حارة البلاد بمنح تثير التساؤلات حول أسباب تأجيل «الاستثمار السياحي»
د.هيثم العبري: اعتذرت عن استثمار الحارة بسبب الوضع الاقتصادي العام وعدم دخول شركاء
منح - هلال السليماني:
«حارة البلاد» تتوسط ولاية منح حيث تقف شاهدا على البراعة في الهندسة العمرانية كما تعد نموذجا فريدا للحارات العمانية التقليدية التي حافظت على تماسكها رغم تحديات الظروف المناخية وعوامل التعرية وتقادم الزمن وكانت محط اهتمام من الحكومة لقيمتها الأثرية فبادرت بشرائها من الأهالي في عام 2003م ثم تم رفع الرسم المساحي والمخططات في 2005م وفي عام 2006م تم تهيئتها ورفع الهدم وأنقاض بعض المباني المتهدمة وفتح الطرق والمسارات تمهيدا لعمليات الترميم التي بدأت في عام 2008م من خلال المديرية العامة للآثار والمتاحف بوزارة التراث والثقافة آنذاك.
وتمت إعادة ترميم وإحياء البيوت المتهدمة والآيلة للسقوط وترميم المساجد الثلاثة ذات القيمة التاريخية والدينية بمحاريبها وهي ممتدة على الممر الطويل الرئيسي الذي يتوسط الحارة إلى جانب ترميم الممرات الضيقة والأزقة والشرفات والمجالس كما نال السور الذي يحيط بالحارة نصيباً من الترميم وخاصة الجزء المقابل لمنطقة الصافية شرق الحارة الذي يصل ارتفاعه إلى أكثر من خمسة أمتار لتستمر عمليات الترميم حتى نهاية عام 2016 م.
وقد نظمت وزارة السياحة بالتعاون مع وزارة التراث والثقافة (سابقا) ووحدة دعم التنفيذ والمتابعة وشركة عمران ندوة عن «مشروع إحياء حارة البلاد بولاية منح» قبل أربع سنوات لعرض فرص وإمكانيات الاستفادة من التراث الثقافي العماني الغني بفتح هذه المواقع للتوظيف الاقتصادي والإدارة من قبل الشركات الخاصة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ضمن معايير تراثية بيئية واجتماعية واضحة خاصة بالترميم والتأهيل. بعد أن وصلت أعمال الترميم في الحارة إلى ما نسبته نحو 20 % من المباني ليتم عرضها للاستثمار وتم ذلك فعلا. وأسندت إلى أحد المستثمرين المحليين وتوقعت «شركة عمران» أن يباشر المستثمر عمله حسب الرؤية التي قدمها ولكن ذلك لم يحصل.
الأهالي يتساءلون
الأهالي في ولاية منح بدأوا يتساءلون عن أسباب تأخر تشغيل الحارة الفعلي وفتح أبوابها لكي تستعيد ألقها الغابر كونها تمثل لهم ذاكرة عاشوا فيها طفولتهم واحتضنت جزءاً من حياتهم وحياة آبائهم وأجدادهم وكانت منازل خطوتهم الأولى يحدوهم الأمل في أن يرى هذا المشروع الاستثماري النور كثمرة لمراحل التأهيل والترميم.
وتضم الحارة 376 بيتاً ونحو 250 بئرًا وما زالت محافظة على طابعها المعماري العماني، رغم عمرها الذي يصل إلى نحو 9 قرون ولتكون نموذجا حيا للأجيال لمعرفة تفاصيل الحياة في الحارات العمانية، وحتى لا تكون حارة من الحارات الكثيرة التي نسيها الزمن أو تناساها. فالملايين التي أنفقت لشراء بيوت الحارة من المواطنين والمبالغ التي أنفقت في الترميم آن لها أن تعود بفائدة استثمارية.
ورغم أن شركة عمران قد عقدت ندوة حول آفاق الاستثمار في الحارة والإمكانيات التي تتمتع بها وقد أبدى حينها أهالي الولاية رغبة في استثمارها وقدموا عروضهم لتشغيل الحارة سياحيا. لكن الشركة التي تنظم وتدير هذا القطاع ارتأت إسناده لمستثمر من خارج الولاية لمبررات منطقية لكن النتيجة جاءت على غير المتوقع من المستثمر. ومرور سنوات دون أن يتحرك هذا الواقع الساكن.
«عمان» استقصت الأمر من ذوي الشأن في هذا المجال وتواصلت مع عدد من المستثمرين والمواطنين الذي تابعوا المشروع وقدموا عروض الاستثمار وخرجت بهذه الحصيلة.
