أساليب الدعوة إلى الله.. هل استثمرت وسائل التواصل الاجتماعي؟
إعادة صياغة الأفكار كي تكون أكثر جذبا ومزاحمة للمحتوى -
استطلاع: ماجد الندابي
د.خالد السيابي: كلما أبدع القائمون عليها بعد إخلاصهم وتوجههم إلى الله سيحصل الأثر والمنفعة منها
علي الجهضمي: قد تكون الفكرة حسنة في ذاتها لكن عرضها لا يزاحم ولا يشوّق ولا يجذب الناس
محمود الندابي: معالجة الظواهر السلبية بتبيان خطرها وتعزيز الظواهر الإيجابية والتنويه بها
سعود الفارسي: لا تغني المساحات الصوتية عن المحاضرات والدروس المسجدية؛ لأن للمسجد روحا وحياة
الحياة العصرية الرقمية حتمت على الناس أن يمسكوا هواتفهم في أغلب أوقاتهم وهم يتابعون برامج وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها وأنواعها، فهنالك في حياتنا اليومية انجذاب هائل لكل ما يتعلق بالأجهزة الذكية الحديثة والجري وراء اقتنائها واستخدامها جعل الإنسان يبتعد عن العوالم الروحية المتعلقة بعلاقة الإنسان بذاته وتأملاته فقد أصبح مشغولا مشدوها بكل ما هو مشاهد ومسموع ومقروء، فلذلك من أجل إرجاعه إلى ذاته المتأملة وإلى روحه المطمئنة التي تقترب من خالقها ومن حقيقة خلافتها لهذه الأرض وعبادتها لله عز وجل، هل عاصرت الدعوة إلى الله مقتضيات العصر، وهل استثمرت برامج وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة في إيصال رسائلها إلى الجمهور؟ وهل نجد في هذه البرامج معالجة لبعض الظواهر المجتمعية؟ وهل الأولى أن يقوم الدعاة من خلال استخدام هذه البرامج بمعالجة الظواهر السلبية أو التعزيز من الظواهر والصور والنماذج الإيجابية ونشرها؟ هل من الممكن أن تحل المساحات الصوتية في تويتر بديلا عن المحاضرات التي تقام في المساجد؟ بسبب تزايد الأعداد التي تدخل هذه المساحات الصوتية التي قد تصل إلى الآلاف، وما التحديات التي تواجهها أسالب الدعوة الحديثة؟ كل هذه التساؤلات يحاول هذا الاستطلاع أن يجيب عنها..
يرى الدكتور خالد بن سالم السيابي رئيس الجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم أن الأمة في هذا الزمن ليست أحوج ما تكون إلى الأساليب المعاصرة الجديدة منها عن الأساليب الأصيلة فهو يقول: «إن كل وسيلة دعوية قام بها الأنبياء والمرسلون وكل الدعاة والمصلحين في أطوار التاريخ هي وسيلة ناجحة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى» ويضيف: «إن أساليب نوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام وسائر الأنبياء والمرسلين على رأسهم محمد -صلى الله عليه وسلم- هي الوسائل الأعظم والأجدى والأرفع مقاما، فهذه القضية يجب أن ينتبه إليها جميع المصلحين؛ لأن قصص الأنبياء والمرسلين التي زخر بها القرآن الكريم هي في الحقيقة عبارة عن أحكام وتشريع وتوجيه وبيان في الأمر العام.
فالنزول إلى الميدان على سبيل المثال والدعوة الصريحة والمباشرة التي تكون وجها لوجه، هي من أقوى الدعوات وأكثرها تأثيرا، والحوار مع الأقوام والحديث معهم أفرادا وجماعات هي مناهج دعوية أصيلة يجب أن تتصدر كل وسائل وطرق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن تستبدل بها طرق معاصرة وتكون أنفع وأنجع من تلك الطرق».
