حصن سلوت الأثري .. جهود مستمرة للتأهيل تمهيدًا لتسجيله في قائمة التراث العالمي
ـ إنشاء صالة سلوت وتنفيذ الممرات الداخلية وتجهيز مكونات المزرعة التقليدية في المنتزه الأثري
ـ التميمي : موقع بسياء وسلوت الأثري ثري بشواهد الانتماء للبعد الإستيطاني في حقب تاريخية
كنوز تاريخية ومعالم أثرية تحتضنها ولاية بهلا تتوزع على مختلف أنحاء وأرجاء الولاية والقرى التابعة لها تتصدرها قلعة بهلا التاريخية وحصن سلوت الأثري وحصن جبرين وسور بهلا وسوق بهلا التقليدي وغيرها من القلاع والحصون والحارات القديمة والمواقع الاثرية والتراثية بالولاية .
ويعد حصن سلوت ببلدة بسياء التابعة لولاية بهلا من أهم هذه المعالم التاريخية نظرا للحقبة الزمنية التي يمثلها هذا الحصن ، والذي كشفت التنقيبات الأثرية فيه عن فترات هذا الحصن والتي تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد . ويشهد موقع حصن سلوت حاليا تكثيف التنقيبات الأثرية إلى جانب الانتهاء من تطوير وتأهيل (متنزه حصن سلّوت الأثري) وإنشاء صالة سلوت بمساحة إجمالية قدرها 2343 مترًا مربعًا. وتنفيذ الممرات الداخلية، وتجهيز مكونات المزرعة التقليدية في المنتزه الأثري. ، كما تم إنشاء السور والبوابة للمتنزه ويأتي تطوير وتأهيل هذا الموقع تمهيدًا لتسجيله في قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي.
وللتعرف على حصن سلوت هذا الموقع الأثري الفريد من نوعه التقينا بالمهندس أحمد بن محمد التميمي مدير دائرة موقع بسياء وسلوت : والذي أوضح في بداية حديثه بأن موقع بسياء وسلوت الأثري بثرائه بالشواهد الأثرية وتنوعها البارز ، والتي كانت نتاجا طبيعيا للبعد الإستيطاني الممتد عبر حقب التأريخ واستمراريته حتى الفترة الإسلامية ، كان الموقع ولا يزال محورا أساسيا وامتدادا متواصلاً من التراث الثقافي المتعدد في أشكاله المعمارية، وأبراجه الدائرية الضخمة وآباره العميقة المحفورة في فضائه ، ومدافنها البرجية (المعروفة بخلايا النحل) في مستويات متعددة من المرتفعات الجبلية ، ونقوشها الصخرية ، وموادها الأثرية المتنوعة وما تحمله من رموز ذات أبعاد طقوسية ، وجرارها المملؤة بقوالب النحاس، وأختامها المتنوعة التي تؤكد على وجود نظام إداري وحكم مركزي ثقافي وتجاري في شبكة واسعة من العلاقات الخارجية مع مراكز حضارات العالم القديم.
بعثات استكشافية
وأوضح المهندس أحمد التميمي بأن الاستكشافات الأثرية والتنقيبات في منطقة سلوت وما جاورها بدأت مبكرة فكانت أولى هذه البعثات عام 1973 أجرتها بعثة من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكيّة . تلتها بعثة بريطانية عامي 1974ـ 1975 وفي الثمانينات قامت بعثة بريطانية من جامعة برمنجهام بالتنقيب في الموقع وشهدت الفترة الزمنية من 2004 إلى 2019م زيادةً في أعمال الاستكشاف الأثريّ في سلّوت من خلال التعاون مع بعثة أثرية من جامعة بيزا بجمهوريّة إيطاليا برئاسة الدكتورة "أليساندرا أفنزيني". وقامت البعثة بأعمال التنقيب، والترميم لحصن سلّوت، والعديد من المقابر التي تعود إلى العصر البرونزيّ في جبل سلّوت. كما تم التنقيب في برج العصر البرونزي والخنادق المحيطة به. وقد كشفت أعمال التنقيب الحديثة في سهل سلّوت عن قرية أثريّة، ومقبرة تعودان للعصر الحديديّ. وإلى جانب أعمال التنقيب، والترميم، تم إجراء دراسات جيولوجيّة مفصلة بالتعاون مع جامعة ميلان الإيطالية لإعادة تصور المشهد الثقافيّ القديم، وتطور أنظمة إدارة المياه في المنطقة. ومنذ عام 2015م، تم التعاون مع بعثة أثريّة فرنسيّة لإجراء عمليات تنقيب في البرج الأثريّ والذي يعود للعصر البرونزيّ. وقد قامت البعثة بعمل خرائط تفصيليّة للمواقع الأثريّة غير المكتشفة باستخدام تقنيات متقدمة للتوثيق الرقميّ.
