No Image
عمان اليوم

باحثون وتربويون: "الهوية العمانية" صمام الأمان في وجه متغيرات العصر

11 فبراير 2023
أكدوا أهمية دور الأسرة في ترسيخ قيم الأصالة والمواطنة
11 فبراير 2023

أكّد باحثون وتربويون على أهمية غرس وتعزيز الهوية العُمانية في نفوس النشء، لتكون صمّام الأمان للمحافظة على منظومة المجتمع العُماني وثقافته وأصالته وخصوصيته وتقاليده النابعة من تعاليم الدين الحنيف، والتاريخ المتجذر بالأصالة والعراقة، خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة وتبني بعض المنظمات والمواقع الإلكترونية لمفاهيم ومعتقدات وسلوكيات خارجة عن الفطرة الإنسانية، وتروج لها في أوساط المجتمعات تحت ذرائع مختلفة.

وقال باحثون إن غرس الهوية في نفوس الناشئة منذ الصغر تشكل صمام أمان ضد هذه التغيرات، موضحين أهمية توجيه النشء للجوانب النافعة وحثهم على ترك الجوانب السلبية الخارجة عن العادات والتقاليد والحضارة العُمانية وتعاليم الدين، مؤكدين أن ذلك سيسهم في تعزيز إبداعات الشباب ومواهبهم دون المساس بهويته العُمانية الأصيلة، وبالتالي سينشأ جيل واع متزن ومثقف لإرثه الثقافي والحضاري معتزا بوطنه، محافظا على مبادئه الأصيلة ومعبرا عن ولائه وانتمائه لوطنه، مساهما بتقدم وطنه للرقي، وتحقق رؤيته المستقبلية بسلوك وفكر إيجابي، يستمد نهجه من الإنسانية والتسامح والعطاء.

الركيزة الأهم

وقالت الدكتورة يسرى بنت محمد المغيرية باحثة بكلية التربية قسم الأصول والإدارة التربوية: تتشكل الهوية لدى الفرد منذ الصغر وتنمو بنموه وتفاعله مع كل ما يدور حوله، لذا يعد الآباء والأمهات هم الركيزة الأساسية في غرس الهوية العُمانية لدى الناشئة، لأن الأسرة تشكل اللبنة الأولى للطفل في تأصيل هويته وذلك من خلال تربيته على حب الوطن والانتماء إليه وغرس القيم فيه، فحينما يعيش الطفل في وسط أسري يعتز بعُمان ومنجزاتها وحضارتها المتمثل في حديث الوالدين، ينمو هذا الشعور تدريجيا لدى الناشئة ويزداد تمسكا بعاداته وتقاليده العُمانية فتترسخ تلك الهوية، مع زرع الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والإخلاص في نفوس تلك الأجيال، حيث تكون الأسرة هي الأنموذج الأول في التمثل للهوية العُمانية الأصيلة، بعدها يأتي دور المسؤولين خاصة في المؤسسات التعليمية والاجتماعية في البناء على ما أسسته الأسرة أولا.

دور المؤسسات

وأوضحت المغيرية أن على المؤسسات أدوارا مهمة في غرس الهوية الوطنية في نفوس النشء، ومن بين تلك الأدوار التي يمكن أن تقوم بها تلك المؤسسات، العمل على توثيق صلة المتعلم العُماني بوطنه من خلال إلمامه بتفاصيل جغرافية عُمان، وتعريفه بالمنجزات الحضارية التي قدّمها أجدادنا في العصور الماضية، والعمل على دمج مفاهيم الهوية العُمانية والتراث بأشكاله في المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة، وأيضا في الأنشطة الثقافية التي تقدمها المؤسسات المجتمعية كالنوادي الرياضية والجمعيات العُمانية بتضمين أنشطة تهدف إلى تنمية الهوية العُمانية والانتماء والولاء واحترام تراث الوطن، والاعتزاز بالمنجزات الخالدة، مشيرة إلى أن ما تنفذه وزارة الثقافة و الرياضة والشباب من خلال مسابقات الأندية للإبداعات الثقافية، أسهم في غرس الهوية العُمانية لدى الناشئة وتعزيزها.

الحصانة

وأكدت يسرى المغيرية على أن غرس الهوية العُمانية في الناشئة تمثل صمام الأمان للوطن ككل، وقوة داعمة تربط بين أفراد المجتمع أيا كان موقعهم شريطة أن يراعي ذلك الغرس بالعدالة والشفافية في حصول أي فرد على حقوقه في المجتمع وبغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو عمره، كما أن غرس الهوية العُمانية في الناشئة تؤدي إلى إكسابهم القدرة على التخلص من بعض إفرازات مرحلة عمرية لاحقة لهؤلاء، فغالبا ما يحدث في مرحلة المراهقة برفضهم لقيم وعادات مجتمعهم.