ولكنه في الوقت نفسه يرى السيابي أن «كل الوسائل التي جاءت مع الثورات العلمية والتقنية ووسائل التواصل الحديثة، كلها وسائل تقبل أن يستفاد منها بدلا من المحاضرة التقليدية والنظام العادي في المساجد والاجتماعات العامة، فيكون اللقاء مثلا عبر برنامج «زوم» مثلا أو «جوجل ميت» فهذه لقاءات فيها فائدة ونفع، وكذلك كتابة المقالات النافعة المفيدة عبر المدونات، وبرامج أخرى مثل «فيسبوك» أو عبارات قصيرة مثل «تويتر»، أو المقاطع المرئية القصيرة ذات المضامين المركزة، وكلما أبدع القائمون عليها بعد إخلاصهم وتوجههم لله أن يجعل فيها الأثر فإن هذه المقاطع تؤثر بعد نشرها في الوسائل المختلفة سواء كانت في «اليوتيوب» أو «الانستجرام» أو «السناب شات» أو «حالات الواتساب» التي يشاهدها مئات من الناس فتبلغ رسالتك ليحصل الأثر والمنفعة منها».
في حين يذهب علي بن سليمان الجهضمي الباحث في مكتب الإفتاء إلى أنه «عندما نتحدث عن أساليب الدعوة الحديثة فإننا ينبغي أن نتحدث عن الأمور التي تشملها الدعوة إلى الله تعالى، الدين هو حياة يحياها المسلم وليست مجرد شعائر يؤديها في وقت معين، أو مكان معين، أو بطريقة معينة، بل الدين هو حياة كما قال المولى جل وعلا: «قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ».
ويضيف بأن «الدعوة إلى الله تعالى ليست مقتصرة على نمط معين من الإصلاح والتنوير أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل كل ميدان من ميادين الإصلاح سواء كان في الجانب القانوني مثلا أو الجانب الأكاديمي أو التعليم العام، والأسرة، والجانب الصحي، أو كل ما يصلح الحياة العامة، وكل ما يمكن أن يصحح أخطاء الإنسان في طريقة تعامله فيما بينه وبين الله أولًا ثم فيما بينه وبين الناس وفي تعامله مع هذا الكون، فالأساليب تتطور من زمن إلى زمن، فهنالك المقروء وهنالك المسموع، والمرئي، وهناك نوع من أنواع الدعوة إلى الله تبارك وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق قنوات وأدوات مختلفة، فلا ينبغي أن نحصر أساليب الدعوة إلى الله تبارك وتعالى في مجرد توعية مرئية أو مسموعة أو مقروءة ونقول هنا الدعوة وانتهى الأمر، بل الدعوة تشمل كل قدرة على الإصلاح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويخاطب بها جميع أفراد المجتمع كل بحسب طاقته وقدرته واطلاعه ومعرفته وعلمه، وذلك قال الله تعالى: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فـ«من» هنا ليست للتبعيض، فليس هنالك فئة من الناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بل كل قادر على الأمر بالمعروف وتغيير المنكر هو مخاطب بهذه الدعوة، ومخاطب بتوجيه الإصلاح في المجتمع».