نموذج فريد
وأكد القائمون على الجانب السياحي في محافظة الداخلية على قيمة حارة البلاد في ولاية منح كنموذج للحارات العمانية التقليدية التي يمكن توظيفها لدعم السياحة التراثية وتعظيم العائد الاقتصادي من المباني الأثرية لكن الاستثمار في هذا القطاع يصطدم ببعض المعوقات منها عدم وجود رؤية واضحة أثناء الترميم لآلية التشغيل وعدم مد الحارة بالخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي وكانت الرؤية حينها ترتكز على المحافظة على هذه المباني دون المساس بخصوصيتها كقيمة تراثية قديمة حتى لا تفقد شيئا من قيمتها فيما لو تم تحديثها بوسائل وخدمات لكن تلك الرؤية تساقطت حين تم عرض الحارة للاستثمار فظهرت جوانب النقص هذه وأصبح القائمون على الحارة أمام معضلة أخرى وهي إعادة مد هذه المواقع بالخدمات الضرورية واللازمة لأي مشروع سياحي.
رد المعنيين
استطلعنا الأمر من شركة عمران حول الاستثمار وعلمنا أن مشروع الاستثمار والتشغيل لحارة البلاد قد أسند لأحد المستثمرين منذ نحو أربع سنوات بعد أن قدم عرضا جيدا وبحكم الخبرة والجوانب الأكاديمية التي يتمتع بها المستثمر مع وجود فريق عمل كان معه لحظة تقديم العرض إلى جانب كون الحارة ضمن دراسته الأكاديمية ورأى القائمون على هذا القطاع إسناد استثمار الحارة وفق رؤية واضحة (حينها) وتم دعمه بمبلغ ثلاثين ألفا لاستكمال الجوانب المتعلقة بالخدمات الأساسية وتسهيل عملية التشغيل لكن، ولأسباب متعددة لم يباشر المستثمر عمله وبعدها اعتذر نهاية عام 2020م عن مواصلة التشغيل.
تواصلنا مع المختصين في «شركة عمران» لطرح تساؤلات الأهالي في ولاية منح عن أسباب التأخير في استثمار الحارة لكنهم فضلوا عدم التصريح قبل استكمال الخدمات الضرورية للحارة وإسنادها إلى مقاول مختص حيث ردت الشركة بأنها أنهت تقييم احتياجات الحارة من هذه الخدمات وستشرع خلال الربع الأول من هذا العام في عمل ما يلزم ثم تطرح مناقصة لإدخال الخدمات والبدء في الاستثمار برؤية أفضل.
أسباب تأخر التشغيل
توجهنا إلى المستثمر الدكتور هيثم العبري الذي أسند إليه أمر التشغيل والاستثمار للحارة قبل أكثر من أربع سنوات لاستيضاح الأمر والذي تحدث عن تجربته في الاستثمار في حارة البلاد بولاية منح قائلا: تم اختيار حارة البلاد من قبل مبادرة «تنفيذ» لتوظيفها في قطاع السياحة وتم دعوة عدد من المستثمرين لتقديم عروضهم لتشغيل الحارة واستثمارها تقدمت بالعرض ونال استحسان جهة المناقصة التي أسندت إلي المشروع، وحول خطته التي عرضها لتشغيل حارة البلاد لجعلها مزارا سياحيا متميزا أوضح الدكتور هيثم العبري: إن الخطة شملت إقامة متحف يحكي تاريخ منح والحارة وإقامة نزل تراثية ومقهى للضيافة، ومركزا للحرفيين ومتحف البيت العماني ومركزا لاستضافة الفعاليات الثقافية، أما عن المعوقات التي واجهها في طريق الاستثمار والتشغيل لحارة البلاد فقد تحدث هيثم العبري قائلا: تعطل العمل في الحارة بسبب تأثير الوضع الاقتصادي مما أدى إلى تردد الكثير للدخول في شراكة معي وعدم توفر السيولة اللازمة.
وعن سؤال حول المقترحات لتطوير السياحة التراثية في سلطنة عمان قال الدكتور هيثم العبري: إن الشراكة المجتمعية والشراكة مع القطاع الخاص ووضع خطة متكاملة للموقع والعمل ضمن رؤية متكاملة للمواقع السياحية في محافظة الداخلية لجعل السائح يمكث فترة أطول مع تنوع في المنتجات السياحية سواءً بالفنادق أو الأنشطة المختلفة وربط الولايات بالمحافظة بحيث يكون هناك تكامل وتجديد وتميز في كل ولاية كما أشار إلى أن دور المحافظة في هذه الفترة أيضآ مهم لتحقيق نجاحات في قطاع السياحة، خاصة بمحافظة الداخلية حيث التنوع متوافر في مجال التراث بوجود القلاع والحصون والحارات القديمة والجبال بجمالها وأنشطة المغامرات والأودية الجميلة وكذلك ما يتمتع به الجبل الأخضر من مقومات سياحية جاذبة.