المقابر الأثرية
وبين المهندس أحمد التميمي : بأن مقابر العصر البرونزي تنتشر على نطاق واسع في موقع سلّوت، وتتوزع على قمم، ومنحدرات الجبال المحيطة بالمنطقة. وشُيّد حصن سلّوت الضخم في العصر الحديدي على قمة التل على أنقاض قبرين كبيرين من العصر البرونزي.
حصن سلوت
وأكد المهندس أحمد التميمي : بأن عُمان شهدت مع نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد نقلة ثقافية كبيرة متمثلة في إدخال نظام جديد للريّ انتشر على نطاق واسع، يُعرف حاليًّا باسم الفلج وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد السكان في العديد من المستوطنات الجديدة وقد كانت منطقة سلّوت مأهولة بالسكان بشكل كثيف على امتداد العصر الحديدي بأكمله. وقد شُيد حصن سلّوت حوالي 1300 قبل الميلاد على قمة نتوء صخريّ في مكان كان يحتوي على قبرين من العصر البرونزي. وقد تم في البداية تسويتها لإقامة منصة ضخمة من الطوب الطينيّ، وتطلب هذا العمل جهدا منسقا من خلال التخطيط لعمليات البناء، وحشد القوى العاملة اللازمة.
وأضاف : بأن التنقيبات الأثريّة التي أُجريت في الحصن عن بعض المقتنيات الأثريّة مثل: مرجل برونزيّ كبير، والعديد من الثعابين النحاسيّة المصغرة، التي يبدو أنها تدل على أن المنطقة كانت تُستخدم للتجمعات الاحتفالية، أو الطقوس الدينية. كما اكتشفت مبانٍ مماثلة فيها غرفة أعمدة كبيرة في العديد من مواقع العصر الحديديّ في جميع أنحاء جنوب شرق شبه الجزيرة العربيّة. وشُيد الجدار الصخري والذي لا يزال يحيط بالموقع، ويمنحه مظهرًا محصنًا مثيرًا للإعجاب في حوالي 600 قبل الميلاد وظل قيد الاستخدام حتى عام 200 بعد الميلاد .
مقبرة العصر الحديدي
اكتشف علماء الآثار مقبرة كبيرة تضم (29) مدفنًا تقع في سهل سلّوت على بعد حوالي (300) متر شرق قرية العصر الحديدي وهي تعود ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي، وقد استخدمت في مراحل الاستيطان الأخيرة لحصن العصر الحديديّ
مستوطنة العصر الإسلامي
وبين التميمي : بأن التنقيبات كشفت أدلة لاستيطان سهل سلّوت في العصور الإسلامية؛ حيث عُثر على أكواخ دائرية قائمة على أساسات حجرية منتشرة في جميع أنحاء التل القائم عليه حصن سلّوت. وقد أكتشف علماء الآثار بداخل هذه الأكواخ على تجاويف أو حفر منتظمة على الأرضية تدل على استخدام الأخشاب لدعم وتثبيت هذه المباني. كما عُثر ايضًا على أفران صغيرة ومواقد وأحجار رحى كانت تستخدم لطحن الحبوب. وقد أمكن من خلال اللقى الأثريّة المتناثرة مثل: الأواني الفخاريّة المحلية، والخزف المزجج، والخرز والأساور الزجاجية، والأبازيم البرونزيّة، والعملات المعدنيّة؛ تأريخ الاستيطان الرئيسيّ في العصر الإسلاميّ، خلال الحقبة الممتدة ما بين القرنين العاشر والرابع عشر الميلاديين.