الصراع مع العولمة

وأشارت إلى مجموعة من التحديات التي تواجه الجيل الجديد تتمثل في الصراع مع العولمة، والعادات الدخيلة على مجتمعنا، والتحول الرقمي، موضحة أن بعض وسائل الإعلام العالمية أو المنظمات ومواقع التواصل الاجتماعي في العالم تعمد إلى بث مضامينها في مجتمعاتنا بشكل سريع وجاذب خاصة للفئة العمرية الصغيرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى التأثير في ثقافتنا وهويتنا العُمانية ويمكن أن نسميه غزوا ثقافيا وفكريا يهدف إلى تعزيز النزعة المادية على حساب النزعة الدينية الروحية المبلورة لهويتنا العُمانية الأصيلة، فعلى سبيل المثال أصبح الجيل الجديد حينما يرى بعض مشاهير التواصل الاجتماعي بمحتواهم الذي يهدف إلى الكسب المادي دون أي قيمة فكرية أو معرفية ترقى بهذا الجيل ينعكس سلبا على الكثير من الجوانب كالقيم الخلقية التي تتجسد في هويتنا العمانية الأصيلة.

التربية

من جانبه أكد الدكتور أحمد بن يحيى الكندي أستاذ مشارك بقسم العلوم الإسلامية كلية التربية في جامعة السلطان قابوس على أن الهوية من أهم جوانب حياة الفرد والجماعة، والهوية العُمانية تقوم في الأصل على الهوية الإسلامية، وهناك مسؤولية تقع على عاتق كل مسؤول في تربية الناشئة والذرية وتقويمها والأخذ بيدها إلى كل خير وتربيتهم على الهوية العُمانية الإسلامية، وتبدأ هذه المسؤولية من الأسرة فالمجتمع فالدولة والأمة.

وأوضح الكندي بأن الله جعل الذرية هبة ربانية ولا تكتمل هذه الهبة إلا بالتوفيق للهداية والتربية الصالحة، والأصل في الذرية ولادتها على الفطرة فتنصلح بالمحيط، وإن قيامنا بواجبنا تجاه إصلاح الذرية ضرورة يفرضها أمران أولهما: حق شكر الله على هذه النعمة والثاني: حسن التربية للذرية، وتتعدد وجوه التربية التي يحتاجه الناشئة منّا لكي نُكون منهم مواطنين صالحين مرتبطين بدينهم وهويتهم، منها التربية الإيمانية وهي أهم وجوه التربية لأنها تربطه بخالقه، تبدأ مع الناشئ من ولادته، وترسيخ حب الله ومعالم الإيمان في نفسه.

الأخلاق

وقال الكندي: دعا ديننا إلى أكرم الأخلاق وحميد الخصال، ونبه من خطر القدوة أو الخلطة في غرس الأخلاق حسنة كانت أم سيئة، ومدى حاجة المجتمع إلى تربية الناشئة على الأخلاق الفاضلة ومراعاة حقوق الله وحقوق العباد.

مبيناً أن الإسلام دين الإشباع الصحيح في كل شيء ومن ذلك الإشباع العاطفي والنفسي، وقد أوجب إحاطة الطفل بالحنان والحنو، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل الأولاد ويحتضنهم ويمسح باليد الحانية المفعمة بالعاطفة الجياشة، إن الطفل والناشئة بحاجة إلى الحب والرحمة والحنو وإظهار المحبة له، والعطف عليه.

وأردف بأن التربية العقلية للطفل في الدين الإسلامي تسعى إلى تنمية ذكاء الفرد، وقدرته على التأمل، والتفكير والنظر، وتنمية قدرته على التخيُّل والتصور، إلى جانب تقوية ذاكرته، وإعطائه القدرة على التحليل، وإدراك العلاقات بفهم عظات التاريخ، وربطها بواقع الحياة، كما أكّد على أهمية التربية الجسدية وفيها وجوب العناية بالنظافة والتغذية والرضاعة والصحة والعناية بالحركة والسلام والمظهر العام الحسن.

التربية الاجتماعية

وعن التربية الاجتماعية أفاد الدكتور أن الإسلام حرص على توفير محضن ووسط اجتماعي مهذب يتفاعل معه الناشئ، وفي مقدمة ذلك الأسرة الصالحة التي ألزمها الإسلام، إكساب الناشئ السلوكيات الحسنة، وأكد على ضرورة حسن اختيار الصديق والرفيق، ويعدّ مجتمع الرفاق وسيطا مؤثرا في التربية الخلقية، ويعنى بتوجيه الرغبة الاجتماعية للمراهق بطريقة سليمة بتكوين علاقات اجتماعية مرتبطة بالحب في الله وتقوية هذا الرباط بمد يد العون إلى المحتاجين، وزيارة المرضى، فالمؤمنون في ترابطهم كالجسد الواحد، موضحا أهمية استثمار حاجة المراهق إلى التقدير والمكانة الاجتماعية في بعث التنافس عنده في عمل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورعاية الوالدين، وصلة الأقارب، وتشجيعه على الانتماء إلى الوطن والأمة الإسلامية جمعاء، وتوجيهه إلى العمل والجد واستغلال وقته في الرياضة والنشاط الهادف، وغرس الولاء لأفكار الجماعة الصحيحة وتقاليدها وقوانين العلاقات فيما بينها، فتصبح الطاعة للجماعة الصالحة وسلامة الانتماء للوطن والأمة مكونا من مكوناته.

