«مؤتمر الاستدامة البيئية» يؤكد أهمية وضع منظـور عالمـي لتأثيرات التغير المناخي
يختتم غداً مؤتمر «عُمان للاستدامة البيئية» أعماله، ويتم تكريم الفرق الفائزة في إيكوثون الشباب الذي ينظم بالشراكة مع مبادرة منافع، لابتكار مشاريع بيئية تطبيقية ذات عائد تنموي واقتصادي واستثماري تتعلق بجودة الهواء وتغير المناخ، إضافة إلى تكريم أفضل خمس أوراق عمل في المؤتمر.
وناقش المؤتمر اليوم 49 ورقة عمل، وأقيمت 4 جلسات حوارية وحلقات عمل متخصصة في إدارة الهيدروجين الأخضر والميثان بمشاركة خبراء وعلماء ومختصّين من داخل سلطنة عمان وخارجها.
ويشهد المؤتمر غداً تكريم الجهات المنظمة وأعضاء اللجنة العلمية والرعاة والمساهمين، بالإضافة إلى تنظيم زيارات ميدانية لحديقة النباتات العمانية، ودار الأوبرا السلطانية، والمتحف الوطني.
ويشارك في أعمال المؤتمر أكثر من 400 مشارك من حوالي 25 دولة، بالإضافة إلى حوالي 100 مشارك في إيكوثون الشباب المُصاحب للمؤتمر الذي ينظم بالشراكة مع مبادرة منافع.
استثمار المحميات
وقال سعادة الدكتور عبدالله بن علي العمري رئيس هيئة البيئة رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر: «لن نصل إلى مرحلة الاستدامة إلا بتعاون الجميع، ويجب التركيز على أهمية توظيف البحث العلمي لتقديم حلول للكثير من القضايا والتحديات البيئية المحلية والإقليمية والدولية». مشيرا إلى أنه تم وضع معايير عالية لانتقاء الأبحاث المشاركة في المؤتمر. وأوضح العمري أهمية تفعيل أفكار الشباب وقدراتهم في تقديم حلول ابتكارية، والنظر بعين الاعتبار في الأفكار والمشروعات الاقتصادية التي تسهم بدور فاعل في حماية البيئة واستدامتها، مؤكدا أن المؤتمر جاء لجعل محافظة مسقط محطة رئيسة لإنتاج البحث العلمي للهرم المعرفي العالمي.
وقال: إن هناك توجها عاما للاستثمار في المحميات الطبيعية بسلطنة عمان، وهذا الاستثمار عادة يكون في مواقع محددة أي في مناطق أقل حساسية، وتم طرح موقع محمية الحجر الغربي لأضواء النجوم ضمن مجموعة مواقع في محميات مختلفة.
مبادرات تطوعية
وقال محمد بن سعيد المسروري مدير عام الصحة والسلامة والبيئة بالشركة العمانية الهندية للسماد الفائزة بالمركز الذهبي في جائزة الغصن الأخضر: «لدينا مشاريع عديدة أبرزها مشروع يتعلق بجودة الهواء بالتعاون مع هيئة البيئة من خلال تنفيذ الشبكة الوطنية لمراقبة جودة الهواء بولاية صور، بالإضافة إلى مشاريع أخرى تتعلق بجودة الحياة في المدن في مختلف مناطق سلطنة عمان، وهناك جهود مبذولة من قبل المختصين في الجانب البيئي، حيث نتطلع من خلال هذا المؤتمر إلى التخطيط واتخاذ القرار السليم، وتحقيق إنجازات ومشاريع أخرى والخروج بأفضل النتائج».
وتحدث محمد بن سعيد الهنائي عن مبادرته التي بدأت في عام 2018م، وفازت بجائزة الغصن الأخضر من فئة الأفراد، وقال: «تعتمد المبادرة على جمع بذور الأشجار البرية الرعوية، وقمت بتأسيس بنك للبذور الذي يحتوي على ما يقارب 200 نوع من أصناف الأشجار البرية، ونقوم باستنبات الأشجار وتوزيعها للمؤسسات الحكومية والخاصة والأفراد، وجاء المؤتمر ليشجعني أكثر للاستمرار في هذا العمل التطوعي للوصول إلى بيئة خضراء».