التبادل التجاري
وأشار مدير دائرة موقع بسياء وسلوت : بأن عُمان كانت منذ أقدم العصور مركزًا لشبكة واسعة من التبادل التجاريّ النشط الممتد من وادي السند إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن أفغانستان إلى شرق إفريقيا. ووردت عُمان في سجلات التاريخ خلال القرون الأخيرة من الألفية الثالثة قبل الميلاد، عندما بدأت النصوص المسمارية السومرية والأكادية تذكر سلسلة من الأراضي وراء البحار تسمى (دلمون) و (ملوخا) و (مجان) ، وقد أشارت النصوص المسماريّة أيضا إلى أن مجان كانت المزود الرئيسيّ لحضارات بلاد ما بين النهرين بمعدن النحاس، وحجر الديورايت. كما أشارت إلى قوارب من (نوع مجان) والمصنوعة في بلاد ما بين النهرين والمسُتخدم في صناعتها حِزم القصب المغطاة بمادة القار، كانت تستخدم للإبحار في الخليج العربي وبحر عُمان حتى رأس الجنز.
وأضاف : لقد سلطت التنقيبات في برج العصر البرونزي الضوء على تنظيم التجارة البعيدة، والتفاعلات بين الثقافات في هذه الحقبة. وتم العثور على أدلة استثنائية لإنتاج محلي لأدوات صُنعت، واستخدمت في سلّوت تشبه تلك الموجودة في حضارة وادي السند، شملت أواني التخزين، وأواني الطبخ، وأختام عليها رموز كتابية لوادي السند، ودمى التيركوتا للأطفال. ويُعتقد من خلال هذه المعلومات بأن عائلات التجار، والحرفيّين من وادي السند قد استقرت في سلّوت وزاولت التجارة مع السكان المحليّين بسلام لمدة طويلة.
الموارد الطبيعية
وأكد مدير دائرة موقع بسياء وسلوت : بأن الاستيطان البشري المبكر نشط في واحة بسيا وسلّوت نتيجة توفر المياه؛ وكان لجريان العديد من الأودية نحو الواحة دور في وفرة المياه، والنباتات ، وفي العصر البرونزي الذي بدأ مع نهاية الألفيّة الرابعة قبل الميلاد، أصبحت المنطقة تُزرع بطريقة منتظمة. كما وفرت التلال المحيطة بالواحة موارد طبيعية أخرى تم استغلالها منذ العصر الحجريّ الحديث. كما أن بعض الصخور المنتشرة على نطاق واسع في جبال الحجر غنيّة بمعدن النحاس، وقد تم استغلاله منذ العصر البرونزي في إنتاج النحاس، وصناعة مجموعة متنوعة من الأدوات، والأسلحة. و صُدّرت سبائك النحاس لما وراء البحار الى بلاد ما بين النهرين، وإيران، ووادي السند.
بسيا وسلّوت على مر العصور
وأوضح المهندس أحمد التميمي بأن واحة بسيا وسلّوت تقع على طول سهل وادي سيفم بالقرب من ملتقى وادي بهلا. وقد تغير امتداد وشكل هذه الواحة عدة مرات خلال العصر الهولوسيني على مدى عشرة آلاف سنة ماضية. وقد أظهرت التحليلات العلميّة للرواسب الكلسية أن وادي سيفم كان نهرًا نشطًا في الفترة ما بين 10000 - 5000 سنة من الآن. وكانت الواحة أكبر حجمًا من تلك الموجودة في الوقت الراهن. وكانت الرياح الموسمية ما تزال قادرة على حمل الأمطار الغزيرة بشكل منتظم للمناطق الداخليّة من عُمان. كما كان للنباتات الكثيفة، ووفرة المياه دور في تحفيز المجموعات السكانيّة في العصر الحجريّ الحديث للتجول بانتظام حول الواحةّ واستغلال مواردها الطبيعيّة؛ إذ تم العثور في المنطقة على الكثير من بقايا المواقع والأدوات الحجريّة العائدة الى هذا العصر. ومنذ حوالي 5000 عام من الآن، وتحديدًا في بداية العصر البرونزيّ، بدأت الرياح الموسميّة تضعف؛ الأمر الذي أدى إلى انخفاض توافر المياه بشكل كبير؛ وبذلك تقلصت المسطحات الخضراء في الواحة.