وأشار الجهضمي إلى أن «الأساليب الحديثة التي تتناسب مع مقتضيات العصر تتنوع بتنوع الأدوات التي يمكن أن يستخدمها الإنسان ربما يكون إنسان في منصب ما ربما يكون في مقام إدارة ما أو في تجارة، أو مدير في القطاع العام، أو صانع قرار، أو رائد أعمال، فذلك أيضا مجال رحب لكي تكون دعوة المسؤول بإصلاح القطاع الحكومي، ودعوة التاجر بإصلاح القطاع التجاري، ودعوة الأكاديمي بإصلاح الفكر الذي يبث للطلبة، وكذلك إذا جئنا إلى بعض القطاعات، مثل وزارة الأوقاف وغيرها ممن هم معنيون بالتأصيل العلمي والفتوى وغير ذلك مما يحتاجه الناس في تبيين الآراء الفقهية إلا أن ذلك لا يعني أن الإفتاء مثلا أو الوعظ والإرشاد تنحصر فيه الدعوة، والأساليب مجالها واسع ونطاقها رحب كبير». أما محمود بن علي الندابي الداعية الناشط في برامج التواصل الاجتماعي فيرى أن«الدعوة إلى الله بمفهومها الواسع والكبير تستوعب شتى الأساليب والطرائق التي يمكن الاستفادة منها في إيصال الأهداف المتوخاة، ولذلك فإن الأساليب تختلف من زمان إلى زمان بحسب طبيعة المجتمع ومتغيراته، وكذلك بالنظر إلى الفئة المستهدفة، وفي العصر الحديث توجه الناس كثيرا إلى المجال التقني والتطبيقات التكنولوجية، وأصبحت هي الجاذب الكبير لهم، ولذلك فإن أساليب الدعوة السابقة من دروس ومحاضرات ومواعظ وخطب لابد أن تتواكب مع هذا التطور التقني، ولذلك أرى من الأهمية بمكان استخدام التقنية الرقمية وتوظيفها في أساليب الدعوة والعناية أيضا بوسائل التواصل المتعددة والمواقع التي تجذب الجماهير بحيث تتضمن هذه الوسائل مقاطع هادفة أو كلمات مختارة ومنتقاة إضافة إلى اللقاءات المباشرة والمساحات الحوارية التي يخطط لها، وكم رأينا من كلمات منتقاة أو مقاطع قصيرة تؤثر كثيرا في المتلقين وتنتشر انتشارا واسعا».
معالجة الظواهر المجتمعية
من خلال برامج التواصل
ويختصر السيابي طرق معالجة الظواهر المجتمعية من خلال برامج التواصل عبر طريقتين: «الأولى هي اللقاءات المفتوحة العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فتكون محاضرات ودورات متخصصة في معالجة تلك الظواهر، ولا شك أن الدورة تكون أكثر تركيزا من المحاضرة، وهي وسائل مؤثرة ولا سيما عندما يكون أعضاء هذه الدورة لديهم الرغبة في إزالة تلك الظواهر من حياتهم.إضافة إلى وسيلة أخرى وهي إنشاء مقاطع لتلك الظواهر بعينها، إما من خلال تسليط الضوء المباشر عليها أو من خلال وضعها في قالب تمثيلي لإيصال الفكرة بأسلوب جيد، ومن الوسائل أيضا فتح أبواب الاستشارات عن طريق الوسائل الإلكترونية، وهذه تتعلق بأصحاب الاختصاص وهم كثر في وسائل التواصل الاجتماعي».
ويصف الجهضمي برامج التواصل الاجتماعي بأنها «سلاح ذو حدين، ويمكن أن تستخدم للإصلاح ويمكن لمعالجة بعض الظواهر السلبية؛ ولذلك ينبغي أن ينظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي على أنها سلاح ينبغي أن تحسن إدارته، وذلك عبر بعض المقدمات التي ينبغي أن نفهمها، أولًا: الدخول إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي ينبغي أن تحكمه النية في الولوج إلى هذا العالم، هل النية هو الصلاح والإصلاح والاستفادة في الدين والدنيا، أو أنه مطلق اللهو واللعب هو الدافع في الدخول إلى هذا العالم؟
ثانيا: هل هذه الوسائل نفعها أكبر من ضررها؟ فإذا كان هنالك نفع لوسائل التواصل الاجتماعي، يدخل الإنسان إلى هذا الميدان من أجل أن يبث دعوة الله سبحانه وتعالى، وعند دخوله إلى هذا العالم يستحضر أن هذه الوسائل أصبحت منبرا لكل أحد، كل يعرض فيها بضاعته، قد تكون تلك البضاعة مزجاة، ولكل فكرة هنالك من يتبناها مهما كان علوها أو دنوها، مهما كانت صحتها أو بطلانها، مهما كان صلاحها وفسادها، لأنه منبر مفتوح لكل أحد، ومن هنا كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالسلاح الذي ينمي الإيجابيات ويقضي على السلبيات، وذلك يرجع أيضا إلى التخصص والنطاق الذي يحسنه الإنسان، فالطبيب يعالج الظواهر السلبية المرتبطة بالصحة، والمهندس يعالج الأخطاء المتعلقة بواقع الناس، فكل ذلك من الدعوة أصلا، وهذه من الجوانب التي يؤجر عليها الإنسان، والأهم في إصلاح ومعالجة الظواهر السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي الجانب الديني والتوعية الأخلاقية، وينبغي أن تستغل بمزاحمة المحتوى، فهنالك مشكلة في المحتوى الذي يبث في وسائل التواصل الاجتماعي، فينبغي أن يكون هنالك بذل وعطاء ومزاحمة لكل من يحسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي».