وقال جهاد بن خالد الفارسي من فريق بصمتنا غير، وهو فريق تطوعي في مجال البيئة: «تأسس الفريق عام 2014م، وقمنا بتنفيذ مبادرات بيئية متنوعة، وحققنا مجموعة من الإنجازات في عام 2022م أبرزها تنظيم مؤتمر الشباب المحلي للتغيرات المناخية الذي يعتبر الأول من نوعه على مستوى سلطنة عمان، ومبادرة ظلال التي استهدفت المحميات الطبيعية بالسلطنة من خلال زراعة 5 آلاف شجرة محلية في محمية رأس الشجرة الطبيعية».
جودة الهواء
قال نادي محمود قائد إدارة نظام استخدام الأراضي - اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بألمانيا: «إن أحد الأسباب الرئيسة لتغير المناخ هو الاستخدام غير المتناسـب للنظم البيئية والتحولات التـي طـرأت على النظـم الطبيعيـة، وحـدوث تغـير كامـل في النظـم البيئيـة هـو نتيجـة للإجـراءات المتخذة للتخفيـف مـن تغير المناخ والتكيف معـه، ومـن أجـل تحسين صحة الإنسان ورفاهـه لابـد مـن إدراك هـذه النقطـة عنـد اعتـماد وسائل التكيـف والمرونـة عـلى المدى الطويـل».
تنمية شاملة
من جهته، قال وليـد الحـمـود مدير إدارة البيئة - الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالمملكة العربية السعودية: «في إطـار متابعـة دول المجلـس للوضع البيئـي الراهـن في العـالم، ومـا تمـر بـه البيئـة المشـتركة مـن تحديـات وصعـاب، تتطلـب مـن الجميـع زيـادة الاهتمام والحرص على التنسيق والتعاون بمـا يحـد ويقلـل مـن الأضرار البيئية، ويحافظ على مكوناتهـا ومواردهـا واسـتدامتها للأجيال القادمة، وسعت دول مجلـس التعـاون ضمـن مسيرتها الهادفـة إلى تحقيق التنميـة الشـاملة والمستدامة للأجيال الحاليـة والمستقبلية، باعتماد توجهـات بيئيـة تواكـب الوضع البيئـي الراهـن».
تهديد الأمن الغذائي
وأكد الدكتور مشعـل بن محـمـد عبدالله أستاذ مساعد قسم الجغرافيا، بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، بجامعة السلطان قابوس أن النمـو السكاني السريـع وتدني المـوارد الطبيعيـة، وتغير المناخ العالمـي يهدد الأمـن الغـذائي واستدامة المياه في المناطق القاحلة وشبه القاحلـة، وأن النظـم البيئية القاحلـة أكـثر عرضـة لتأثيرات تغير المناخ الـذي يقلـل بشكل كبـير مـن مـوارد المياه والأمـن الغـذائي، وبالتالي، لابـد مـن فهـم الترابط بين المكونـات البيئية والمناخ للتخطيط الاستراتيجي بشكل أفضـل للتخفيـف مـن تغير المناخ.
من جهته، أوضح الدكتور طـلال العوضي أستاذ مشارك قسم الجغرافيا بجامعة السلطان قابوس «تم استثمار أكـثر مـن 15 مليار دولار أمريكي في مدينـة صحـار بشكل مباشر أو غير مباشر خلال العقدين الماضيين، وحظيـت منطقـة صحار الصناعية وموانئ صحـار بالنصيب الأكـبر مـن هـذه النفقات، وتعد مدينـة صحـار رمـزا للتحـضر السريع في سلطنة عمان خلال العقـود الأربعة الماضية، حيـث كانـت المدينة في أوائل السبعينيات تضـم مجموعـات قليلـة متناثـرة مـن الصياديـن، وبحلـول عـام 2020م ارتفـع عـدد السكان إلى مـا يقـرب مـن 232.849، وهـذه الزيادة السكانية لهـا عواقـب إيجابيـة وسـلبية عـلى بيئـة صـحـار، حيـث زادت بشكل غير مباشر مـن اقتصاد المدينة، وعملت على تحسين نوعية الحياة في المدينة، وإيجاد وظائف جديدة.
تأثير صحي
وأكدت البروفيسورة روث مكديرمـوت ليفـي أستاذة ومديرة مشاركة بمركز منتصف الأطلسي لصحة الأطفال والبيئة بجامعة فيلانوفا - الولايات المتحدة، أن تقرير باريس عام 2015م أوضح أن تغير المنـاخ سـيؤثر على جميع مجالات صحة الإنسان، ودعا إلى التوعية والتدريب فيما يتعلـق بتغير المناخ. وأضافت: «لمعالجـة هـذه المسألة الصحيـة العامـة المهمـة، لا بـد مـن وجـود قـوى عاملـة مهنيـة صحيـة على مستوى العالم ولا بد أن يكون للقوى العاملة منظـور عالمـي عـن تأثيرات تغير المناخ عـلى صحة الإنسان».
