No Image
عمان اليوم

التجسس بين الأزواج .. هل يعد جريمة يعاقب عليها القانون؟

03 يونيو 2023
قانونيون يحذرون من انتهاك حرمة الحياة الخاصة
03 يونيو 2023

رغم قلة قضايا تجسس الأزواج في مجتمعنا، نتيجة رسوخ مبادئ احترام حرمة الحياة الخاصة وروح التمسك بالعادات والتقاليد العمانية الأصيلة، إلا أن الواقع الفعلي لهذه القضايا قد لا يطفو إلى السطح، ومن هنا تأتي أهمية إلمام المجتمع بحدود الحياة الخاصة ونصوص قانون الجزاء العماني بشأن انتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد.

وتسلط «جريدة عمان» الضوء على أهمية احترام الخصوصية بين الأزواج وعدم التعدي عليها، من أجل حفظ المودة بين الزوجين وعدم الوقوع في براثن الشك والغيرة التي تعد معول هدم للحياة الزوجية.

الحياة الخاصة

وقالت المحامية مروة بنت محمد الهنائية: نص قانون الجزاء العماني على أن «أي شخص يقوم بإتيان فعل يشكل انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة للأفراد والاعتداء عليها بتثبيت جهاز في مكان خاص بغية تسجيل الصوت أو نقل المحادثات بواسطته فإنه يعاقب عليه بالسجن مدة لا تقل عن 10 أيام ولا تزيد عن 3 أشهر».

ويختلف مفهوم الحياة الخاصة والمكان العام إذ أن هناك آراء عدة للفقهاء عن ماهية تعريف المكان العام والمكان الخاص الذي تنطبق عليه المادة 323 من قانون الجزاء العماني، إذ أن المكان العام هو المكان الذي يسمح فيه للجميع دون تمييز الدخول إليه ولا يحتاج إذنًا لدخوله مثل أماكن الاستقبال وقاعات المراجعين وغيرها ولا يعتبر وضع كاميرات أو أي جهاز داخل هذه الأماكن فعلًا مجرّمًا ولا يُعدُّ انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة، ونستطيع القول إن مثل هذه الأماكن لا ينطبق عليها نص التجريم الوارد في المادة 323 من قانون الجزاء العماني بشرط أن تكون هذه الأجهزة في مكان ظاهر وبمرأى الجميع، وقد استقر الفقه على تعريف حرمة الحياة الخاصة بـ«أنه المكان الذي يمارس فيه الشخص حياته الشخصية وطقوسه الخاصة دون السماح للآخرين بالاطلاع عليها أو الدخول فيها إلا بإذن صاحبها» مثال على ذلك المنزل والمركبة والمكتب الخاص غير المعد لاستقبال المراجعين أو الزائرين، أو قيام أحد الأزواج بوضع الجهاز ذاته في مركبة الطرف الآخر بطريقة سرية وبمكان غير ظاهر للشخص الآخر، فأي شخص يقوم بوضع أجهزة اتصال أو تسجيل في أماكن خاصة بطبيعتها وفقًا لنص القانون وبموجب المادة 323 من قانون الجزاء فجميعها تشكل انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة وينطبق عليها النص التجريمي وفق تكييف المادة 323 من قانون الجزاء.

وأشارت إلى أن تجسس الأزواج ليست ظاهرة بشكلٍ صريح في مجتمعنا الذي يثمّن مبادئ احترام حرمة الحياة الخاصة ويُذكي روح التمسك بالعادات والتقاليد العمانية الأصيلة التي غدت مضرب المثل في محيطها الإنساني، مشيرة إلى أن قانون تنظيم الاتصالات نظّم وعرّف نوعية الأجهزة التي لا يتم اقتناؤها إلا بالحصول على ترخيص من الجهات المعنية.