ويؤكد على «أن دورا عظيما ينبغي أن يقوم به أصحاب الإعلام أو أهل الفن في صناعة المحتوى المقروء والمسموع والمرئي؛ لأن المحتوى لا يقتصر على الفكرة فقط، فقد تكون الفكرة حسنة في ذاتها لكن عرضها لا يزاحم ولا يشوّق ولا يجذب الناس، فينبغي أن يضطلع أصحاب الفن والإعلام من أصحاب الخبرة بمسؤوليتهم من خلال تحسين عرض هذا المحتوى الذي يشمل الأفكار الصحيحة والأفكار التي يمكن أن تنور المجتمع».
ويرى الندابي أن برامج التواصل الاجتماعي «أضحت من أكثر الوسائل التي توضح طبيعة المجتمعات وتوجهها وما يحصل لها من تغيرات أو ظواهر مختلفة، ولها تأثير كبير في توجيه مستخدميها ومتابعيها نحو غايات محددة، فتأثيرها يضاهي وسائل الإعلام الأخرى، ولذلك يأتي دور المربين والدعاة في العناية بهذه البرامج بدءًا في تثقيف الناس بكيفية الاستفادة منها والتعامل معها وما تضمنه من إيجابيات وسلبيات على حد سواء.
كما ينبغي المشاركة فيما يطرح فيها من أفكار وتوجهات وبيان صحتها من خطئها والعمل على استغلالها في نشر المعرفة الحقيقية والتأكيد على القيم والمبادئ والأخلاق الحسنة، وكم من حركات أو تيارات استغلت هذه البرامج في الترويج لفكرها وأهدافها ولولا وجود أناس واعين ومربين ومصلحين لحصل رواج لهذه الأفكار الهدامة والتيارات الخطرة على الدين والأخلاق والقيم. ولذلك ينبغي العناية بها والعمل على إيصال الرسالة السامية للجميع بأساليب محببة وجاذبة وبطريقة سهلة وميسورة مراعاة لجميع الفئات»
ويرى الداعية سعود بن عبدالله الفارسي أن «هناك الكثير من القضايا الاجتماعية التي عولجت بواسطة هذه الشبكات، ويكفي أنَّها ترفع من مستوى وعي الناس كما أنها تشكل ضغطًا كبيرًا على المجتمع والحكومات».