قال غسان الغساني قائد الفريق البيئي بشركة أوكسيدنتال للنفط والغاز: «لفهـم تأثير تغير المناخ على موارد المياه في سلطنة عمان، من الضروري تحديد علاقة المتغيرات المناخيـة بتبخـر المحاصيـل، وبالتالي بمتطلبات مياه الري، حيث ركزت بعض الدراسات حتى الآن على التغيرات المتوقعة في درجات الحرارة وهطول الأمطار في المنطقة، وآثـار هـذه المتغيرات على متطلبات ميـاه ري المحاصيل المهمة». مشيرا إلى نتائج دراسته التي توصلت إلى زيادة كبيرة في متطلبات ميـاه الـري في سلطنة عمان في جميع المناطق، وتعد هذه النتائج مهمة لتقييم حالة الموارد المائية تحديدا المياه الجوفية في سلطنة عمان، وممكن أن تسهم في تحديد البدائل والتدابير المتاحة، وتساعد في معرفة القصور في موارد المياه المستقبلية.
محمية الوسطى
وأكد الدكتور كـورام جورايـا - طبيب بيطري بمحمية الوسطى للحياة البرية بهيئة البيئة أن محميـة الكائنات الحيـة والفطرية بمحافظة الوسطى تضم أنـواع مختلفـة مـن الحيـاة الجيولوجيـة والمناظر الطبيعيـة ذات القيمة العلمية والجمالية الفريدة، وتعد المحميـة أول موقع معترف بـه مـن قبـل اليونسكو في المنطقة، ويضـم هـذا النظام البيئي الصحراوي الفريـد العـديـد مـن النباتات المستوطنة. وقال: «يواجـه الإنسان والحيوان تحديات جديدة بسبب تغير المناخ، حيـث يمكـن أن يـؤدي الجفـاف المتكرر والشـديد، والأعاصير، وموجات الحرارة، وتلوث الهـواء، وارتفـاع مستويات سطح البحـر، وذوبـان الأنهار الجليديـة، وارتفاع درجـة حـرارة المحيطـات إلى الإضرار المباشر بالحيوانات والبشر، وتدمير الأماكن التي يعيشون فيها، إضافة إلى ذلك يـؤدي الاستيطان البشري في الموائـل الطبيعية للأحياء البريـة إلى انقراض بعـض الأنواع المهددة بالانقراض.
موارد محدودة
وقال الدكتور سالـم الحتروشي أستاذ مشارك بجامعة السلطان قابوس: «لسلطنة عمان مـوارد محـدودة مـن المياه العذبـة ودرجـات حـرارة مرتفعـة جـدا في الصيف ومعـدلات تبخـر عاليـة. وخلال العقود الخمسة الماضيـة، شهدنا تطورات اجتماعية واقتصادية كبيرة زادت مـن الضغـط البشري على الموارد المائيـة المحدودة مما استدعى تقييما كميا للتأثير المحتمل لتغير المناخ». موضحا أن النظـم الرئيسة لهطول الأمطار في سلطنة عـمـان تعتمد عـلى ظواهـر التذبذب المناخية الرئيسـة وهـي تذبذب شمال الأطلسي، وتذبذب القطب الثنائي بالمحيط الهندي، وتذبذب النينـو في المحيط الهـادي، وتوقـع تكــرار تلـك التذبذبات المناخيـة مفيـد جـدا في تحديـد اتجـاه هطول الأمطار في سلطنة عمان.
ندرة المياه
قالت الدكتورة زينـب يـافـاري أستاذ مساعد بقسم الهندسة المدنية والمعمارية بجامعة السلطان قابوس: «تعـد نـدرة المياه قضية رئيسية في العالم فمع تزايد معدل النمو السكاني تزايد الضغط على طلب المياه العذبة، وتقع سلطنة عمان في موقع ذي درجات حرارة عالية وطاقة شمسية عاليـة عـلى مـدار السنة تقريبا؛ ونظرا لأن الإشعاع الشمسي مصدر طاقة غير ناضـب، فـإن استخدامه مستداما في صناعاتنا لتوفير المياه العذبة، ونوصي بربط التحلية الميكروبيـة بتحلية المياه بالطاقة الشمسية لتوفير المياه الصالحة للشرب خاصة في دولـة مثـل سـلطنة عمان التي تتعرض لأشعة الشمس العالية مما يجعلها أكثر كفاءة من أماكن أخرى في العالم».