وأوضحت أن أغلب الحالات التي وصلتنا هي تنصت الأزواج على بعض؛ بيد أنها ليست ذائعة الشيوع، موضحة في الآن ذاته أن وضع الكاميرات المباح في المنزل يكون في الممرات وليس في الغرف الخاصة كغرفة عاملة المنزل إذ يعتبر هذا الفعل انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة بالنسبة لها.

وأكدت الهنائية أن الإجراء القانوني السليم في حال اكتشاف شخص لجهاز تنصب قد وضع في مركبته أو بيته أو أي مكان خاص به بضرورة التوجه إلى أقرب مركز للشرطة وتسليم الجهاز الذي عثر عليه لتقوم الجهة المختصة بدورها بإحالة هذا الجهاز إلى مختبر الأدلة الرقمية للتثبت من نوعه كون أن هذه المسألة فنية بحتة تختص بها هذه المختبرات؛ ذلك أن المختبر سيعمد إلى تصنيف نوع الجهاز، والتحقق ما إذا كان جهاز تتبع أم جهاز تسجيل؟ ولهذا الأمر ضرورة بالغة في تحديد ماهية الجرم، وإذا اتضح أنه جهاز تسجيل سيتم من خلاله نقل محادثة أو تسجيل صوت فيشكل بذلك فعلًا مجرّمًا بنص الفقرة «ج» من المادة 323 بقانون الجزاء العماني، بعد ذلك تستكمل الإجراءات القانونية من تحقيق وإحالة وغيره، مشيرة إلى أن مجرد وضع الجهاز في المكان الخاص دون أن يقوم بتسجيل صوت أو نقل محادثة لا يعتبر فعلًا مجرّمًا بنص هذه المادة، وبالتالي يخضع الأمر للجهات المختصة في تصنيف ماهيته والجرم الذي يشكله.

الزواج ميثاق

وقال سعيد بن إبراهيم الشعيلي، عضو جمعية الاجتماعيين العمانية: الزواج ميثاق وعهد ورابطة وثيقة بين طرفين، لكل منهما له تاريخه الشخصي والنفسي والاجتماعي والثقافي المختلف عن الآخر، وعندما يتلاقيان في العلاقة الزوجية لبناء أسرة ينبغي أن يعمل كل منهما على إشباع حاجات الآخر المتنوعة، بالإضافة إلى التعاون والمشاركة وتحمل المسؤولية المشتركة فيما بينهما، ولا شكّ في أن العلاقات الزوجية هي إحدى أهم الظواهر العالمية واسعة الانتشار، احتلت منذ العصور القديمة مكانةً عند علماء الاجتماع، لما تحمله من أهمية خاصة، لذا، فالخصوصية في هذه العلاقة من الأمور التي ينبغي احترامها؛ لضمان دوام علاقة سليمة صحية مليئة بالثقة، ولتوفير المساحة الخاصة باهتمامات وهوايات كل منهما التي تناسب شخصيتهما، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الخصوصية تختلف عن السرية في إخفاء التفاصيل عن بعضهما البعض، إذ تتعلق بوضع بعض الحدود في العلاقة واحترام كل منهما لحرية الآخر.

وأشار إلى أن الأصل في الحياة الزوجية، أنها حياة لها خصوصيتها واستقلاليتها، فلا يتدخل أحد في حياة الزوجين حتى عند حدوث بعض الخلافات الطبيعية بينهما؛ لأن الزوجين هما الأدرى بأمور حياتهما، وبينهما علاقة خاصة وأمور مشتركة لا يعلمها أحد غيرهما، وهما الأكثر معرفة بتفاصيلهما، فقد تتمثل الخصوصية ببعض الآراء والأفكار الخاصة بك التي ليس عليك مشاركتها مع زوجتك؛ كطريقة ارتدائك لملابسك التي تناسبك أو أعمال معينة تتعلق بمجالك المهني، والآراء الأيديولوجية الخاصة بك التي قد تؤدي إلى كثير من الخلافات عند مشاركتها والنقاش فيها، فيجب توسيع زاوية الرؤية فكثير من الخلافات التي تقع بين طرفي العلاقة الزوجية تكون بسبب التركيز على جزئية صغيرة والنظرة غير الشمولية، ومن الخصوصية بين الزوجين كذلك، المحافظة على أسرار البيت وعدم إطلاع أحد عليها، وبذلك يحفظ كل من الزوجين خصوصية الآخر، فالعلاقة بينهما قائمة على المودة والرحمة والحب والسكينة، فالزوج يرجع دائمًا إلى زوجته ليجد الراحة والاستقرار، وهي كذلك تبادله الحب وتشاركه همومه وأحزانه، وتجد معه الراحة والأمان والسلام.

