أنواع المخدرات
أنواع المخدرات
عمان اليوم

«تكيف» برنامج تتبناه «التنمية الاجتماعية» لتأهيل مدمني المخدرات وإدماجهم في المجتمع

22 مايو 2021
22 مايو 2021

71 متعافيا حتى نهاية أبريل الماضي -

كتبت: وردة بنت حسن اللواتية -

يعد البرنامج الوطني لإعادة التأهيل الاجتماعي للمتعافين من إدمان المخدرات وأسرهم (تكيف) أحد البرامج الوطنية التي تتبناها وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون بالشراكة مع اللجنة والوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، حيث يقوم البرنامج بتقديم الرعاية اللاحقة للمتعافين من الإدمان الناتج عن تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بعد خروجهم من مراكز بيوت التعافي، بهدف إعادة هذه الحالات إلـى وضعها الطبيعي من خلال ما يقدم لها من برامج إرشادية متنوعة تساعدهم وتدعمهم على التكيف في محيطهم الاجتماعي والأسري، بما يحقق لهم الاستقرار النفسي الاجتماعي ويمتن تعافيهم ويقوي صلابتهم النفسية في التعامل مع التحديات.

ويقول الدكتور جلال بن يوسف المخيني مدير دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية: تُعد المخدرات من أخطر مشكلات عصرنا الحالي؛ إذ قفزت هذه المشكلة بجوانبها المتعددة لتقع ضمن أولويات المؤسسات الحكومية والهيئات الدولية والإقليمية المختلفة، وذلك بعد أن تفاقمت وازداد انتشارها في مختلف المجتمعات، وأصبحت مسألة مكافحتها تأخذ جزءا من الجهود الدولية الرامية إلـى محاربة هذه الآفة الخطيرة.

وانطلاقاً من ذلك فقد بدأ الاهتمام الجاد على كافة المستويات لمكافحة هذه الآفة للحيلولة دون انتشارها واتساع رقعتها، ووزارة التنمية الاجتماعية تعتبر شريكا حقيقيا مع مؤسسات الدولة مجتمعة للإسهام في مواجهة هذه الآفة الخطيرة ومكافحة الآثار الناجمة عنها من خلال البرامج الإرشادية المختلفة للتصدي لهذه الآفة الخطيرة، إذ يُعد تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، والوصفات الطبية، والمهدئات نمط حياة قهريا ذا تكلفة عالية على الفرد، وأسرته، والمجتمع بصورة عامة.

وأوضح: «آفة المخدرات ذات أبعاد لا تتعلق بالفرد وحده، بل تتعداها لتشمل المجتمع بشكل عام، وتعتبر من المشكلات التي تؤثر على بناء المجتمع العُماني وأفراده، لما يترتب عليها من آثار صحية، ونفسية، واجتماعية، واقتصادية، وتنسحب على كل من الفرد والمجتمع، ولقد أضحى من الصعب بمكان لأي مجتمع أن يعيش آمنا بعيدا عن أخطار المخدرات، فالموقع الجغرافي للسلطنة يمثل حلقة وصل بين دول إنتاج المخدرات ودول استهلاكها بحكم قربها من عدد من الدول التي تزرع وتنتج المخدرات».

وحول أهداف البرنامج الوطني «تكيف» أشار: الهدف العام من البرنامج هو إعادة دمج حالات المتعافين من إدمان المخدرات والمفرج عنهم من السجون إلى المجتمع، وتقديم الرعاية اللاحقة لهم التي تساعدهم في الاستقرار النفسي والاجتماعي والمعيشي، ورؤية هذا البرنامج هي «مجتمع متماسك بالقيم والأخلاق ومساعدة الحالات الخاصة على التكيف والمشاركة في أنشطة المجتمع». ورسالة البرنامج هي تقديم الرعاية والتأهيل للحالات التي تعافت من تعاطي المخدرات وإدمانها والحالات التي تم الإفراج عنها من السجون، وذلك من خلال تقديم الخدمات الإرشادية المناسبة لهذه الفئة بهدف إعادة وإدماج تلك الحالات إلى وضعها الطبيعي وتمكينها من المشاركة في أنشطة المجتمع. كما أن البرنامج يعمل من خلال شراكة استراتيجية مع اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، وعدد من الوحدات الحكومية ذات الصلة وهي وزارة الصحة، وشرطة عمان السلطانية، ووزارة العمل.

