مادة التيزاب الموجودة في الأسواق
مادة التيزاب الموجودة في الأسواق
عمان اليوم

"التيزاب".. قصص مؤلمة كلفت أصحابها تشوهات دائمة

08 يوليو 2023
08 يوليو 2023

-الاستشاري د.سعيد البوسعيدي: حوالي 5 حالات حروق كيميائية شهريا تأتي إلى المستشفى

-قرار هيئة حماية المستهلك: يلتزم المزود عند تداول المنتجات الكيميائية الحارقة بإمداد المستهلك بالشروط المتعلقة بالصحة والسلامة

-المتضررون: حروق عميقة وتشوهات دائمة في الجسم

يلجأ بعض الأشخاص إلى استخدام مواد ومنظفات كيميائية خطرة تكاد تودي بأرواحهم، كاستخدامها لغرض التنظيف وإزالة الأوساخ والتراكمات من على الأسطح وتسليك مياه جريان مياه المجاري في الأنابيب، إذ إن خطأ واحد فقط قد يكلف المرء اشتعال جسده والتسبب بتشوهات جسيمة من الصعب علاجها، ومن بين تلك المواد "التيزاب" أو ما يسمى بـ"ماء النار" إذ هي من المواد التي تحتاج إلى خبرة في التعامل معها ودرجة عالية من الكفاءة والأمان أثناء استخدامها، وللأسف اليوم أصبح "التيزاب" مرتبطا بقصص مأساوية نتيجة سوء الاستخدام وتعرض عدة حالات للحروق ولجأوا إثر ذلك لإجراء عمليات وتدخلات جراحية، "عمان" تسلط الضوء عن مدى خطورة الحروق الكيميائية التي تسببها هذه المادة، وتنقل لكم قصصا من أفواه أشخاص تضرروا بسببها مبينين التشوهات التي لازمتهم إلى يومهم هذا والمعاناة والتعب البدني والنفسي الذي عاشوه.

قلة الوعي

بداية يحكي ماجد الحوسني قصته قائلا: اشتريت مادة "التيزاب" من إحدى الأسواق بغرض حل مشكلة تسليك المياة في المنزل، وبدون وعي وانتباه فتحت غطاء علبة المادة في المنزل وإذا بها تتناثر بقوة على أجزاء من جسمي، ولحظتها لم أكن مدركا ما الذي حصل؟، فحرارة المادة اخترقت ملابسي وجسمي وبدأت تنتشر، إذ حاولت التخلص من الملابس التي أصابتها المادة والإسراع بتغطية الأماكن المحترقة بأي مواد من المنزل تخفف الحروق، ثم توجهت مسرعا إلى أقرب مركز صحي، وأبلغتني الدكتورة المناوبة بالمركز الصحي أن الحروق سطحية ولا تستدعي حالتي الصحية إرسالي إلى مستشفى خولة المختص بمعالجة الحروق، وحقيقة كنت مصرا على أن يتم تحويلي إلى المسشتفى للتأكد من سلامة حالتي الصحية ولكنها للأسف سمعت كلام الطبيبة المناوبة وطمأنتها لي، وأعطتني المضادات اللازمة، ولكن بعد يومين فقط بدأت ألاحظ أن الألم يزداد وشعرت بحرارة وحمى شديدة في جسمي فذهبت إلى مستشفى خولة والصدمة كانت عندما كشف علي الدكتور المختص أخبرني أن الحروق من الدرجة الثالثة وأن المادة بدأت تسبب تآكل في الجلد لتدخل إلى العظام ومن الضرورة إجراء عملية جراحية للتشافي والتخلص من الجلد الميت المحروق، ولله الحمد أجريت العملية الجراحية وكان السهر والألم شديد، وما زلت حتى الآن في مرحلة العلاج.

وأضاف: لو كنت أعلم مدى خطورة وشدة الأمر الذي وصلت إليه لما تجرأت وأخذت المادة، كما أتمنى من الجهات المعنية أن تسحب المادة من الأسواق وتخصيص جهات مختصة تقوم بهذا الدور بدلاً من الأفراد.