وأوضح أن الشراكة الزوجية رغم أنها تمنح الطرفين قدرًا واسعًا من الحرية والمصارحة بين الأزواج إلا أن البعض يصر على أن يضع حدودًا للشريك الآخر تحول دون انتهاكه ومنها «هاتف الزوج/الزوجة» إذ أن الهاتف المحمول أصبح اليوم مرجعًا لمستخدمه فهو يحوي أرقامه وأسراره وحساباته ومواعيده، حتى أن البعض يكتب مذكراته اليومية، وهنا يُطرح السؤال التالي: هل تفتيش هاتف الزوج حق للزوجة أم تعّدٍ على الخصوصية والعكس؟ ويمكن القول إن تفتيش هاتف الزوج هو اعتداء واضح وانتهاك للحقوق وللخصوصية الشخصية، مما ينعكس سلبًا على العلاقة بين الطرفين، فالعلاقة الزوجية لها احترام كبير وخصوصية، ولكل من الزوجين خصوصية يجب تجنبها، ومن الناحية الشرعية لا يجوز التجسس على أشياء خاصة بالزوج، ولا أن تقوم بتفتيش أغراضه الشخصية، حيث تقوم العديد من النساء بالتجسس على زوجها وأغراضه الخاصة، بدافع الفضول في محاولة لمعرفة ماذا يخفي الزوج عنها في هذا الجهاز المحمول أو من باب الغيرة، أو لأنها تخشى دائما خيانة زوجها، فتقوم بتفحص رسائله الهاتفية، وتفحص البريد الإلكتروني الخاص به، وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتابع دائمًا أموره الشخصية، وباختصار، تفتيش جوال الزوج من شأنه أن يهدم عش الزوجية ويولّد الريبة والشك وسوء الظن وانعدام الثقة واعتداء على الحرية الشخصية للأزواج، وهذا بدوره يضر بالحياة الزوجية ويأخذ بها إلى منزلق خطير، قد يصل إلى تدهور العلاقة وانتهائها، فلا يجوز لكلا الزوجين الاطلاع على هواتف بعضهما دون علم أحدهما؛ لأن التجسس على الزوج ليس من الدين ولا الشرع، حيث يقول الله تعالى «وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً»، وبخصوص هذا السلوك يجب إشاعة ثقافة الخصوصية بين الأزواج، وإيضاح انتهاك أضرارها على العلاقة الزوجية وعلى الأسرة والمجتمع، فتتيح بين الطرفين التعامل بالثقة والاحترام والتفاهم، التي تُعد أساس الزواج الناجح، الذي يبني أيضا على الحوار المحترم والحكمة في التعامل وكذلك الصبر والحلم والأناة، فمتى ما تمت ممارستها في المجتمع والتعامل بها ارتقينا بتعاملنا وحافظنا على خصوصية علاقتنا الزوجية، «تحت شعار احترم خصوصيتي ولا تَطّلِع على جوالي».

