مختصون: سلطنة عُمان معرضة لأعاصير مدارية تزداد حدتها بمرور السنوات أهمية تطوير خرائط للفيضانات وتحديثها باستمرار مع توسع العمران لتحديد المناطق المعرضة للخطر
أكد مختصون أن سلطنة عُمان من الدول المعرضة لمخاطر الأعاصير المدارية بحكم موقعها المطل على بحر العرب وشمال المحيط الهندي كما أن التخطيط العمراني له دور استباقي في الحد من الأنواء المناخية.
ونشر في مجلة إضاءات علمية الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار موضوع بعنوان رصد البحث العلمي ومتابعته للأعاصير التي شهدتها سلطنة عمان، ورأي خبراء الأرصاد والباحثين في المعامل العلمية، والمسؤولين في المؤسسات المعنية عن دور البحث العلمي في مواجهة السيول والأعاصير، ولماذا سلطنة عمان تتعرض لأعاصير وسيول مدمرة؟ وهل يمكننا تلافي الأعاصير؟ وما دور التخطيط العُمراني في تقليل خسائر السيول والفيضانات؟ وهل يمكن تشكيل أعاصير من قبل البشر وتوجيهها كما يعتقد البعض؟
وفي هذا الجانب يقول حارث بن حمد السيفي الباحث في أرشيف عمان المناخي: إن الأعاصير تتشكّل في المحيطات والبحار الدافئة وتستمد طاقتها منها، وقد يبلغ قطر الإعصار بين 200-500 كم وقد يصل لأكثر من ذلك، وللأعاصير المدارية عدّة أسماء بحسب المحيط الذي تتشكّل فيه، فيُسمّى: الهاريكين "Hurricane" في المحيط الأطلسي والبحار التابعة له وأجزاء من المحيط الهادئ، والتايفون "Typhoon" في شمال غرب المحيط الهادئ -شرق وجنوب شرق آسيا، والسايكلون "Cyclone" في المحيط الهندي، ويضيف السيفي أن الأعاصير المدارية تُصنّف من حيث القوة من خلال مقياس سفير-سمبسون "Saffir–Simpson" على 5 درجات إعصارية بعد أن تتخطى مستوى العاصفة المدارية "34-63 عقدة"، وأعلى درجة للأعاصير هي الخامسة بـ(138) عقدة وأعلى، كما توجد تقنيات متعددة لقياس شدة الأعاصير من خلال تحليل نشاط الإعصار بالأقمار الاصطناعية كتقنية “Dvorak”.
تشكيل وتوجيه الأعاصير
وحول معتقدات إمكانية تشكيل أعاصير مصطنعة، قال الباحث في أرشيف عُمان المناخي حارث السيفي: رغم التقدم العلمي الذي يشهده العالم في كافة المجالات إلّا أنّه لم يستطع العلماء حتى الآن من التعمق بالشكل الكافي لخلق السحب من العدم فكيف بالأعاصير المدارية، والتي تعتبر أنظمة معقدة من العوامل الجوية المترابطة مع بعضها البعض والتي تتطلب مساحات شاسعة وظروف استثنائية، ورغم ذلك تتجه بعض الدول لاستخدام تقنيات الاستمطار الصناعي والتي تتمحور فكرتها في تسريع عملية هطول المطر من السحب الممطرة أو تحفيزها ولكن لا يمكنها إنشاء سحب رعدية من الصفر، أما هلال الحجري يرى أن هذه المعتقدات لا صحة لها، حيث إن الأنظمة المدارية بشكل عام أنظمة معقدة تعتمد على متغيرات كثيرة في الغلاف الجوي والمسطحات المائية، ونذكر منها على سبيل المثال ما يرتبط بالتوزيعات الضغطية واختلاف درجات الحرارة وتوافر الرطوبة وارتفاع درجات حرارة سطح البحر.
أوضخ حارث السيفي: إن الدراسات العلمية حول مناخ شبه الجزيرة العربية محدودة، وخاصة تلك المتعلقة بمستقبل مناخها ولكن حسب تقرير "IPCC" وهي الجهة المعنية بمتابعة تغير المناخ والتابعة للأمم المتحدة نشرت تقريرا تفصيليًا حول تأثير ارتفاع معدل حرارة السطح في العالم ما بين 1.5-2.0 درجة مئوية عن المعدل والتي يتّجه العالم لتسجيلها خلال السنوات المقبلة وبمجمل الدراسة أنّ هناك مؤشرات لزيادة أمطار الصيف على بحر العرب وشبه الجزيرة العربية وبالتالي زيادة حدّة الأعاصير المدارية، وبطبيعة الحال فإن أمطار الصيف على سلطنة عمان تأتي من عدة مصادر وهي: الأعاصير المدارية، والتكونات المحلية، ورياح المونسون، والموجات الشرقية من بحر العرب، لذا فإنّ الزيادة المحتملة للأمطار هي ناتجة عن زيادة مقدار التبخر في مياه البحر بسبب زيادة الاحترار وتكرار انخفاض الضغط السطحي على البحر مما يترتب عليه تكرار تشكل الحالات الجوية البحرية كالأعاصير، وأمطار المصادر البحرية أكثر غزارة من أمطار المنخفضات الشتوية لذا فإن وتيرة الفيضانات قد تشهد ارتفاعًا في حال سار الواقع مثلما أشارت إليه هذه الدراسات، والله وحدهُ أعلم.
