إعادة بناء "حصن السيب" إحياء لرمزيته ومكانته التاريخية
يرتبط حصن السيب ارتباطاً وثيقاً بتاريخ سلطنة عمان وأحداثها منذ القدم، حيث يعد رمزاً تاريخياً وتراثيا شاهداً على حقب من التاريخ العماني، وبعد سنوات من اندثار الحصن استبشر أهالي السيب بطرح وزارة التراث والسياحة مؤخراً مناقصة إعادة بنائه باعتباره رمزاً من رموز الولاية وارتبط بالعديد من الأحداث والذكريات لدى أهالي الولاية الذين عاشوا تلك الحقبة، منه يطلق المدفع لرؤية هلال شهر رمضان المبارك ويستقبل الوالي المهنئين في العيدين، وتقام «حلقة العيد».
«عمان» اقتربت من مواطنين عايشوا تلك الذكريات للحديث عن أهمية عودة بناء هذا المعلم وما يمثله من رمزية في تاريخ ولاية السيب.
رموز تاريخية
قال الدكتور يحيى بن سعيد الحسني، باحث في الإدارات الاستراتيجية والتاريخ: تعد الحصون والقلاع للعمانيين رموزا تاريخية يتحقق بهما العدل والنظام، ويعد حصن السيب من الحصون التاريخية التي يرتبط بها الكثير من الأحداث.
اشتهر الحصن قديما باعتباره مكانا لإصدار الأحكام القضائية وجلسات المشورة، واحتضن أهم الاتفاقيات بين السلطان والإمام والتي تعد بداية لتوحد عمان تحت نظام حكم واحد.
وأشار إلى أن عملية إعادة بناء هذا المعلم سيشكل دلالة تاريخية للولاية من حيث تعريف الاجيال القادمة برمزيته ودراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذا الحصن.
خبر سار
وقال هاشم الشامسي، مؤلف كتاب «السيب .. رباط العلماء والقادة المسلمين»: إسناد مناقصة لإعادة بناء حصن السيب من قبل وزارة التراث والسياحة يمثل خبراً ساراً لأهالي ولاية السيب، وكان لنا في ذلك دور في المطالبة، والبداية هي بعد أن كتبت قصيدة طويلة بعنوان: «هِبةُ الفجر في حُبِ مدينة السيب» وفيها من الأبيات التي تستنهض لإعادة بناء حصونها وأذكر منها هذا المقطع:
«لكنكِ أيتها المصونةُ
أين هي حُصونُكِ؟
لم يبقَ لها أثرٌ
أين اليوم حُصنُ السِّيب؟
حُصناً منيعاً في الشدة وواحةً للسلام
على عَرينه أرختِ القبائلُ سُدولها
فكانت اتفاقية السيب
أين اليومَ حُصنُ دَما؟
تاريخُهُ المجيدُ
أين أنتَ اليوم يا حصن
من ذاكَ الزَمانِ؟
ولصاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد جهود في تسريع طرح مشروع إعادة بناء هذا المعلم التاريخي.
وأشار إلى أن حصن السيب ذلك الحصن الشامخ الذي يقع بالقرب من السوق ويطل على البحر مقابل الشاطئ يُعد من أبرز وأهم المعالم في الولاية، وتقام بالقرب منه «حلقة العيد» حيث يتجمع الناس من مختلف الأعمار ويزهو المكان بالحركة والنشاط وتعلو الفرحة والابتسامة وجوه الناس، ويمثل هذا الحصن رمزاً تاريخياً لمكانة السيب الثقافية وفخراً لأبناء هذه الولاية.. مشيراً إلى أن السيب قديماً كانت تتميز بحصونها وأبراجها المتعددة إلى جانب العديد من الأسوار والمعالم الأثرية والسياحية التي سجل لها التاريخ مكانتها وكان لها موقعها مثل حصن «دَمَا» الذي حمل اسم المدينة في فترات سابقة، ويعتبر حصن السيب أحد المعالم التاريخية المهمة في سلطنة عمان وكان له دور بارز في الأحداث السياسية والاجتماعية، كما كان مقراً لمكاتب الوالي والقاضي وكان يعج بالحركة والنشاط من قبل السكان الذين يأتون إليه لحل قضاياهم ومشكلاتهم، وفي مناسبات دخول شهر رمضان أو حلول عيد الفطر أو عيد الأضحى يتم إطلاق مدفع العيد من أمام مبنى الحصن، واحتضنت ولاية السيب معظم الاجتماعات الخاصة المعروفة بـ «اتفاقية السيب» وكان لحصن السيب دور بارز ومهم في التقاء الأطراف التي بدأت اجتماعاتها التمهيدية في ديسمبر 1913م، واستمرت هذه الاجتماعات والمبادرات لمدة سبع سنوات، وبعد نقاش مستفيض بين الطرفين توصل الجانبان في 25 سبتمبر 1920م رسمياً إلى التوقيع على اتفاقية السيب.