استمرار التشوه

ويروي علي بن حمد الجرداني قصة تعرضه لمادة "التيزاب" ولجوئه إلى إجراء عملية تجميلية في الخارج إذ يقول: كنت أستعمل مادة التيزاب من قبل بكثرة، وفي يوم من الأيام كان معي انسداد في أنابيب مطبخ المنزل، فأحضرت هذه المادة واستعملت العلبة ذات الحجم الكبير، وللأسف أمسكت العلبة بشكل غير صحيح إذ أدى ذلك إلى انسكاب المادة على يدي، ووقتها لم أحسن التصرف لأن الحرق كان حاراً جداً مثل النار، ولأني لا أعلم خطورته ركضت مسرعا إلى حنفية الماء أبلل يدي، ولكن الألم والحرق زاد بشدة، وبعدها ذهبت مسرعا إلى مستشفى خولة، وأنا في طريقي إلى المستشفى أرى الجلد في يدي يتآكل أمام عيني، وعند وصولي وضع الأطباء اليد في ماء لمدة 15 دقيقة تقريبا لكي تنزل سموم الماده منها، وارتفع السكري معي وشعرت بجسمي يرتجف كثيرا، وفي اليوم الثاني تحول لون يدي إلى اللون الأسود، وتم إجراء عملية إزالة الجلد الميت وإضافة جلد جديد من الفخذ، ورغم ذلك ما زالت يدي متشوهة واضطررت للسفر إلى الخارج لإجراء عملية ليزر ولكن مازال التشوه موجود إلى اليوم.

المعاناة والسهر

ويتحدث أبو عبدالله الذي اكتفى باللقب دون ذكر اسمه: لم أكن أدرك خطورة مادة التيزاب ومدى التعذيب الذي تسببه لمن يتعرض لها، إذ كنت أستمتع بيومي في إجازة ما في المنزل ، وقد قررنا أنا وأخي تعديل المسبح وتسليك أنبوب تفريغ مياه الحوض بسبب انسداد مخرج المياه، واقترح أخي استخدام مادة التيزاب التي تباع بالمحلات لمعالجة هذه المشكلة، عبوة لا تساوي ريال ونصف كادت أن تودي بحياتي لولا عطف ربي العالمين، فقد قمنا بسكب المادة وتفاعلت مع الماء والحديد مما أدى إلى حدوث انفجار وانتشار التيزاب بجسدي وللأسف لم أكن ملما بتعليمات استخدام هذه المادة، وأصبت بحروق بالغة في كلا الساقين وإصابة خفيفة في اليد والرقبة، وعلى أثر ذلك استخدمت بعض العلاجات التقليدية مثل الطحين والثلج، وعندما ذهبت إلى المركز الصحي أخبرني الدكتور بأن أصابتي خفيفة والحروق من الدرجة الثانية تقريبا بسبب الطحين الذي خبأ الجرح، وأخذت بعض المراهم الموضعية والأدوية، إلا أنني أتفاجأ بعد يوم بحمى شديدة وأنا أتصبر بأخذ المسكنات، مما أدى إلى إصابتي بالتهاب حاد نقلت على إثرها إلى مستشفى خولة، وبعد معاينة الأطباء لي في قسم الطوارئ أخبروني بضرورة التنويم وعمل عمليتين الأولى تكمن في إزالة الجلد الميت والالتهاب، ومكثت مدة أسبوع في المستشفى حتى زال الالتهاب، وبعدها تم إجراء العملية الثانية وهي ترقيع الجلد المشوه من خلال أخذ الجلد من مكان آخر وتركيبه على الأرجل، ومكثت 20 يوما أخرى بين المعاناة والسهر بسبب العملية وتجبيس الرجلين، وأصبحت طريح الفراش طول المدة، وفي فترة تنويمي في المستشفى رأيت الكثير من الأفراد الذين تعرضوا للإصابات والتشوهات بهذه المادة، وما زالت آثار الجروح إلى هذا اليوم بارزة، وبعدها أُحلت إلى التقاعد الطبي بعد تعيين نسبة العجز.

