القطاع الصحي .. أهداف استراتيجية ومشروعات مستدامة لتحسين الخدمات
يطوي عام 2022 صفحته والقطاع الصحي العماني يثبت كفاءاته العالية لمواجهة التحديات، ويسير بخطى حثيثة نحو طريق التعافي وتحقيق الإنجازات التي تعزز قدرات المنظومة الصحية، بعد ما كشفت جائحة «كوفيد-19» عن تحديات وصعوبات أثرت في أركان القطاع الصحي في سلطنة عمان والعالم، وأجبرت الجهات المعنية على ترتيب أولوياتها واستثمار الموارد المالية والبشرية في الصحة والبحث عن مصادر لاستدامة تمويل القطاع وتحسين جودة وكفاءة الخدمات.
وتطلعت «رؤية عمان 2040» إلى جعل القطاع الصحي خلال السنوات الخمس القادمة قطاعا متميزا يقوم بتوفير البنية الأساسية الصحة على مستوى عالٍ من الجودة واستدامة الموارد المالية والبشرية اللازمة لتغطية صحية شاملة وقادرة على إتاحة الرعاية الصحية الأولية لكافة المواطنين بجودة عالية.
وحددت الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2023م الإنفاق الاجتماعي المقدر لعام 2023م بحوالي 34% من إجمالي الإنفاق العام موزعة على عدة قطاعات منها 22% على القطاع الصحي، ونحن على أعتاب عام 2023 لا يمكننا التغافل عن ما حدث في عام 2022 من نتائج إيجابية ساهمت بصورة أو بأخرى في دعم القطاع الصحي على رغم من تبعات وآثار جائحة «كوفيد-19» التي أثرت بصورة واضحة على القطاع الصحي عن غيره من القطاعات إلا أن وزارة الصحة واصلت جهودها من أجل تحقيق أهداف استراتيجية أولوية الصحة في «رؤية عمان 2040» خلال الفترة 2021-2025 على أن تكون البنية الأساسية والموارد المالية والبشرية متوفرة بشكل كافٍ لتوفير التغطية الصحية الشاملة، ومضاعفة عدد المستشفيات التي تقدم الرعاية الصحية الأولية في كافة المحافظات، ومنظومة الاعتماد والجودة لخدمات الرعاية الصحية الأولية متاحة وفعالة على كافة المستويات لرعاية المواطنين والمقيمين.
وفي شهر ديسمبر أصدر جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - مرسوما سلطانيا ساميا بإنشاء المدينة الطبية للأجهزة العسكرية والأمنية وإصدار نظامها، التي تهدف إلى توفـير الرعاية الصحية لمنتسبي الأجهزة العسكرية والأمنية وأسرهم، وبعض الجهات والأشخاص وذويهم المستحقين للعلاج، وتفعيل سياسة الحكومة بشأن تأمين الخدمات الصحية لمنتسبي الأجهزة العسكرية والأمنية وأسرهم فـي كافة أنحاء سلطنة عمان فـي حدود الموارد المالية المتاحة، وتعزيز سياسة الحكومة بشأن تطوير القطاع الصحي للأجهزة العسكرية والأمنية، والنهوض به، والاستفادة من التقنيات الحديثة، وتنمية وإعداد وتأهيل الكوادر الطبية والموارد البشرية فـي المدينة الطبية.
رفاه صحي
ويعتبر عام 2021م العام الثاني من تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة للتنمية الصحية لذا تعمل الوزارة جاهدة على إنجاح جميع أهدافها وتحقيق الرفاهية الصحية للمجتمع العماني بما يتماشى مع الرؤى والأهداف التي وضعت مواكبة لـ«رؤية عمان 2040» وأهداف التنمية المستدامة والنظرة المستقبلية للنظام الصحي «الصحة 2050» وضمان تمتع جميع أفراد المجتمع بعناية راقية وصحة مستدامة.
ومن أجل الارتقاء بالخدمات الصحية وتقليص قوائم انتظار المرضى وتقريب مواعيد العيادات الخارجية والعمليات وتسريع توفير الرعاية التشخيصية والمتخصصة خاصة بعد تراكم المواعيد في العيادات المتخصصة نتيجة تأثرها بجائحة «كوفيد-19» ركزت وزارة الصحة في هذه المرحلة على التعاون مع جهات القطاع الصحي الحكومي والخاص لتقليص المواعيد لتحقيق الهدف الأساسي ألا وهو تقديم رعاية صحية ذات جودة عالية، بدءا من معاينة المريض وتشخيص حالته الصحية وانتهاء بتقديم العلاج المناسب له في أي تخصص كان بالمؤسسات الصحية المنتشرة في ربوع سلطنة عمان.