وأوضح د.جلال أن بداية برنامج الوطني (تكيف) تم التحضير لها من خلال ترشيح عدد من المختصين في مجال الخدمات النفسية الاجتماعية من عدة وحدات حكومية شريكة في البرنامج، حيث تمت مخاطبة هذه الجهات لترشيح عدد من المختصين لمشاركتهم في البرنامج وتمت مقابلتهم في عام 2016م، وبلغ إجمالي عدد الملتحقين بالبرنامج كممارسين مهنيين في مجال توجيه وإرشاد المتعافين من الإدمان 34 أخصائيا، وتم العمل على تطوير مهاراتهم وصقلها بتقنيات وأساليب واستراتيجيات تؤهلهم للقيام بهذا الدور، وهو التعامل مع هذه الفئة الخاصة حسب الأطر العلمية والعالمية في مجال الخدمات الإرشادية للمتعافين من الإدمان، وذلك من خلال عدد من البرامج التدريبية وورش العمل التخصصية، حيث تم استقطاب عدد من الخبراء في هذا المجال من الوطن العربي لتدريب فريق العمل من خلال برامج تدريبية ذات بعد تخصصي.

كما تم تعيين فريق نقاط الاتصال على مستوى المحافظات المطبق فيها البرنامج، وتتمثل أدوارهم في الإشراف على فريق العمل وتوزيع الحالات في تلك المحافظة، وهؤلاء المشرفون أو ما نسميهم بمشرفي نقاط الاتصال أو نقاط الارتكاز نظمت لهم عدد من الزيارات التعريفية لمركز بيوت التعافي التابع لمستشفى المسرة بتنسيق مع اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية للالتقاء بالمدمنين المتعافين الذين هم على أبواب التخرج من البرنامج العلاجي، وتعريفهم ببروتوكول الالتحاق بالبرنامج للمتابعة اللاحقة.

وتابع مضيفا: يعمل برنامج (تكيف) من خلال تخصيص نقاط اتصال في المحافظات لتوزيع دفعات الملتحقين بالبرنامج على الأخصائيين ومتابعتهم، ففي يناير لعام 2017م تم استقبال واستلام حالات المتعافين على حسب المحافظات، حيث يطبق البرنامج في المرحلة الأولى في نطاق ثلاث محافظات، هي محافظة مسقط ومحافظة شمال الباطنة ومحافظة جنوب الباطنة، وفي المرحلة الثانية الحالية نتطلع ليشمل البرنامج أربع محافظات أخرى هي محافظة مسندم ومحافظة البريمي ومحافظة الظاهرة ومحافظة ظفار، بينما سوف يغطي في المرحلة الثالثة والأخيرة جميع محافظات السلطنة.

كما تم الانتهاء من أعداد دليل للعاملين في برنامج تكيف كمرجع أساسي للأخصائيين القائمين على تنفيذ البرنامج وتوزيعه على الأعضاء في المحافظات الثلاث، ومن حيث الأعداد بلغ إجمالي عدد الملتحقين بالبرنامج حتى نهاية أبريل 2021م 71 متعافيا.

الضحايا

وأشار د. جلال المخيني: «إن خطورة المخدرات باعتبارها وباء من أوبئة العصر الحالي تكمن في سرعة انتشارها، وكون ضحاياها من سائر فئات المجتمع، إلا أن المراهقين والشباب هم من أكثر الفئات العمرية عرضة للوقوع في هذا البلاء، وذلك لضعف تجربتهم في الحياة، وسرعة التغرير بهم لعدم اكتمال نضجهم، ويلاحظ أن البداية العمرية لتعاطي المخدرات تكون بين (16_17) عامــا، وقد تبدأ في عمر أقل، وتكون البداية في العادة بالتدخين، أو شرب الكحول، ثم تعاطي الماريجوانا، وفيما بعد تعاطي المخدرات الأشد خطورة كالهروين، كما تنتشر هذه المشكلة بين الذكور بمقدار أربعة أضعاف انتشارها بين الإناث».

والإحصائيات الرسمية في السلطنة تؤكد تفشي هذه المشكلة الخطيرة، وهي في زيادة مستمرة، وعلى الرغم من الجهود المبذولة تعتبر بعيدة عن الانحسار، ومن الجدير بالذكر أن الزيادة أيضا لا تعني بالضرورة زيادة استخدام المخدرات بالسلطنة، وإنما زيادة في مراجعة المؤسسات الصحية من أجل تلقي العلاج، كما يمكن تفسير هذه الزيادة بعدة عوامل من أهمها تنامي الوعي بأهمية العلاج بين المدمنين وأهاليهم وطلب العلاج للهروب من العقاب وتوفر الخدمات العلاجية (تنويم بالمستشفى وعيادة خارجية)، وتزايد الاهتمام من قبل بعض المؤسسات الصحية للتبليغ عن حالات الإدمان الجديدة .