ويضيف السيفي : تتعرض سلطنة عمان للأعاصير بحكم موقعها المطل على بحر العرب، وهو ضمن البحار التي تكتسب العوامل الملائمة لتشكّل الحالات المدارية وأهمها احترار مياه السطح فوق 27 درجة مئوية، مما جعلها وجهة معتادة لهذه الأعاصير، والأمثلة لهذه الأعاصير كثيرة، حيث حدث إعصار في عام 1723م وفق توثيق الإرسالية الفرنسية وكتاب النمير، وجرفة إعصار شهر صفر التي حدثت في يونيو 1836م وأرخّت في صخرة بوادي الحيملي بولاية الرستاق، وإعصار1959 المسمى بالغريقة والذي أودى بحياة أكثر من (120) شخصا إضافة للإعصار المعروف على ولاية مصيرة ومحافظة ظفار عام 1977م، وبشكل عام فإن الأعاصير تؤثر على سلطنة عُمان بشكل متفرق ومتباعد بين السنوات، وأضاف السيفي أنه وفق دراسة قامت بها الدكتورة سعاد المنجية وآمنة الرحيلية فإن الأعاصير تزداد حدّة مع مرور السنوات رغم نقصان عددها عالميًا، وهذا الأمر يعود للاحترار العالمي المتزايد لمياه المحيطات مما يعطي طاقة أعلى لبناء الأعاصير ويرفع شدتها، ولذا فإن الأعاصير التي تُصنّف لدرجات إعصارية تكون احتمالية تأثيرها ودخولها اليابسة أعلى من التي تُصنّف كعاصفة مدارية أو منخفض وبالتالي ترتفع احتمالية تأثر سلطنة عمان بالأعاصير، كذلك وجدنا أنّ خلال الفترة 1880-1900م تزايد عدد الأعاصير التي أثّرت على عُمان وبعضها ذو تأثير شديد، والأمر يتكرر الآن منذ 2007 وحتى اليوم والأعاصير في تزايد من حيث القوة والتأثير على اليابسة.
ويشير السيفي إلى أن للبحث العلمي دورا مهما جدًا في مواجهة التغيرات المناخية المختلفة، وبالنسبة للأعاصير يمكن البحث في مسببات الأعاصير، ومقوّياتها، ومُضعفاتها، والمؤثرات على مساراتها، وعلاقة الأعاصير بمتغيرات الغلاف الجوي، وأسباب الفيضانات، وذلك يمكن أن يلعب دورا في دراسة دور التوسع العمراني في زيادة أو تقليل الفيضانات، ونطاق المد البحري وقوته وتركيزه الساحلي، وآثار الرياح الشديدة، وأثر جغرافية المكان في التأثير على آثار الأنظمة الجوية، ودراسة الاستجابة الفعلية لقطاعات حالات الطوارئ، وغيرها الكثير من المسارات التي يمكن البحث فيها في سبيل تقليل الخسائر والاستفادة من تجارب التأثّر من هذه الأعاصير.
ويضيف السيفي: إن للأعاصير المدارية أنظمة جوية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالغلاف الجوي المتوازن، وأساسيّات تشكّل الإعصار صعبة وواسعة النطاق، لذا التأثير على التشكّل غير ممكن في الوقت الحالي ولكن اقترح بعض العلماء مثل فرانك دي ماركس مدير أبحاث الأعاصير في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في ميامي بالولايات المتحدة أن أهم أفكار تدمير أو إضعاف الأعاصير المدارية عديدة مثل إلقاء قنبلة نووية على الإعصار أو جر جبال جليدية في مسار الإعصار أو تبريد مياه المحيط أو حقن الإعصار بمواد طبيعية أو كيميائية تساعد على تفكيك الإعصار، ومن أرجح الأفكار التي طُرحت هي تبريد مياه المحيط ولكن وفق بحث قامت به الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أن أضرار هذه الطريقة خطيرة على البيئة كتسببها بحدوث جفاف على بعض المناطق وتغيير سلوك بعض أنواع الرياح.
من جانبه يقول الدكتور أحمد حديدي أستاذ مساعد بقسم علوم الأرض التطبيقية بالجامعة الألمانية للتكنولوجيا: إن الأعاصير المدارية تنشأ فوق المحيطات الواقعة في خط العرض المداري (شمال وجنوب خط الاستواء) ويعتبر شمال الأطلسي وغرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي مصدر معظم الأعاصير المدارية، حيث تدفع الرياح الغربية في المحيط الهندي الأعاصير إلى عدة مقاطعات في الغرب، ومن بينها سلطنة عُمان، وتنتج هذه الأعاصير في الغالب خلال المواسم الانتقالية (الربيع والخريف) ويسبب عدم الاستقرار في الغلاف الجوي وارتفاع درجات الحرارة.