خطورة الأمر

من جانبه قال الدكتور سعيد بن سعود بن محمد البوسعيدي، استشاري أول ـ رئيس وحدة الحروق ورئيس قسم جراحة التقويم والتصحيح في مستشفى خوله: للأسف الحروق الكيميائية في تزايد وجميعها نتيجة الاستخدام الخاطئ لتسليك المجاري بالمادة المعروفة محليا بـ"التيزاب" وهي مادة قلوية شديدة التركيز، وبالنسبة لعدد الحالات نعاين في مستشفى خولة في حدود 5 حالات شهريا، وتتفاوت هذه الحالات من ناحية حجم الإصابة وعمقها.

وأشار إلى أن الحروق الناتجة عن هذه المادة في كثير من الأحيان عميقة وتترك تشوهات مستدامة في الجسم، وحول أهمية الإسعافات الأولية فور إصابة الجسم بهذه المادة أكد الإسعافات الأولية للحروق بصفة عامة تكمن في غسل المنطقة المصابة بالماء لمده طويلة، في بعض الأحيان قد يحتاج إلى ساعتين من الغسيل المستمر، في حالة كون المادة الكيميائية على هيئة بودرة يجب إزالة البودرة بالكامل قبل غسل المنطقة المصابة.

وعن مدى خطورة الحروق الكيميائية الناجمة من هذه المادة أوضح أن في كثير من الحالات تحتاج الحروق الكيميائية إلى تدخل جراحي في شكل استئصال للأنسجة التالفة وترقيع المنطقة المصابة برقع جلدية، مع العلم أن الرقعة الجلدية تكون مختلفة عن شكل الجلد الطبيعي بمعنى أنه دائما هنالك تشوه نتيجة الإصابة حتى مع العمليات الجراحية، وفي حالة الحروق الشديدة قد تكون هنالك خطورة على حياة الشخص مبينا: بأنه قبل استخدام المنتج لابد من قراءة التعليمات كاملة واتباعها بدقة، كما يجب استخدام قفازات ونظارات وغيرها من الأشياء الواقية تجنبا لملامسة المادة للجلد، وفي حالة الإصابة بها لابد من إجراء الإسعافات الأولية في البيت قبل الذهاب للمستشفى.

قانون حماية المستهلك

الجدير بالذكر أن هيئة حماية المستهلك أصدرت قرارا رقم 311/ 2021 بشأن تنظيم وتداول بعض المنتجات الكيميائية ذات الطبيعة الحارقة، الخاصة بتسليك وتنظيف أنابيب التصريف في المنازل، حيث نص على أهمية إلزام المزود والمعلن عند تداول هذه المنتجات بإمداد المستهلك بالشروط المتعلقة بالصحة والسلامة والبيئة والاحتياطات اللازم اتخاذها عند الاستعمال، ووضع التحذيرات المتمثلة في قراءة التعليمات والتنبيهات المدونة على المنتجات المذكورة، وعدم خلط هذه المادة بأي منتج آخر تجنبا لحدوث أية تفاعلات تؤدي إلى الإضرار بالصحة، بالإضافة إلى تهوية المكان أثناء الاستخدام مع ضرورة ارتداء النظارات الواقية والكمامات وقفازات اليد المطاطية؛ وذلك حماية من الغازات المنبعثة من المنتج أثناء الاستخدام، وضرورة حفظ تلك المنتجات بعيدا عن متناول الأطفال، كما نص القرار على إلزام المزود بوضع التحذيرات على الرف محل العرض أو بالقرب من المنتجات مباشرة، ومع عدم الإخلال بالعقوبات الجزائية المنصوص عليها في قانون حماية المستهلك المشار إليه تفرض على كل من يخالف أحكام هذا القرار غرامة إدارية لا تقل عن 50 ريالا عمانيا ولا تزيد عن 1000 ريال عماني، وتضاعف المخالفة حين التكرار.