وفي وقت سابق دعا معالي الدكتور هلال السبتي وزير الصحة إلى تكاتف كل الجهود، وأن يقوم المسؤولون في المؤسسات الصحية بترسيخ نهج القيادة الداعمة والمتابعة ومراقبة مؤشرات المواعيد أسبوعيًا وتشجيع العاملين الصحيين على إيجاد الحلول المناسبة واتخاذ التدابير اللازمة عاجلا غير آجل.
إشادة دولية
وخلال العام الجاري 2022م، تبّنت وزارة الصحة بمؤسساتها المختلفة مهمة توفير الجزء الأكبر من الخدمات الصحية وقد شهد النظام الصحي مزيدا من النمو والتطوير في جميع مستويات الرعاية الصحية وذلك بما يتماشى مع التطور القائم في النظم الصحية العالمية وأن ما حققته من إنجازات أشاد بها المجتمع الدولي ما دفع إلى بذل المزيد من الجهد للوصول دائما إلى الأفضل بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتطوير وتحديث الخدمات حتى تكون الحصيلة مزيدا من التقدم والرفاهية للمواطن والمقيم وأن يتمتع جميع أفراد المجتمع بعناية راقية وصحة مستدامة.
واستضافت سلطنة عمان المؤتمر الوزاري العالمي الثالث رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات بمشاركة 30 وزيرًا وممثلين لأكثر من 40 دولة من دول العالم في مجالات صحة الإنسان والحيوان والبيئة.
وخرج المؤتمر بتوصية «إعلان مسقط» الذي هدف إلى تسريع إجراءات «الصحة الواحدة» حول مقاومة مضادات الميكروبات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وقد صادقت على البيان أكثر من 37 دولة.
كما وقعت وزارة الصحة خطة التعاون القطري (2022-2023) مع منظمة الصحة العالمية التي تعد الإطار التشغيلي لتنفيذ استراتيجية التعاون القُطري (2021-2025)، ودعم الخطة الخمسية العاشرة للتنمية الصحية (2021-2025) في وزارة الصحة، وتعد خطة التعاون القُطري خطوة أساسية في عملية التخطيط بأكملها والتي تضمن بأن يركز عمل المنظمة بشكل كبير على جميع المستويات لإحداث أثر في حياة الناس في جميع دول العالم.
وتضمنت عملية وضع خطة التعاون مشاورات مكثفة مع البرامج المعنية في وزارة الصحة وذلك للتنبؤ بالمستقبل والاستفادة من تجربة جائحة «كوفيد-19»، استنادًا إلى إرشادات منظمة الصحة العالمية حول التخطيط الإستراتيجي وتحديد الأولويات للفترة من 2019 إلى 2023.
مشروعات استثمارية
وفي منظومة التخطيط والتمويل لقطاع الصحة قامت الوزارة بوضع آليات وسياسات وخطط لتنمية وتطوير طرق البحث عن مصادر بديلة لتمويل النظام الصحي بما يضمن تحقيق الاستدامة، بالإضافة إلى تطوير منظومة التخطيط وتبني منهجية الإدارة بالنتائج لتقنين ورفع كفاءة الإنفاق وتعزيز المشروعات التنموية في قطاع الصحة وفي هذا الجانب سعت الوزارة جاهدة إلى ترجمة أهداف «رؤية عمان 2040»، والتي تتطلع لأن تصبح سلطنة عمان بيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الصحي، لذا جاء تنفيذ مختبر الاستثمار في القطاع الصحي بدعم من «وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040» والبرنامج الوطني للاستثمار وتنمية الصادرات «نزدهر»، ليعزز الاستثمارات في الصناعات الطبية ويحسن الخدمات الصحية ويرفع جودتها، وتطوير التقنيات والابتكار، وتمكين الموارد البشرية والتدريب والتأهيل وتطوير بيئة الاستثمار في القطاع الصحي.
كما تعمل الوزارة على تعزيز التصنيع المحلي للمستحضرات الصيدلانية والمواد الاستهلاكية الطبية وتوفير هذه المنتجات والمعدات لسد احتياجات السوق المحلي من أجل تقديم الرعاية الصحية العالية الجودة، وتحقيق استدامة النظام الصحي من خلال خفض تكلفة توفير هذه المنتجات والمعدات الطبية والصيدلانية.
وحفل العام الجاري 2022 بافتتاح بعض المشروعات الصحية التي تعد من الإنجازات الصحية سواء نفذت بجهود تعاونية مع القطاع الخاص أو بمبادرات أهلية حيث افتُتح بمستشفى خولة المبنى الجديد لقسم الأطراف الصناعية وتقويم العظام، الذي بُني على مساحة قدرها 780 مترًا مربعًا، ويضم المبنى مجموعة مُتكاملة من أحدث الأجهزة الطبية في مجال علاج وتقويم العظام، وتصنيع الأطراف الصناعية وعيادات وورش تصنيع وتعديل الأطراف الصناعية، وغرف فحص وتدريب، وسيخدم هذا القسم أكثر من ٧ آلاف مريض سنويًّا من مختلف محافظات سلطنة عُمان.
