عمان اليوم

الابتزاز الإلكتروني.. أساليب متطورة وضحايا خلف الستار

18 يوليو 2023
عدم الرضوخ لمطالب المبتز والإبلاغ مباشرة
18 يوليو 2023

خالد الرواحي: التعامل مع القضايا بالسرية التامة واحتوائها وحلحلتها

حليمة المعنية: الكثير من الضحايا يختارون ممارسة حياتهم وسط الخوف والقلق

تتزايد جرائم الابتزاز الإلكتروني مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي التي حولها المبتزون إلى وسيلة لاصطياد ضحاياهم، و يلجأون باستمرار إلى تطوير الأساليب الاحتيالية، وحذر مختصون من الوقوع ضحايا للمبتزين والرضوخ لمطالبهم ودعوا إلى ضرورة الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم مباشرة، حيث إن التعامل مع هذه القضايا يتم بسرية تامة، وإن عدم الإبلاغ والتستر عنها يؤدي للعديد من المشكلات النفسية مع اختيار الكثير من الضحايا ممارسة حياتهم وسط الخوف والقلق.

ويوضح خالد سيف الرواحي، مدير إدارة المخاطر والحوادث السيبرانية، أن حالات الابتزاز الإلكتروني في تزايد مستمر وذلك لانتشار البرامج والتطبيقات الإلكترونية، كما ساعد التعليم عن بعد والخدمات الإلكترونية الكثيرة من تزايد هذه الحالات بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أن أساليب الابتزاز التي يستخدمها المُبتز للإيقاع بالضحية تختلف من فترة لأخرى لأن الطرق القديمة أصبح الأفراد مدركين لها، وبالتالي يلجأ المُبتزون لتحديث الطرق لاصطياد ضحاياهم، ويحذّر الرواحي أنه لابد على الضحية بعد وقوعها بالمشكلة القيام بحظر المبتز من جميع برامج التواصل الاجتماعي وعدم التفاعل معه وعدم الرضوخ لأي طلب كان.

ويُشير إلى أنه يتم التعامل مع قضايا الابتزاز بالسرية التامة للحفاظ على الترابط الأسري واحتواء القضايا وحلحلتها داخل أروقة الشرطة وذلك عبر استدعاء المبتز وأخذ أقواله وتعهده بعدم التعرض للضحية وحذف جميع الأشياء التي يستخدمها للابتزاز لذلك يجب على الضحية أن لا تتردد في الإبلاغ عن المُبتز، أما المبتز من خارج سلطنة عمان إذا كان معلوم المصدر فيتم التنسيق مع الشرطة الدولية من أجل مقاضاته في تلك الدولة، مشيرا إلى صعوبات حل مثل هذه القضايا.

الآثار النفسية

تقول حليمة المعنية، باحثة اجتماعية بوزارة الداخلية، وعضوة بجمعية الاجتماعيين العمانية: إن الابتزاز الإلكتروني أحد الجرائم التي تؤذي الضحية نفسيًا وتجعله يعيش في دوامة مليئة بالوسوسة، وبالتالي يصبح الوضع النفسي له سيئًا للغاية نتيجة ما يصاحبه من تفكير مستمر في عواقب ذلك التهديد، كما أن الشعور بالخوف والقلق المستمرين من أي أحداث مرتبطة بموقف الابتزاز يدفع بالكثير من الضحايا إلى الاعتياد على ممارسة حياتهم اليومية في ظل سيطرة نفسية مزعجة، وتخيّل كل ما هو سلبي حتى يتطبع بتلك الأفكار التي قد تحول دون التخلص من الشعور بالذنب والعار كليًّا حتى وإن تم معالجة المشكلة بشكل قانوني وسري من قبل الجهات المختصة.