شريك الحياة

وقالت جواهر الشبلية، عضوة جمعية الاجتماعيين العمانية: إن الشباب المتطلعين لبناء أسرة مع شريك حياة يجب أن يعلموا أن العلاقة الزوجية تختلف عن العلاقات الاجتماعية الأخرى، حيث لا ترسم بخارطتها الكثير من الحدود؛ وذلك لأنهما يتشاركان الموطن نفسه ويتقاسمان شقي الحياة بحلوها ومرها معًا، ولا مانع من أن يضع الزوجان بالاتفاق مع بعضيهما الخطوط الخاصة بكلاهما والتي لا تكون حدودًا بالمعنى العام وإنما تكون أبوابًا لا يود أحدهما من الآخر التطفل عليها كعلاقة كل طرف بأسرته مثلًا وأمور عمله؛ وذلك لرفع مستوى التفاهم بينهما وتجنبًا لحدوث خلافات مستقبلية؛ حيث تعتبر أشهر الزواج الأولى هي الأهم إذ يتم خلالها بناء صورة ذهنية من قبل أحد الزوجين باتجاه الآخر من خلال معرفة شخصيته وتوجهاته الفكرية ومستوى وعيه؛ لذلك يجب على الزوجين أن يجعلا المساحة الحوارية بينهما أكثر توسعًا لمناقشة كل ما يرغبانه أن يكون دستورًا ونقاط التقاء لسير علاقة سليمة وصحية هذا من جانب، ومن جانب آخر ولأن الزوجين «بشر» فإن كل السلوكيات البشرية واردة في العلاقة الزوجية لذلك نزل توجيه رباني لأصل وجودها وحتميته والغاية في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

وأوضحت أن الهدف الأسمى من الزواج أن تجد روحًا أخرى تشاطرها الأمان والطمأنينة والاستقرار، وتجد عندها الأنس والسكنى، لذى فإن العلاقة الزوجية الناجحة هي التي تُوجد مساحة خاصة للطرف الآخر ولا تضيّق عليه خصوصياته مثلًا كالمساحة التي يأخذها الفرد مع إخوته وأصدقائه ما لم تكن تلك الخصوصية متعارضة ومؤثره على الحقوق الزوجية طبعًا، فالشعور بالخصوصية وإيجاد مساحة خاصة للطرف شعور جميل يجد فيها المرء نفسه مبتعدًا قليلًا عن المسؤوليات الزوجية والارتباطات متوجهًا نحو اهتماماته ومجالاته المفضلة، ولا أرى من وجهة نظر شخصية ضرورة سرد كل قصص ومغامرات الحياة السابقة لشريك العلاقة الزوجية ما لم يكن الهدف منها التجربة والتعلم أو زيادة معرفة الفرد بالطرف الآخر أكثر، أما إذا كانت تلك القصص والأسرار قد تؤثر على حبل العلاقة المتين وتضعفه أو قد ترسل إليه بوادر الشك فالأفضل للزوجين عدم التطرق إليها وتركها في صندوق الذكريات للمضي لحياة هادئة وناجحة.

وأكدت أن العقد الشرعي وشهادة الشهود لارتباط فردين من نوعين مختلفين بيولوجيًا تحت سقف واحد لا تعطي الحق لأحدهما التجسس على الآخر أو التطفل على خصوصياته؛ ولا تشفع لمثل هذا الفعل السلطة الزواجية لأن يتتبع أحدهما تفاصيل يوم الآخر ويظهر ما يحاول هو عدم إظهاره، فهذه التصرفات لا تغرس إلا بذور الشك والغيرة السلبية في العلاقة التي يستوجب أن تنبت فيها مشاعر الثقة ليس إلا، ولا يشير مفهوم إزالة الحواجز إلى التجسس الذي لا يصل بالعلاقة إلى التطور والنمو وإنما يعني التقبل والتفهم والحوار والمناقشة بين الزوجين بكل ودٍ وصدقٍ، وتقوم العلاقات الزواجية الناجحة على أساس متين منذ بدايتها وعلى تفهم الآخر والتماس العذر والثقة المتبادلة، فكلما أعطى الزوجان فسحة لبعضيهما من مسؤوليات الحياة الزوجية مع عدم إهمال حقوق الطرف الآخر كان هناك تجدد ونمو في العلاقة.