وشغّلت الوزارة مركز غسيل الكلى بولاية العامرات بشكل كامل، أقيم على مساحة بلغت 1300 متر مربع، ليضم 5 صالات للغسيل الكلوي، ويبلغ إجمالي عدد المرضى الذين يقدَّم لهم خدمات الغسيل الكلوي على فترات مختلفة، حوالي 156 مريضًا يوميًّا.
وفي مستشفى قريات افتتح قسم العلاج الطبيعي، ليستقبل جميع الفئات العمرية من جميع المؤسسات الصحية الحكومية أو الخاصة ويعالج الإصابات المزمنة والإصابات الرياضية والحالات المرتبطة بالأعصاب والتأهيل بعد الكسور والعمليات الجراحية.
وفي ولاية بهلا تم افتتاح توسعة جديدة بمستشفى بهلا التي شملت تطوير وحدة الطوارئ وجناح الرجال بالمستشفى، وتم تنفيذ هذه الأعمال بجهود ذاتية للأهالي، بهدف تسهيل الخدمة للمراجعين بحيث تكون الخدمة في مكان واحد فقد احتوى المشروع على إضافة بعض المرافق لوحدة الطوارئ تتمثل في غرفة للصيدلية الخارجية وأخرى للمعاينة الأولية وغرفة لمعاينة الطبيب ومكتب للسجلات الطبية وغرفة انتظار للرجال ومخزن، كما تمت أيضا إضافة غرفة للعناية المركزة مع ملحقاتها في جناح الرجال، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع ما يقارب 45000 ريال عماني.
الصحة المجتمعية
وسعت وزارة الصحة من جانب آخر إلى دعم الصحة الوقائية وبرامج تعزيز الصحة العامة والمجتمعية وتعزيز الممارسات الصحية وتطوير أنظمة العمل الصحي لمعالجة التحديات الصحية ذات الأولوية وجاء تطلعات الحكومة مواكبة مع هذا الجانب حيث يعمل على مشروع إنشاء المختبر المركزي الجديد للصحة العامة بولاية السيب بقيمة 18 مليونًا و214 ألفًا و697 ريالًا عمانيًّا ليواكب التطور التقني والأنظمة الفنية الحديثة ويغطي الاحتياطات المطلوبة في مجال الفحوصات المخبرية، كما نفذت الوزارة حملة المسح الوطني الشامل لنواقل الأمراض بهدف بناء قاعدة بيانات عن نواقل الأمراض وأنواعها وكثافتها وأماكن تكاثرها.
وقام بأعمال المسح فرق ميدانية متجولة متخصصة عملت بالتقصي الحشري في أمكان تكاثر الحشرات في الأحياء السكنية والزراعية والتجارية، مما يتطلب دخول المنازل وأخذ المسحات والعينات اللازمة.
أما عن تمويل الابتكارات والبحوث في المجال الصحي والبحث عن شركاء في كافة القطاعات استحدثت وزارة الصحة طرق تسهل دور الحوار المباشر حيث عملت على إيجاد لقاءات دورية هادفة مع جميع الكوادر العاملة بوزارة الصحة بجميع فئاتها ومستوياتها لفتح آفاق أكبر من التقارب المهني وإيجاد فرص جديدة للنقاشات لتوليد الأفكار والحلول المبتكرة للمساهمة في تطوير المنظومة الصحية، ونظمت منتدى الابتكار الصحي الذي استعرض تقديم 15 مبادرة للكوادر الصحية من الأفكار المبتكرة للوصول إلى أفضل الحلول التي تساعد على تطوير وتحسين الخدمات في القطاع الصحي، بهدف الوصول إلى الغاية الأسمى وهي خدمة الوطن والمستفيدين من الخدمة الصحية على أرض سلطنة عمان.
وفي السياق ذاته جاء ملتقى «تمويل البحوث الصحية» متطلعًا إلى المساهمة في الارتقاء بجودة ونوعية البحوث لمسايرة الركب في دفع عجلة المعرفة للأمام ووضع الدراسات والبحوث كأحد محاور ومكونات النظرة المستقبلية للنظام الصحي 2050م و«رؤية عمان 2040»م.
وتسعى وزارة الصحة ممثلة بمركز الدراسات والبحوث لتعزيز الشراكة البحثية مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بما يتواكب ومتطلبات المرحلة القادمة من حيث الارتكاز على المعرفة والابتكار وتطوير المهارات والقدرات البحثية بسلطنة عمان وتحسين أداء النظم الصحية والمساهمة في تحقيق التغطية الصحية الشاملة العمليات بحيث تكون أكثر شموليةً.
وسعى الملتقى إلى معالجة الاقتصاد الصحي من أجل استدامة تمويل الرعاية الصحية من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة التي ستسهم في تعزيز كفاءة النظام الصحي وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل.