المحاجر والكسارات
وأكد عبدالله الصقـري مدير مشاريع بهيئة البيئة أن سلطنة عمان شهدت خلال الخمسين عاما الماضية توسعا عمرانيا ضخما لاسيما في العاصمـة مسـقط والمراكز الرئيسية للمحافظـات، أدى هـذا التوسـع إلى زيادة الطلـب عـلى مـواد البناء، وشجعت الحكومة القطـاع الخاص على الاستثمار في قطاع التعدين والمحاجـر، حيث تتركـز هـذه المحاجـر بالقـرب مـن المناطق الحضرية في المناطق الجبلية والأودية، وعلى الرغـم مـن فوائدهـا الاقتصاديـة ودورها في دفـع النمـو الحـضري إلا أن لهـا آثـارا بيئيـة يجـب التحكـم فيهـا مـن أجـل الحفـاظ على الموارد البيئيـة ورفاهيـة الإنسـان، موضحا أهمية تعزيز الإدارة المكانية للمحاجـر باستخدام التقنيات الجغرافيـة لرصـد وتقييم الآثار البيئيـة لأنشطة المحاجـر والكسـارات.
أجهزة استشعار ذكية
قال شفيق الرحمن بجامعة بينظير للتكنولوجيا وتنمية المهارات – باکستان: «يعاني العديد من الأشخاص من مشاكل صحيـة بسبب ارتفاع نسبة تلوث الهواء والهواء السام.
يـؤدي التعرض لمستوى عـال مـن الهـواء السـام الملوث إلى مشاكل صحيـة مختلفـة منهـا أمـراض القلـب وسرطان الرئة والجهاز التنفسي» موضحا أنه قام بدراسة استخدمت أجهزة الاستشعار الذكية وإنترنت الأشياء لمراقبة جهاز الشـم بعد استنشاق هواء سـام ملـوث في الأماكن المغلقة، ولوحظ أن التركيز الـعـال للغازات المختلفة في الهـواء كان سببا رئيسيا لمشاكل صحية. مؤكدا أن أجهـزة الاستشعار الذكيـة لإنترنت الأشياء لنظام مراقبة الجهاز التنفسي تعد طريقة فعّالة من حيث التكلفـة لأجـل الدقة في مجالات البحث البيئي.
من جهتها، قالت الدكتورة عـذاري الزعـابي أستاذ مساعد بكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس: «رغم الانخفاض الملحوظ في حدوث سرطان القولون والمستقيم في مـن تزيد أعمارهـم عـن 50 عاما، إلا أن هناك زيادة عالمية مقلقة في ظهـور سرطان القولون والمستقيم في مـن تقل أعمارهـم عـن 50 عاما، وإن العامل الوراثي مسؤول عـن حـدوث %10 فقـط مـن سرطان القولون والمستقيم في سن مبكر بينما يعتقد أن نسبة ٪90 المتبقيـة ناتجـة عـن التعرض التراكمي للعوامل البيئية التي لا تزال غير مفهومة». وأضافت: «أظهرت الدراسات السابقة أن تغير المناخ يسبب اضطرابات في العمليات البيولوجية للجسم مثـل إنتاج الهرمونات وتلـف الحمض النووي وتثبيـط المناعة والتنظيم الجيني في البشر والحيوانات، وهناك مخاوف مـن أن تحفز هذه الاضطرابات البيولوجيـة مـن مسارات الخلايا المسرطنة وتسرّع مـن تحويل إصابات القولون والمستقيم السابقة للأورام إلى إصابات بالأورام».
وقال عبدالله الخضـوري بالمديرية العامة للأرصاد بالهيئة العامة للطيران المدني: «يتفاقـم تأثير تلوث الهواء الناتـج عـن أي أنشـطة صناعيـة إذا تعـرض موقـع المنطقة الصناعيـة لخصائص جوية معينة».
في ظـل هـذه الظـروف، تكـون احتماليـة تراكـم تلـوث الهواء المحلي مرتفعـة. مشيرا إلى وجود تباين موسمي في مساهمة عمليـات الغـلاف الجـوي في تدهـور جـودة الهـواء في منطقة صحـار الصناعية.