معالجة الظواهر السلبية
أو تعزيز النماذج الإيجابية
يشير خالد السيابي إلى أن «كلا الأمرين مهمان، وإن كان علماء التزكية من المسلمين ينصون على قاعدة جليلة « التخلية أولى من التحلية»، أي التخلي عن الجوانب السلبية في النفس يسبق الاتصاف بالصفات الحسنة لأن القلب والنفس لا تعلق فيهما الصفات العظيمة وهي متلبسة بالأدران والنجاسات المعنوية مثل الحسد والعجب والظهور والرغبة في المناصب لأجل الاستعلاء في هذه الحياة الدنيا والتشفي من الناس وكل هذه الصفات السيئة، فهي تحجب عن القلب الصفات الحسنة كالإخلاص، واليقين، والزهد، وحقيقة التوكل على الله سبحانه وتعالى والرغبة في الآخرة والخوف من الله والرجاء لثوابه.لكن هذا لعله يكون بالنسبة إلى الفرد في ذاته أو إصلاح النفس، ولكن في إصلاح الغير يجب أيضا أن نعزز الصفات الإيجابية والتنويه بها، وتعزيزها وإظهارها لنشر الخير». أما علي الجهضمي فيبين أن: «الدعوة إلى الله تعالى تشمل شقين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، القضية ليست عدم ذكر الباطل كما يقول بعضهم أميتوا الباطل بالسكوت عنه، ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة، هنالك معروف ينبغي ان يحث الناس عليه وأن يؤمر به وأن ينمى، وهنالك منكر ينبغي أن يحذر منه، عندما نتحدث عن الامر بالمعروف ينبغي أن نتحدث عن الجانب المشرق الذي ينبغي أن ينمى في المجتمع، فهما شقان يسيران على وتيرة واحدة، لا ينبغي أن نتجاهل المنكر ويقال بأن نركز على الأمر بالمعروف دون أن ننبه الناس إلى بعض الأخطاء، وأيضا لا يقال بأن التركيز على جانب الأخطاء والسلبيات التي يحذر منها دون ذكر الإيجابيات التي ينبغي أن تظهر وتبث، لتدخل روح التفاؤل في المجتمع، فهما يمكن أن نعبر عنهما بجناحي الطائر اللذين يرفرفان معا لتستقيم الوجهة إلى صلاح المجتمع وإصلاحه.
وهنالك نقطة ينبغي ان تفهم في هذا الميدان وهي مسألة النماذج السيئة التي ينبغي أن تطمس بعدم ذكرها، فنفرق بين التحذير من المنكر، وبين إشهار المنكر، ولا يجعل للتافه مقام أعلى من مقام التحذير منه، فنالك بعض المتسلقين للشهرة حتى بالمنكر، أو ببعض التفاهات التي تبث، فهنا يحذر من هذا المنكر ولكن لا يعلى من شأن أصحاب ذلك المنكر، فهؤلاء لا يضرهم أن تكون شهرتهم بهذا السوء والتفاهات التي يقومون بها».
ويذهب إلى ذلك أيضا محمود الندابي فهو يجد أن هذه البرامج «تضم الظواهر الإيجابية والسلبية، ولذلك لابد من العمل على المسارين معها، فيجب معالجة الظواهر السلبية بتبيان خطرها وأضرارها وتقديم الحلول الناجعة لها والبدائل الممكنة والمتاحة، وفي المقابل يجب تعزيز الظواهر الإيجابية والتنويه بها للمحافظة عليها ودعوة الآخرين إلى الاقتداء والتأسي بها. وهذا أمر مهم فالترغيب والتحبيب للنماذج الحسنة والطيبة له دور كبير وأثر عظيم في نفوس المتلقين خصوصًا إذا صدر من الناس المنظور إليهم».
ويؤكد الفارسي على ذلك بقوله: «الجانبان مطلوبان وينبغي السير في خطين متوازيين، فالجمع بين معالجة الظواهر السلبية وبين التعزيز من الظواهر الإيجابية ممكن جدًا ولكن هذا يحتاج إلى عمل منظم».