الهوية العمانية

واكد الدكتور أحمد بن يحيى الكندي أن مكونات هويتنا العُمانية تتجلى بالإسلام واللغة العربية والتاريخ والخصائص الحضارية والثقافية التي تميز بها المجتمع العماني، ومن الخصائص الحضارية تلك السمات الأخلاقية والتعايش وسلاسة التعامل التي تميز العُمانيون بها منذ القدم كطبع متأصل في هذا الشعب الأبي منذ فجر التاريخ، ثم زادهم الإسلام بسطة في ذلك، فعلى ناشئة أهل عُمان أن تعتني بها وأن تتمثل فضائلها وأن تبقى لديهم على الدوام حية مشرقة ومستمرة، وقد تجلت في أرض الغبيراء كل مكونات الهوية زاهرة زاهية، فأرض عُمان استقر بها الإسلام ونما وسطّر قادتها دورا عظيما في حماية هذا الدين ووقايته والسير على هداه على مدى التاريخ، وكتب علماؤها مؤلفاتهم الواسعة في هذا الدين واللغة والتاريخ وسائر الفنون، وضرب شعب عُمان أروع المثل في صلاحه واستقامته وحسن أخلاقه.

التحديات

وأشار الكندي إلى أن التحديات التي تواجه الجيل الجديد في الوقت الحاضر تتمثل في الحداثة والعولمة، وتحديات مجتمع المعرفة وتحديات الاختلاف، فأما الحداثة فأبرز ظواهرها الفردانية الذاتية المتسمة بالأنانية، ومع أن ديننا عني بالجانب الفردي إلا أنه استل منه الأنانية وبنى علاقة الفرد لتكون منسجمة مع الجماعة مرتبطة بها، لا يطغى الثاني فيلغي الأول، وأما العولمة فنزعتها العالمية تتوجه نحو الهيمنة وفرض فكرها وثقافتها واقتصادها لتبقى هي مصبّ المنافع والكلّ مهيمن عليه، وعلى عكس ذلك عالمية الإسلام التي تصهر الأمم والشعوب وتتيح للجميع الإنتاج والإفادة وأن يكونوا مصادر معرفة ترتقي قدرات الجميع وتتفاعل بدون هيمنة أو استكبار واستغلال، والجميع يعطون ويستفيدون.

اهتمام القيادة

من جانبه أكد يعقوب بن علي البطاشي -ولي أمر- أن أهم ما يميز المجتمع العُماني هو اعتزازه بهويته الوطنية التي يتميز بها بما تحتويه من خصال واعتزاز، مشيرا إلى أن القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حرصت على تعزيز الهوية العُمانية وغرسها في نفوس الأجيال، مؤكدا أن ذلك الحرص والاهتمام من القيادة الحكيمة قابله ترجمة واقعية من قبل مؤسسات المجتمع بكل أطيافه، من أجل أن تكون هذه التوجيهات واقعية التطبيق، فنجد المدرسة والمسجد والبيت والمجلس وغيرها من المؤسسات الأهلية والمدنية تجعل الهوية الوطنية من أولوياتها، واستطاعت سلطنة عُمان أن تحصد نتيجة هذه الجهود جيلا معتزا بهويته الوطنية، وبقيمه الإسلامية القائمة على الاحترام المتبادل والأخوة الصادقة وحب الخير.

وأضاف البطاشي قائلا: كل هذه الجهود التي طوعت لغرس قيمة المواطنة لدى الناشئة يقابلها، محاولات لطمس العادات والمبادئ العُمانية من خلال الاعتماد على العديد من الوسائل التي تسهم في استحداث قيم دخيلة لا تتماشى مع القيم العُمانية الأصيلة والعادات والتقاليد التي جبل عليها المجتمع العُماني بجميع أطيافه، وهنا يأتي دور المؤسسات بمختلف شرائحها التربوية والدينية والمجتمعية في نشر الوعي لدى الناشئة بأهمية الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد المتأصلة لدى المجتمع العماني، وتجنب التأثر المباشر من كل ما من شأنه المساس به، والتمكن من الاستفادة من التقنيات الحديثة بحذر وتطويعها لما فيه خير وصلاح البلد والمواطن.

القانون

من جانبه قال المحامي الدكتور حسين بن سعيد الغافري عميد كلية القانون بالجامعة العربية المفتوحة: إن دور القانون في المحافظة على الهوية العُمانية يعد الأساس الذي ننطلق منه في المحافظة على الهوية العُمانية، حيث جاء النظام الأساسي للدولة الذي يعدّ أساس كل القوانين في سلطنة عُمان، والذي نصت فيه المادة ٦ على أن «التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية العمانية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف».

مشيرا إلى أن قانون الجزاء العماني يجرم الظهور بلباس ينافي قيم ديننا الحنيف، ويتعارض مع الأخلاق والعادات والتقاليد ويخدش الحياء العام يأتي تحت طائلة التجريم الجزائي.