وأضاف : بأنه تم في الموقع العثور على العديد من الرسومات الصخرية و أسفرت عمليات التنقيب في مواقع مختلفة في سلّوت عن العثور على مجموعة استثنائية من الأختام والقلائد وزخارف الأفعى على شكل مجسمات .
وأشار مدير دائرة موقع بسياء وسلوت : بأن بداية الاستقرار البشريّ في سهل سلّوت ترجع إلى العصر البرونزيّ المبكر، وهو ما دلّت عليه المباني الصخريّة الدائريّة الثلاثة، المسماة بـ"الأبراج"، والتي بُنيت في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد تقريبًا.وقد كشفت التنقيبات الأثرية في البرج عن منصة ضخمة يبلغ قطرها (22) مترًا مبنية من كتل الحجر الجيريّ الضخمة المستخرجة من التلال المجاورة، وحُفر في وسطها بئر ماء عميق، وشُيد عليها بعض المباني. وكما كُشف عن مبنيين بيضاويّين شُيدا حول هذا البرج لأغراض مجتمعيّة. ويحيط بالبرج خندق يتفاوت عرضه بين (11 إلى 13) مترًا، وعمقه (3) أمتار، وعثر علماء الآثار على بقايا تشير إلى وجود جسر حجريّ ضخم، كان يمر فوق هذا الخندق. وقد احتجز الخندق على مر القرون كمية كبيرة من المقتنيات الأثريّة من بينها أواني الحجر الأملس وأواني خزفية وهي نماذج للعصر البرونزيّ المبكر في عُمان مكنت تأريخ البرج إلى الحقبة الزمنيّة ما بين 2400 – 2000 قبل الميلاد. كما كشفت التنقيبات الأثرية في البرج عن مقتنيات تم استيرادها ، وقد زودتنا التنقيبات الأثريّة في برج العصر البرونزي بمعلومات مهمة حول أقدم أنظمة إدارة المياه المشيدة (القنوات المائيّة) على طول سفح جبال الحجر، بالإضافة إلى معلومات فريدة تُفسِر وجود علاقات مع الثقافات، والشعوب الأخرى -لا سيما البعيدة منها- والتي ميزت عُمان عبر التاريخ حتى أيامنا هذه ، واكتشف علماء الآثار في سهل سلّوت على بقايا جدار تحصين ضخم مزود ببوابة ضخمة، ومحاط بمجموعة مباني تفصلها شوارع ضيقة. وأقيمت العديد من الورش المرتبطة بالأنشطة المعدنيّة في الضواحي خارج السور الرئيسيّ. وأقيمت الحقول الزراعية في مدرجات على امتداد منحدرات تل سلّوت ورويت بواسطة قنوات وأنابيب التصريف. وقد كُشف أمام هذه المدرجات الزراعيّة عن مجمع كبير مكون من عدة غرف متجاورة بأرضيات من الطوب الطينيّ.
وأضاف التميمي بأن آثار قرية سلّوت تؤكد على القدرة التخطيطيّة للمجتمع المحليّ في العصر الحديديّ، كما تؤكد على قدرته على بناء المدرجات الاصطناعية بنظام تصريف مياه معقد، وبحفر قنوات توجَه مياهها نحو السهل، وبتنظيم المستوطنة إلى مناطق مختلفة حسب الوظيفة المخصصة لها، والحفاظ عليها بطريقة مثالية لما يقرب من ألف عام.