هل ممكن أن تحل المساحات الصوتية
في تويتر بديلا عن محاضرات المساجد
يشير السيابي إلى أن هذه المساحات الصوتية «هي وسيلة من الوسائل ولكن ليست بديلا، والسر القوي في ذلك أن المساجد لها سر روحاني مقدس لا يوجد في غيرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر نورانية خاصة للمساجد في بعض الروايات الثابتة وهو قوله: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه في ما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده» ووجدت بعض الروايات في هذا الحديث «ما اجتمع قوم» عامة ولكن بيوت الله فضلها أعظم وأثرها أكبر، وشاهدها كذلك من كتاب الله عز وجل في سورة النور:« فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ» فهذه الآية وكأنها إجابة عن الآية الأولى الله نور السماوات والأرض» فجواب أين نجده وكيف نحصل عليه، جاء في هذه الآية «في بيوت أذن الله».»ويصرح الجهضمي بأن هذه «المساحات الصوتية هي ميادين ينبغي أن لا تترك، والمسجد له قدسيته وخصوصيته، من الروحانيات والإيمانيات التي لا تتوفر في غيره مثل وسائل التواصل أو ميادين أخرى، لذلك تنطلق منها الكوادر المؤمنة التي ارتبطت بالصلاة، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر في الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منه شابا متعلقا بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه؛ لأنه بمثابة انطلاقة الإشعاع الإيماني، وبمثابة المورد العذب للإيمانيات والتدبر وأخذ العلم الشرعي، فلا يقال إنها أصبحت بديلا عن المحاضرات أو حلق الذكر أو الدروس التي تكون في المساجد، هي ميادين، وكل يعمل في ميدانه، ولا يوجد تناقض بين أن تكون هنالك مساحات صوتية يحضرها الآلاف أو الملايين لسهولة الوصول إليها ولا يمنع أن تكون بالإضافة إلى ذلك وجود حلقات الذكر والمحاضرات في المساجد، ويمكن المجمع بين هذه الأدوات كلها، وحتى المساجد يمكن أن تكون رسالتها أكثر انتشارا مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي ووجود التقنيات الحديثة للاتصال فالمسجد أراده الله تعالى لكي يكون مثابة المورد الروحي للمؤمنين.»
ويشاطرهم الرأي محمود الندابي بقوله إن «المساحات الصوتية في تويتر أصبح لها شعبية كبيرة في الوقت الحالي كونها شيئا جديدا لم يكن موجودا من قبل، ولذلك ينبغي الاستفادة من هذه الخدمة لنشر الوعي والدعوة إلى الخير والصلاح بما يتيسر من الوسائل، وهنا رسالة أوجهها إلى كل من يستطيع أن يستفيد من هذه الخدمة أن ينظم ويخطط في كيفية الاستفادة ويختار المواضيع الشائقة التي تنتظرها الناس وترغب في مناقشتها وتتفاعل معها، أما بخصوص أن تكون هذه المساحات بديلا عن المحاضرات فلا يمكن ذلك؛ إذ يعد التواصل الجسدي المباشر بين المتحدث والملتقي من الأمور المهمة التي تساعد في التركيز والانتباه والاستحضار كما لها الأثر الكبير في التأثير والتواصل الحقيقي بينها، ويمكن تشبيه ذلك بالتعليم عن بعد باستخدام التقنيات فهي لا تغني أبدا عن التعليم المباشر.»
ويذهب سعود الفارسي أيضا إلى أنه «لا تغني المساحات الصوتية عن المحاضرات والدروس المسجدية؛ لأن للمسجد روحا وحياة وتأثيرا على الفرد بخلاف المساحات الصوتية، مع التنبيه على ضرورة استغلال هذه المساحات في الدعوة».
أكثر برامج التواصل الاجتماعية
تناسبا مع رسائل الدعوة
يقول السيابي «في الحقيقة من الصعب أن نقول إن هنالك وسيلة معينة أولى من غيرها كما يقول السيابي «لأن كل وسيلة لها ميزة قد لا تتوفر في غيرها، فمثلا الواتساب أكثر انتشارا لأن غالب الناس لديهم هذا البرنامج في هواتفهم، بينما البرامج الأخرى ليس بالضرورة أن يكون لكل أحد حساب فيها، ولكن هو ليس كغيره أيضا في التفرد في المخاطبة، وفي إمكانية التركيز كما في بعض البرامج، ولكنه يجمع ما يكون في برامج التواصل الاجتماعي الأخرى مثل تغريدات تويتر التي تنشر على الواتساب ومنشورات الفيسبوك والمقاطع المرئية من اليوتيوب وغيرها من البرامج التي يتضمنها النشر في الواتساب. وهذه الوسائل إذا استعملت في الخير فكل منها يغذي الدعوة إلى الله، وكذلك الناس مستويات وتوجهات ومشارب وأمزجة، فبعضهم يناسبه أحد البرامج أكثر من غيره من برامج وسائل التواصل الاجتماعي.»