رأي في الاستثمار
وتحدث يحيى بن سالم العزري أحد المستثمرين في الجانب السياحي في ولاية منح قائلا: كوني من أبناء الولاية ولدي خبرة في مجال السياحة التراثية تقدمت بعرض الاستثمار في الحارة ولكن لم يحالفني الحظ حينها. وحول المقترحات التي قدمها للاستثمار في حارة البلاد في ولاية منح تحدث العزري قائلا: العرض كان يتضمن تحويل بعض مباني الحارة وبيوتها إلى نزل تراثية والبعض الآخر إلى معرض دائم يحكي الموروث الحضاري لهذه المنطقة مع إمكانية وجود عروض حية لبعض الصناعات اليدوية وفتح المجال لبيع المشغولات التراثية واليدوية للراغبين في التسويق، وإقامة بعض الفعاليات مثل الفنون الشعبية في أيام الأعياد والمناسبات ونهاية الأسبوع لاستقطاب الحركة السياحية وتنظيم المناسبات بالأسلوب التقليدي القديم كالأعراس التقليدية والتهلولة.
معوقات
كما تحدث مسعود بن عبدالله العبدلي من أبناء ولاية منح ومن الذين تقدموا لتشغيل الحارة قائلا: تقدمت وإخوتي بعرض الاستثمار في الحارة كوني من سكان الولاية وقريب من الحارة وعلى دراية بتاريخها ومواقعها وكان العرض يتضمن توظيف مباني الحارة كنزل تراثية واستخدام العربات الحديثة للتجوال مع تخصيص قاعات وتقديم خدمات التغذية للزائر المتجول عبر الممرات والأزقة وبين مرافق هذه الحارة وغيرها من الفعاليات حسب الحاجة، وقد عاودنا تقديم العرض قبل شهرين وأوضحنا أن رسوم الدخول للحارة تقدر بحوالي 3 ريالات للفرد متضمنة الجولة بالعربات السياحية مع توفير وجبة غذائية ونحن في انتظار الرد.
وعن معوقات الاستثمار في هذه الحارة قال مسعود العبدلي: من أهم المعوقات التي اعترضت فكرة الاستثمار هي عدم وجود البنية الأساسية اللازمة للاستثمار في مثل هذه المواقع حيث إن الحارة تفتقر تماما لخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وللأسف تم الترميم دون النظر إلى المتطلبات الأساسية التي سيحتاجها المستثمر لهذه الحارة ودون أخذ رأي أهالي الولاية خصوصًا أصحاب الخبرة، منهم ولم تتم الاستفادة من بعض التجارب الحية الموجودة في بعض الحارات المجاورة على سبيل المثال حارة العقر بولاية نزوى التي استغلت بشكل سمح للمستثمرين بتحويلها إلى مزار سياحي متميز يشهد له الجميع.
وعن مقترحات التطوير للقطاع السياحي بشكل عام في سلطنة عمان تحدث سالم بن سعيد بن راشد الحضرمي رجل أعمال في ولاية منح قائلا: كانت فكرة الاستثمار مطروحة من خلال إنشاء شركة استثمارية مساهمة لأهالي ولاية منح وقد باشرت شخصيا استخراج سجل تجاري وتم تسجيلها في الغرفة وعقدت عدة لقاءات للتوافق على توحيد الرؤى والدخول ضمن شركة واحدة تضم الراغبين في استثمار الحارة وحسب طموح الشركة التي أرادت من الأهالي تبني فكرة استثمار الحارة تحت مظلة شركة استثمارية واحدة لتجاوز العديد من الإشكاليات لكن ارتأى المستثمرون تقديم عطاءاتهم بشكل منفرد مما أضاع الفرصة مع وجود مستثمر بإمكانيات وخبرات أكبر أثناء العرض.
مشددا على أهمية توفر البنية الأساسية قبل الشروع في طرح أي مشروع استثماري كهذا ومن ثم يقوم المستثمر بباقي الخدمات المصاحبة التي يحتاجها السائح مع زيادة الترويج بإقامة المناشط والفعاليات التي تجذب السياح.