أما الدكتور أحمد حديدي يرى أن موقع سلطنة عمان غرب المحيط الهندي وفي خط الاستواء يجعلها عرضة للأعاصير التي تتطور في المحيط، وليس لتغير المناخ دور رئيسي في هذه الظاهرة، ومع ذلك قد يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر وشدة هذه الأحداث.
وكان التوسع الحضري في سلطنة عمان خلال العقود القليلة الماضية أسرع من التخطيط المناسب في بلد معرض للفيضانات المفاجئة، والتي قد تتشكل فقط بسبب انخفاض الغلاف الجوي وليس من الضروري حدوث إعصار، لذا يجب تطوير خرائط لمخاطر الفيضانات وتحديثها بشكل متكرر مع توسع التحضر، كذلك تمثل النمذجة الهيدرولوجية الحديثة أداة ممتازة لتحديد المناطق المعرضة للخطر، وهو أمر مهم للغاية أثناء الإخلاء.
الأعاصير المدمرة
وقال هلال بن سالم الحجري أخصائي أرصاد جوية بهيئة الطيران المدني: الإحصائيات المناخية بينت أن سلطنة عُمان من الدول المعرضة لمخاطر الأعاصير المدارية بحكم موقعها المطل على بحر العرب وشمال المحيط الهندي الذي ينشط فيه تشكل الحالات المدارية خلال الفترات الانتقالية (مايو – يوليو) و (أكتوبر- نوفمبر)، إذ تشكل نسبة الأعاصير في بحر العرب 1% من مجمل الأعاصير التي تنشأ في محيطات العالم ومع أن هذه النسبة ضئيلة، إلا أن قوة تأثير هذه الظاهرة الجوية والخسائر التي تخلفها جدا عالية.
وأضاف: إن العديد من الدول المتقدمة قامت بتجارب في مجال تقليل أو تشتيت الأعاصير المدارية ولكن معظم التجارب كانت غير ناجحة لأن هذه الظاهرة الجوية عادة تحصل في الغلاف الجوي كتفريغ للطاقة التي يكتسبها الغلاف الجوي للحفاظ على التوازن الحراري في الكرة الأرضية من منطلق أن الطاقة لا تنضب ولكن تتحول من شكل إلى آخر. لذلك فإن عملية التقليل من المخاطر والأضرار تكمن في التحذيرات المسبقة والتي يجب أن يواكبها تخطيط عمراني سليم يضمن مسارات سلسة للأودية وبنية أساسية متكاملة، والأهم من ذلك وعي المجتمع للأضرار المحتملة من هذه الحالات الجوية والتي قد تنتج مهما كانت التحذيرات دقيقة ومهما كان التخطيط سليما.
بينما يرى هلال الحجري أن هناك جدلا في موضوع تأثير التغيرات المناخية في عدد وقوة الحالات الجوية وبناءً على الإحصائيات فإن متوسط عدد الأعاصير في السنوات العشر الأخيرة في تزايد مقارنة بالسنوات التي تسبقها مباشرة والتي كانت تشير إلى تناقص، ولكن إذا رجعنا للسنوات المتأخرة يتضح أن الوضع الراهن لمتوسط عدد الأعاصير المدارية يعتبر أقل عن السابق مما يدل على أن تكرار حدوث هذه الظواهر الجوية لا يمكن الجزم بأن له علاقة بالتغير المناخي، لاسيما مع زيادة وسرعة تطور أجهزة الرصد التي عززت رصد الحالات المدارية بشكل واضح، ولكن تبقى جزئية قوة هذه الظواهر (زيادة عدد الأعاصير التي تصل إلى الدرجة الخامسة) وهل لها علاقة بالتغير المناخي؟!
خسائر السيول والفيضانات
وحول التخطيط العمراني ودوره في مواجهة الأنواء المناخية قالت عائشة بنت عبدالله الوهيبية مخططة إقليمية بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني: إن التخطيط العمراني له دور استباقي في الحد من الأنواء المناخية، وهو يقتضي توفر البيانات والتقييم الدقيق للمنطقة بحيث يتم التقليل من التأثيرات المترتبة من الأنواء المناخية، الأمر الذي يقلل من تداعياتها وأعبائها على المواطن والحكومة، حيث يتمكن المخططون بموجبها من تحديد منظومة الحماية التي تقدمها الطبيعة أصلاً وهي حلول مستدامة غير مكلفة مثل المحافظة على الكثبان الرملية والأخوار وأشجار القرم ..إلخ، فضلاً عن تطوير معايير التخطيط وضوابط التنمية في نطاقات الخطورة المختلفة التي توجه النمو العمراني إلى المناطق الآمنة مثل تحديد إحرامات الأودية والشواطئ لتفادي التوسع في المناطق المعرضة للمخاطر، وتؤدي هذه الموجهات التخطيطية دوراً مهماً في مساندة الحلول الهندسية باهظة التكلفة والتي لا ينبغي الاتكال عليها كأداة وحيدة لمواجهة الأنواء المناخية.