بينما يرى الجهضمي أن هذا السؤال يجرنا إلى سؤال آخر وهو ما هي الوسائل الأكثر تأثيرا على المجتمع، فيقول: «هذا السؤال لا يمكن أن يجاب عنه جوابا عاما في كل مكان وزمان وعلى كل فئات المجتمع، هناك في بعض الدول العربية يكون فيها مثلا فيسبوك أكثر انتشارا من تويتر، ولكن في الدول الخليجية نجدها أكثر تأثرا بتويتر، فهو الأكثر شعبية وشهرة، هناك بعض القطاعات يهتم بها الشباب، كسناب شات وغيرها، وهنالك بعض وسائل التواصل الاجتماعي عملية أكثر لكنها أقل انتشارا، وهنالك بعض الوسائل أصبحت بمثابة حسابات أكاديمية ينشر فيها العلم كحسابات التلجرام وغيرها، فالحديث عن أكثر هذه البرامج تأثيرا أو تناسبا يعتمد على المجتمع ونطاق الدعوة، ويعتمد أيضا على الأمور التي يدعى الناس إليها باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف ثقافة المجتمع، والفئة المستهدفة، والمادة التي تبث من أجل الدعوة إلى الله تعالى.»
ويشير الندابي إلى أن «برامج التواصل متعددة ولكل واحد منها شعبية لدى فئة من الناس، ومن هنا يصعب تحديد برنامج دون آخر يكون مناسبا للدعوة، ولذلك ينبغي قدر المستطاع الاستفادة منها كلها بشتى الوسائل، ومع ذلك فليس المطلوب من كل شخص أن يكون متفاعلا في جميع برامج التواصل فهذا أمر صعب وقد يكون مستحيلا.
إلا أنه ينبغي أن يركز جهده ووقته في برنامج واحد يرى أنه يستطيع أن يفيد فيه ولديه القدرة التقنية في التعامل معه. ولعل أهم البرامج التي يتفاعل الناس معها الآن من خلال متابعتي الشخصية تويتر وانستجرام وسناب شات وتليجرام.»
تحديات أساليب الدعوة الحديثة
من أهم التحديات التي يراها السيابي في الدعوة من خلال برامج التواصل الاجتماعي هو أن «بعض الدعاة والمصلحين لا يوجد من يساندهم ويعينهم، فهو مقدم المحتوى وهو المعد والمصور والمنتج وينشر ويرد على التعليقات فكيف يستطيع أن يقدم في عدة وسائل من هذه الوسائل وهو يقوم بكل هذه الأمور بمفرده، فهذا يحتاج إلى تفرغ أو إلى فريق، وهنا دعوة أيضا للشباب القادرين على متابعة هذه البرامج وإعداد المحتوى والرفع فيها أن يكونوا عونا لمن لديه القدرة والمعرفة والإمكانية في تقديم النافع والمفيد.
ومن التحديات أيضا أن هذه البرامج يدخل فيها من يريد أن ينتفع ومن لا يريد، ويحاولون أن يسببون لغطا وإزعاجا في البرامج المقدمة كما حصلت لنا بعض التجارب في مثل ذلك.»
ويعدد الجهضمي هذه التحديات بقوله: « في الحقيقة التحديات تتعلق بعدة جوانب أولا جانب المحتوى: فالمحتوى الرائج الذي يروج للتفاهات أو الأمور التي ليست فيها رسائل إيجابية بل ربما تتضمن رسائل سلبية محتواها أكبر بكثير عن المحتوى الهادف، فهذا يجعل الدعوة تزاحم كما هائلا من المحتوى المختلط مع المسلمين وغير المسلمين، والمحتوى الهادف مع غير الهادف، والأفكار المختلطة من الحق والباطل، فينبغي أن يزاحم الدعاة هذا المحتوى كي يكون المحتوى المقبول على نطاق أوسع من المحتوى التافه.
