« السكر الأحمر » .. حرفة إنتاجية تتوارثها السواعد العمانية !
تتم الاستفادة من مخلفات عصر القصب في تصنيع الأعلاف الحيوانية -
محمد اليحيائي: أحلم بتحويل مصنعي إلى العمل آليا في مختلف المراحل -
زيادة الإنتاج وضعف التسويق ساهما في انخفاض سعره لأقل من النصف -
تعد بهلا بمحافظة الداخلية واحة زراعية غناء اشتهرت منذ القدم باهتمام أهلها بالزراعة، بداية من زراعة النخيل بمختلف أصنافه وأنواعه وزراعة محاصيل الخضر ومن أهمها الثوم والبصل العماني والبقوليات، وبعض الفواكه و الحمضيات وزراعة البر العماني (القمح) وزراعة محصول قصب السكر والذي أوشكت مراحل حصاده وتصنيعه على الانتهاء لهذا الموسم .
ويعد موسم حصاد قصب السكر من المواسم الزراعية المهمة وتشكل مرحلة حصاده أحد أبرز العادات العمانية القديمة المتوارثة منذ القدم حيث يتكاتف ويتعاون الجميع، بدءا من حصاد المحصول من المزارع وجلبه إلى معاصر قصب السكر بالولاية والبالغ عددها 6 معاصر تطورت عبر المراحل الزمنية وأدخلت فيها الآلات الحديثة المتطورة، وتشهد هذه المصانع لحمة اجتماعية من أبناء الولاية للمشاركة في مراحل عصر القصب وطبخه وتصنيع السكر الأحمر العماني والقيام بتسويقه محليا، كما شهدت هذه المعاصر حركة سياحية من قبل الزوار للتعرف على مراحل تصنيع السكر الأحمر المحلي.
وللتعرف على الجهود التي تبذل من أجل تطوير وتحسين هذه الحرفة المتوارثة التقينا محمد بن عامر بن سليمان اليحيائي أحد أصحاب هذه المعاصر الناجحة والمتطورة بالولاية، والذي أشاد في بداية حديثه بجهود المزارعين في ولاية بهلا والأهالي في عملية حصاد محصول قصب السكر وجهودهم في عملية التصنيع بمختلف مراحلها ليكون منتج السكر الأحمر المعروف بجودته العالية وقيمته الغذائية المتميزة.
وأشار اليحيائي: بأن موسم حصاد السكر منذ القدم يعد من العادات العمانية المتأصلة لدى أبناء ولاية بهلا حيث تتناوب الأسر في الحصاد من مزرعة إلى أخرى حتى انتهاء موسم الحصاد ويتشارك الجميع في تصنيع منتج السكر الأحمر والذي تمر عملية إنتاجه بمراحل مختلفة تبدأ من الحصاد، وبعد وصول المحصول إلى المعصرة يحدد له مكان مخصص ويتم ترقيمه وتحديد موعد استخراج العصير الذي يتحدد بعدد اللترات التي تم استخراجها ويتم تسجيله ومن ثم طبخه، يلي ذلك وضعه في أماكن التجفيف بالمصنع وتسليمه لصاحبه في اليوم التالي ..
معاصر قديمة
وأشار محمد اليحيائي بأن وجود معاصر قصب السكر في ولاية بهلا على وجه الخصوص ومحافظة الداخلية بشكل عام كان منذ القدم، والمعاصر القديمة لها تاريخ قديم في الولاية، حيث تم منذ مئات السنين جلب معصرة الخشب من السواحل الإفريقية وهي الأقدم وتجرها الحيوانات، ومع مرور الأيام تطورت المعاصر تدريجيا إلى معاصر الديزل، والكهرباء، وشهدت مختلف المراحل تحديثا وتطويرا بحيث سهلت العمل على أصحاب هذه المعاصر وساهمت في جودة ونظافة المنتج وسرعة الإنجاز.
يقول محمد اليحيائي: بأنه يحب الاطلاع على تجارب الآخرين والاستفادة منها فهو يعمل على تطوير أفكاره ويبذل قصارى جهده في إدخال الحداثة والتطور على مصانع قصب السكر مما يسهل عملية التصنيع ويقلل الكلفة والفترة الزمنية. وقد بدأ مشوراه في هذا العمل قبل 20 عاما، واستهل المشوار في تعلم هذه الحرفة من خلال العمل في المعاصر السابقة بالولاية.
إقامة المصنع !
وقال محمد بن عامر اليحيائي : بأنه نظرا لما شاهده من إقبال على المعاصر بالولاية حيث كانت هناك 3 معاصر فقط ومن هنا جاءتني فكرة إقامة مصنع يساهم في تخفيف الضغط على المصانع القائمة إلى جانب توسيع العمل في مصانع قصب السكر وتطوير هذا العمل والتسهيل على المزارعين، ولاحظت أن المصانع تقوم بإعداد 8 طبخات يوميا من عصير القصب لكل معصرة وبعد التفكير في العائد، وبما أنني لدي تجربة في تلك المعاصر وإلمام بمختلف مراحلها واحتياجاتها فقد قمت بإنشاء هذا المصنع.
