصون شرحا وافيا عن الإمكانيات المتوفرة بالاستوديو وما يضمه من أجهزة وأدوات حديثة، حيث من المتوقع أن يبث الاستوديو نشرات مباشرة عن الطقس والحالات الجوية من قبل أخصائيين في الأرصاد يتمتعون بخبرات كافية في مجال الإعلام ومعرفة علمية عميقة بطقس ومناخ السلطنة لنقل صورة أدق للجمهور.
كما زارت (عمان) المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة واطلعت على عمل المختصين المتواصل على مدار الساعة لمتابعة تقلبات الطقس وإعداد النشرات الجوية اليومية وغيرها من تفاصيل الحالات الجوية، كما يعمل المختصون على مدار الساعة على تقديم خدمات الأرصاد من بيانات وتحذيرات للطائرات القادمة والعابرة للمجال الجوي العماني.