كما أنه تتنوع برامج إعادة التأهيل النفسي لعلاج الإدمان على المخدرات والمؤثرات العقلية والتعافي منها، وتشمل هذه الإعدادات استراحات منتصف الطريق (بيوت التعافي) وهي مرحلة انتقالية، والمستشفيات والمرافق الصحية، وبرامج معالجة تعاطي المخدرات، من أجل ذلك تتضافر جهود الوحدات الحكومية ذات الصلة ومنها وزارة التنمية الاجتماعية في تطوير برامج الإرشاد النفسي الاجتماعي لتكون جنبا إلى جنب مع العلاج الطبي لمواجهة الإدمان، حيث تعمل على إقناع المدمنين لتغيير اتجاهاتهم الإيجابية نحو الإدمان، وكل برنامج له أهـداف ونظرية يستند إلى أفكارها، واستراتيجيات ومهارات يتم تدريب المتعافين على ممارستها، ويتناول موضوعات مختلفة تتعلق بشخصية المدمن، ليكون أداة فعالة في المعالجة.

وأكد أن نجاح البرنامج العلاجي يعتمد بالضرورة على استمرارية تعافي المدمن وعدم عودته لطريق الإدمان مرة أخرى، فكل الجهود المبذولة في سبيل التعافي قد تهدر كلها بمجرد حدوث الانتكاس والعودة للتعاطي، وهنا تحديدا تكمن أهمية البرامج الوطني (تكيف) للمتابعة اللاحقة بعد العلاج، حيث يكمن في منع المتعافي من الانتكاس من خلال إيجاد طرق وأساليب بديلة لمنع الانتكاس وتمتين التعافي، ومساعدة المتعافي على تكوين علاقات اجتماعية جيدة، كذلك مساعدته على وضع أهداف حياتية وصياغة حياة جديدة ذات معنى وقيمة، وحصول المتعافي من خلال البرنامج على الدعم المعنوي الكافي خاصة مع وجود وصمة مجتمعية للمتعافين من الإدمان.

الأسباب

وقال مدير دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية: عند البحث في الإدمان على المخدرات والمؤثرات العقلية، ظهرت بعض السمات المشتركة، وتم تحديدها على أنها عوامل خطرة، وهذه السمات تسبق تعاطي المخدرات وتقسم عوامل الخطورة إلى خمس فئات، الفئة الأولى: تتكون من الخصائص الفردية، كالمرض العقلي، والفشل المدرسي، والسلوك المعادي للمجتمع، وتجريب المخدرات في سنّ مبكرة، والنشاط الإجرامي، وتتضمن الفئة الثانية: المواقف كعدم الثقة في رموز السلطة، والغضب من الكبار، والإعجاب بالسلوكيات المنحرفة، وتشمل الفئة الثالثة: السمات النفسية، وضعف المهارات الاجتماعية، والرغبة في التكيف مع الأقران، ضعف مهارات رفض الأقران، والندرة في مهارات الدعم الذاتي، وتتألف الفئة الرابعة من السمات العائلية، كتاريخ العائلة مع تعاطي المخدرات، والاعتماد عليها، وسلوكيات العائلة المعادية للمجتمع، ووجود والدين يستخدمان مهارات إدارة السلوك بطريقة غير فعّالة، ويندرج ضمن الخامسة: الخصائص البيئية كالفقر، وانعدام خدمات الدعم، وتسامح المجتمع مع تعاطي المخدرات، والعنف، والسلوك الإجرامي، والوصول بسهولة للمخدرات والكحول، والتعاطي ضمن الأسرة والأصدقاء.

وهناك أسباب كثيرة تسبب الإدمان، منها ما هو متعلق بعوامل خاصة بالمدمن، «عوامل وراثية، عوامل نفسية» قلق، اكتئاب، وساوس قهرية، هروب من الواقع»، وسمات الشخصية»، وأنه سلوك مثير للمتعة والاستمتاع، ويكون الإدمان خاصة في بدايته ذا طابع جماعي، حيث يزيد من الروابط بين الأشخاص المتعاطين، وهناك سبب آخر يدفع للإدمان، هو أنه يشكل مهربا من الألم، وفوق كل ذلك هناك دافع لدى الإنسان لتكرار السلوكيات المألوفة، ولأن الإدمان يصبح نقطة مركزية في حياة الإنسان، فإن أي تهديد له يتم رفضه من قبل الشخص، وهذا يتم ملاحظته بشكل خاص عندما يقاوم المدمن ويرفض العلاج، وقد يكون هناك إدراك للنتائج السلبية للإدمان، ولكن قوة الدافع الإدماني تطغى على هذا الإدراك .

وبالمقابل هناك عوامل تقلل من فرصة التعاطي، مثل: وجود روابط وعلاقات إيجابية وصحية داخل الأسرة، والوضوح في نظام السلوك والتعامل داخل الأسرة، ومراقبة الوالدين الدقيقة لأولادهم، والنجاح في المدرسة، ووجود روابط وعلاقات إيجابية وصحية مع المؤسسات الاجتماعية التي يتعامل معها الفرد، وتطوير اتجاهات إيجابية وصحية تتعلق بسوء استخدام المخدرات فمن الواضح في مجال التعاطي وجود ارتباط كبير بين الأسرة غير الداعمة وغير المنسجمة.