الأمر الثاني طريقة عرض المحتوى، هنالك فنيات وطرق عرض الفكرة التي ينبغي أن تستخدم؛ لأنه قد تكون هناك فكرة سليمة ولكن طرقة عرضها غير جذاب، لأن العرض مثلا لدى القطاع التجاري في الإعلانات التجارية وغيرها عرض احترافي، ربما يكون المقطع من 5 ثوان أو عشر ثوان أو دقيقة لكنه يحتاج إلى طاقم فني كبير، وفرق عمل إنتاجي إعلامي يعرف كيف يؤثر في المتلقي، وهذا ما نفتقر إليه إلى حد كبير، يحتاج أن نستخدم الكوادر الفنية المحترفة في صناعة المحتوى من حيث الكيف، إضافة إلى الكم، والنوع.
أيضا من التحديات للدعوة الحديثة هو أن كثيرا من الناس عندما يدخل إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي تجذبه التسلية، والترفيه والكوميديا، والمقاطع التي ليست فيها جانب دعوي توعوي ولذلك كما يقال أن السوق العالمي الآن سوق الكوميديا ثم بعد ذلك سوق الألعاب، والرياضة، هي التي تحتل في الغالب جذب المتلقي، فينبغي أن تسخر هذه الأمور في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ومع الأسف فإن الكثير من الشباب والفتيات أكثر ما يشدهم جانب المحتوى التافه، لأنه لا يسترعي انتباها فكريا، ولا يستدعي جهدا عقليا، ولا يتطلب إصلاحا سلوكيا، فهو مجرد ترفيه يجذب الأسماع والأنظار، ولذلك نجد أن المحتوى المرئي أكثر رغبة من المحتوى المسموع، والمحتوى المسموع أكثر رغبة من المحتوى المقروء، فمثلا في الانستجرام، المحتوى المرئي سواء كان بالصور أو بمقاطع الفيديو، أكثر جذبا من المقاطع الصوتية التي قد تكون محاضرة أو موعظة أو فكرة أو نصيحة، ولذلك ينبغي إعادة صياغة هذه الأفكار كي تكون أكثر جذبا ومزاحمة للمحتوى التافه.»
ويرى الندابي أنه «لا يخلو أي عمل من تحديات تواجهه مع مرور الوقت وتعدد الفئات المستهدفة التي تتفاعل مع المتغيرات العصرية الحاصلة بشكل متسارع ولعل أهم تحدٍ من وجهة نظري أن معظم الجهود المبذولة جهود فردية وليست جهودا جماعية أو مؤسسية، ولذلك يظل تأثيرها وقوتها محدودة وقد يعتريها الخطأ والقصور، إضافة إلى أن التعامل مع هذه البرامج يتطلب معرفة وخبرة ومهارات تقنية لا يمكن لأي شخص أن يتقنها ويحتاج إلى مساعدين ومساندين له لكي تصل رسالته إلى أكبر شريحة ممكنة، ومن هذه التحديات أيضا ما تقوم بعض الجهات من حملات مغرضة لإبراز بعض الشخصيات التي تعد من المشاهير وهي في حقيقة الأمر خاوية الوفاض لا تحمل أي رسالة أو قيمة سامية تسعى لها وإنما تشغل الناس عن اهتماماتها وأهدافها.»
في حين يرى الفارسي إلى أنه: «من أكبر التحديات هي في كيفية الموازنة بين الدعوة المسجدية وبين الدعوة الإلكترونية، كذلك هناك تحدٍّ كبير في تثبيت القيم والمبادئ في نفوس الناس في ظل هذا الطوفان الجارف من الفساد الأخلاقي».