وتحذر حليمة المعنية أنه يجب في (بداية واقعة الابتزاز) على الضحية محاولة إنهاء الخوف ذاتيًا أولاً بصورة عاجلة وطمأنة نفسه بعبارات تخفف من حدة الشعور بحجم المشكلة، ثم الشروع في البحث عن حلول مجدية وعقلانية وأكثر واقعية: كالاتصال بدوائر مكافحة الجرائم الإلكترونية أو التواصل مباشرة دون تردد مع شرطة عُمان السلطانية للتبليغ عن حالة ابتزاز، أما مرحلة (ما بعد واقعة الابتزاز) فيجب على الضحية محاولة الحديث مع مختص نفسي موثوق متى ما ألزم وضعه النفسي ذلك، وإبداء الرغبة الصادقة في التخلص من أية مشاعر سلبية وعدم التفكير بالموضوع بشكل نهائي من خلال الإيمان الحقيقي بأن الابتزاز والتهديد ما هو إلا مجرد مسألة وقتية وسوف تزول شدتها، أو يتم ذلك أيضًا من خلال الاستنجاد بالحديث مع صديق مقرب جدًا واستشارته في تلك الوقائع ومجرياتها باستخدام عنصر "الفضفضة" للشعور بالراحة وتقليل الضغط النفسي المصاحب للمشكلة، وبالتالي عدم الدخول في مرحلة الوسوسة القهرية كالتفكير بالأبعاد المستقبلية لواقعة الابتزاز؛ لأن هذه المسألة من شأنها أن تخلق حالة من التوتر النفسي وعدم الراحة والطمأنينة بشكل مستمر.

وذكرت حليمة المعنية، أن من أبرز حالات الابتزاز الإلكتروني التي تم التعامل مع آثارها بعد وقوع المشكلة بفترة زمنية، وهي أن الفتاة لاحقتها شكوك وشعور بنوع من التهديد النفسي وحالة رعب وخوف كبير من ارتياد مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة بحثها المستمر عن كلمات لها علاقة بالتهديد كالبحث عن اسمها بشكل مستمر في محركات البحث العالمية، والبحث عن عبارات مزعجة و كلمات مقلقة كـ" فضحية"، وأيضًا وضع فرضيات غير منطقية، و التوسع الكبير في التفكير السلبي، وطرح بعض التساؤلات بشكل مستمر (مثل: ماذا لو عرف فلان،،، ما الذي سيحدث لو... إلخ )، وتم التعامل معها بشكل علمي وسري وإسداء النصيحة بطريقة تخفف من حدة الآثار التي لاحقتها.

ومن جانبها تقول فاطمة الجابرية، أخصائية اجتماعية، يمكن أن يسبب الابتزاز الإلكتروني توترًا في العلاقات الشخصية والاجتماعية للضحية، قد يشعر الضحايا بالعار والخوف من ردود الفعل السلبية، مما يجعلهم يتجنبون التواصل مع الأهل والأصدقاء، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الشعور بالعزلة والوحدة، وقد يتأثر أداء الضحايا في مجالات العمل والتعليم بشكل سلبي بسبب الضغوط النفسية والعاطفية المرتبطة بالابتزاز الإلكتروني، بالإضافة لذلك فقد يجد الضحايا صعوبة في التركيز على المهام والمسؤوليات، مما يؤدي إلى ضعف الأداء وتدهور النتائج.

إحصائيات رسمية

وبحسب دراسة أُجريت عام ٢٠٢١ حول الابتزاز الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي في سلطنة عمان فإنه منذ عام ٢٠١١ حتى عام ٢٠١٦ شهدت السلطنة ٢٦٩ حالة تعرض للابتزاز الإلكتروني، وفي عام ٢٠١٦م وحدها شهدت ١٦١ حالة ابتزاز من مجمل ٣٥٥ حالة من مختلف جرائم تقنية المعلومات، كما أن ٩٠٪ من حالات الابتزاز موجهة للرجال ومعظمها حالات مسجلة من خارج السلطنة، وأن ١٠٪ فقط من حالات الابتزاز موجهة للنساء ويعزى ذلك إلى تحفظ النساء عن الإبلاغ عن هذا النوع من القضايا، وفي عام ٢٠١٧ كانت حالات الابتزاز الإلكتروني المسجلة هي ١٤٧٩ حالة، و في عام ٢٠١٨ لتصل ١٤١٤حالة، أما عام ٢٠١٩ فقد وصلت إلى ٨٩٤ حالة، كما وصل عدد الجرائم الإلكترونية عام ٢٠٢٠ إلى ٢٢٩٢ حالة.

ويعد الابتزاز الإلكتروني من بين الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالمرسوم السلطاني ٢٠١١/١٢ بالمادة (١٨)؛ حيث أوضحت هذه المادة أنه: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عُماني ولا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عُماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعا، وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال عُماني ولا تزيد عن عشرة آلاف ريال عُماني إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور مخلة بالشرف أو الاعتبار".