وأضاف: من الذكريات الجميلة الخاصة بحصن السيب أتذكر عندما كنت طالبا في المدرسة في فترة الإجازة الصيفية عملتُ ككاتب في مكتب سعادة الوالي وكان الوالي في تلك الفترة هو السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي والشيخ بدر بن سالم السيابي مساعداً للوالي، كذلك من الذكريات الجميلة كان يقع أمام الحصن ملعب ترابي لنادي السيب وكنا كأشبال لفريق النادي نمارس لعبة كرة القدم، وتقام على هذا الملعب العديد من المباريات، ويعتبر حصن السيب رمزاً شعبياً لسكان الولاية حيث أنه في مناسبات دخول شهر رمضان أو حلول عيد الفطر أو عيد الأضحى يتم إطلاق مدفع العيد من أمام مبنى الحصن وبعد الانتهاء من صلاة العيد ينشدون الأهازيج والرزفة بالطبول متوجهين إلى مجلس سعادة الوالي في الحصن للسلام عليه وتناول قهوة العيد، وعند الوصول أمام مبنى الحصن يتم إطلاق مدفع العيد وهم مستمرون في أهازيجهم وفرحهم، كذلك كانت حلقة العيد تقع بجانب حصن السيب حيث نقضي أوقاتاً ممتعة ونحن نتجول بين بائعي الحلويات والملابس الزاهية وأضاحي العيد، كما تقام أمام الحصن الألعاب وأهازيج الأعياد وتقدم فنون الرزحة من ضمنها «عزوة السيب» وهي عبارة عن فن يُجسد كيف كان أجدادنا يتأهبون للحرب قديماً، لكن حاليا يؤدى كفن إلى جانب الرزحة بالسيف والترس حيث يتجمع الناس من جميع الأعمار نساءً ورجالاً وصغاراً. وكان حصن السيب هو الرمز الذي يلتف حوله الناس رافعين أعلام الوطن ويتبادلون التهاني وتغمرهم السعادة والفرح والسرور.
يقع حصن السيب في منتصف المسافة بين الحي الذي كنت أقطنه وهو حلة الصبارة وبين سوق السيب الذي كنت أذهب إليه يوميا، لذلك يمثل حصن السيب برمزيته الشعبية والتاريخية والسياسية ارتباطاً بذاكرة أبناء ولاية السيب من حيث المكان والزمان والإنسان، وقيمة جمالية لدى أهالي الولاية الذين ألفوه وأحبوه وأصبح راسخاً في مخيلتهم.
مجلس الوالي
وأكد الشيخ راشد بن سليم النهدي أن حصن السيب هو أحد أبرز المعالم التاريخية والتراثية بالولاية، وشاهد على حقبة زمنية مهمة في تاريخ سلطنة عمان، حيث شهد الحصن أحداثاً تاريخية مهمة وكان المقر الذي تدار منه شؤون الولاية حيث يفتح فيه الوالي مجلسه الذي يعتبر في تلك الفترة بمثابة المكتب الذي يستقبل فيه المواطنين لإدارة وتسيير شؤونهم و حل خلافاتهم .
وقال النهدي: أذكر تولي عدد من الولاة منهم الشيخ خلفان بن عثمان الخروصي ومن بعده جاء والياً على السيب السيد حمود بن نصر البوسعيدي ومن ثم السيد مرداس البوسعيدي، ومن بعده السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي، كما أذكر أحد الكتاب الذين كانوا لدى الولاة وهو حمد بن سالم العامري الذي كان يكتب للوالي وهو من أبناء ولاية السيب.
وأضاف: في تلك الحقبة كان الناس يصلون إلى مكتب الوالي على الدواب، حيث يصلون ويستقبلهم الوالي وفي حال وجود خلاف بين شخصين يقوم الوالي حينها بتوجيههم إلى الشيخ المسؤول عن المنطقة التي فيها المتنازعان للصلح بينهما وإرسال رسالة للوالي تفيد بما تم الاتفاق عليه.
وبين النهدي أن من بين مهام الحصن في تلك الحقب الزمنية القديمة هو إطلاق المدفع الموجود بالحصن لإعلان يوم عيد الفطر، حيث يكلف الوالي الشيوخ لإبلاغ المواطنين بتحري رؤية الهلال ومن يراه يقوم بإبلاغ الشيخ الذي بدوره يضمن شهود اثنين على من شاهد الهلال وإذا تم التأكد يتم إطلاق المدفع إعلاناً بحلول العيد.
استقبالات العيد
وقال حمود بن مبارك المحرمي، من أهالي حلة الشريجة: حصن السيب من الحصون العريقة في التاريخ العماني إذ تم فيه التوقيع على العديد من المعاهدات وهو بمثابة رمز لولاية السيب إذ كان مرجعاً لكافة القضايا في الولاية وقد عاصرنا في ذلك الزمان العديد من الولاة في حصن السيب، وقد استبشر فرحا بإسناد وزارة التراث والسياحة مؤخراً مشروع إعادة بناء حصن السيب، ونأمل مع اكتمال إعادة بنائه أن تعود إليه مكانته.