وأشار اليحيائي: بأن بدايات إقامة المصنع كانت بسيطة ومتواضعة ونظرا لتخوفي الشديد فقد قمت بجلب آلات مستعملة بداية الأمر، وحاولت قدر الإمكان التخفيف من مصاريف التشغيل وكنت أجلب حطب الوقود بسيارتي الخاصة لتخفيف المصاريف وقمت بتركيب معصرة مؤقتة ومظلة صغيرة وآلة بقوة 7 أحصنة فقط بحيث نعمل بقدر وببساطة وتجربة بدائية على نية التوسع مستقبلا.
ومع زيادة الإقبال والدخل تطورت المعصرة وحدث تغيير جذري كبير في المراحل ثم جلبت معصرة أكبر والمسماة (اتش دي رقم 9) وتواصلت مع المصنع في جمهورية الهند وقمت بعد ذلك بتوريدها للمصانع الأخرى، وكل ما أجد ثغرة في المعصرة، أعمل على دراستها وإيجاد الحلول لها كمثال في طريقة العصر وتوصيل أعواد قصب السكر عملت على تنفيذ سير خط الإنتاج ناقل السير ووفرت القوى العاملة من 6 إلى 3 عمال فقط ، كما قمت بتطوير موقد الطبخ من الطبخ بوقود الخشب وجاءت فكرة الديزل ومع ارتفاع كلفة وقود الديزل، وجدنا بديلا عنه باستخدام الوقود بالغاز وهو يعد ذا جدوى اقتصادية و وصحية وأقل كلفة. كما عملنا على تطوير انتقال شراب العصير من المعصرة وفلترته إلى البرك ومن ثم إلى مراجل الطبخ آليا.
وأضاف اليحيائي: بأنه مع بداية الموسم يكون ضغط العمل متواصلا في مصانع السكر الأحمر حيث نبدأ التصنيع في الساعة 5:30 صباحا وننتهي في الـ 5 عصرا دون توقف مع مناوبة في العمل، وتستمر عملية الطبخ للعصير لمدة ساعتين أما التجفيف فمن يوم إلى يومين، ويتم إلى جانب تصنيع السكر الأحمر، تصنيع (الزيج) وهو من درجة نقاوة السكر ويشتق الزيج (عسل قصب السكر) وتضاف له بعض العطريات مثل الهال وماء الورد العماني والزعفران حسب الرغبة وتكفي عملية طبخه نصف ساعة حسب لزوجة السائل.
وأكد اليحيائي: بأن القدرة التشغيلية للمصنع وقوة إنتاجه وقدرة استيعابه ارتفعت فقد كنا في السابق نقوم بعصر من 5 إلى 7 أطنان يوميا أما الآن فنصل في اليوم الواحد لأكثر من 12 طنا . وقال اليحيائي : بأنه يحلم ويسعى لتحقيق حلمه بأن يكون مصنعه آليا في جميع مراحله ولا يحتاج إلا لشخص واحد يتابع ويشرف على مراحل التصنيع وسيعمل على تحقيق ذلك بالبحث والاستفادة من تجارب الدول الأخرى.
صعوبات وتحديات
وأشار اليحيائي : بأن هناك بعض الصعوبات والتحديات أثرت على إنتاج السكر الأحمر والاهتمام بزراعة هذا المحصول، ومنها ضعف منافذ التسويق وتأثرنا بالأزمة الاقتصادية العالمية، وصعوبة توفر الأيدي العاملة وارتفاع كلفة زراعة المحصول وشح المياه وغلاء الأسعار ومنها الارتفاع في أسعار المبيدات والأسمدة واستهلاك الكهرباء، ومع زيادة الإنتاج وضعف التسويق انخفضت قيمة منتج السكر الأحمر فقد كان سعر الكيلو الواحد 4 ريالات ليصل أدنى سعر له هذا الموسم إلى 1.600 ريال للكيلو.
تسويق المنتج
وأكد محمد اليحيائي بأنه يسعى وبجهوده الذاتية للتوسع في تسويق منتج السكر الأحمر إلى جانب التسويق المحلي بدءا من تسويقه بالمملكة العربية السعودية ووجد الإقبال عليه ولديه خطة للتوسع ليشمل جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومن ثم الدول العربية والعالمية .
الاستفادة من المخلفات
وأوضح اليحيائي بأنه يتم الاستفادة من شجرة قصب السكر حتى بعد الانتهاء من استخراج عصير القصب وتصنيع السكر، حيث تتم الاستفادة من المخلفات، وهناك مصانع في محافظات الباطنة شمال وجنوب والشرقية تستفيد من هذه المخلفات لتصنيع الأعلاف الحيوانية ونعمل على دعمهم في هذا الجانب. وفي نهاية حديثه حث محمد اليحيائي الشباب العماني من أجل الاهتمام بزراعة وإنتاج السكر الأحمر لما لهذا المنتج من قيمة اقتصادية وفوائد صحية كبيرة وهو بديل ناجح للسكر الأبيض، كما يستخدم في العديد من الصناعات المحلية ومن أهمها صناعة الحلوى العمانية كما أن شراب السكر الأحمر مفيد صحيا ويستخدم كعلاج شعبي.
