No Image
عمان العلمي

هل سبقت بغداد العالم في اكتشاف البطاريات؟

17 يناير 2024
17 يناير 2024

لم يعرف فولتا – أول مخترع مسجل للبطارية - بطاريات بغداد ولكنه حتما لو رآها لاندهش، ولكانت سجلت كدليل آخر على تطور الشعوب القديمة. يُعتقد أن بطارية ترجع لأكثر من 2000 عام من الفترة البارثية، تم العثور عليها في خوجة رابو، خارج بغداد، بين ركام المدينة الأثرية من قبل العمال، وقد كانت عبارة عن جرة مصنوعة من الطين الأصفر بطول 13.5 سم تحتوي على سدادة مصنوعة من الأسفلت، ويظهر عبر الأسفلت قضيب حديدي محاط بأسطوانة نحاسية، وعند ملئها بالخل - أو أي محلول كهرليتي آخر - تنتج هذه الجرة العجيبة حوالي 1.1 فولت.

ولكن لماذا ابتكر البابليون هذه البطاريات؟ إن الرواية الأكثر قبولًا وملائمة لاستخدام هذا الاكتشاف السابق لعصره ترجح أن الجرة كانت تستخدم لطلاء التماثيل بالفضة والذهب. كما قيل إنها استُخدمت لحفظ النصوص المقدسة في الورق البريدي، وحتى في العلاج بالإبر حيث عُثر على إبر داخل المكان نفسه. ومع ذلك، كما قلنا سابقًا، يُعتبر الاستخدام الأكثر قبولا هو طلاء المواد، حيث يتم ترسيب طبقة من الذهب على سطح السبائك مثل النحاس أو الفضة، باعتبار النحاس أو الفضة القطب الموجب الذي يتم تطبيقه على السطح، بينما يتم تحليل القطب السالب- الذي لم يُعثر عليه بعد، ويُتوقع أن يكون الذهب- لتحرير الإلكترونات التي تتحرك نحو القطب الموجب وتترسب على سطح السبيكة.

البطاريات كما نعرفها اليوم

في القرن الثامن عشر وتحديدًا في 1780، قام العالم الإيطالي لوكا فولتا بابتكار أول خلية كهروكيميائية معترف بها عالميا، وقد أصبحت تعرف لاحقًا باسم «خلية فولتا». استند عمل هذه الخلية على تفاعل كيميائي بين قطبين مختلفين لإنتاج فرق جهد كهربائي. وفي القرن التاسع عشر، قام العالم البريطاني جون فريدريش دانييل في عام 1836 بتطوير خلية دانييل، التي تعتمد أيضًا على تفاعل كيميائي بين قطبين مغمورين في محلول كهل. واستُخدمت هذه الخلية في الأبحاث العلمية وتشغيل الأجهزة الكهربائية البدائية. وفي عام 1888، ابتكر العالم الألماني هودولتس هوفمان خلية هوفمان، وهي نوع من الخلايا الكهروكيميائية التي تُستخدم في إنتاج الهيدروجين.

أما في القرن العشرين، فتطورت الخلايا الكهروكيميائية بشكل كبير، حيث استُخدمت في مجالات متنوعة من الصناعة إلى التكنولوجيا الفضائية وتطبيقات البطاريات. في عام 1939، ابتكر العالم الأمريكي فرانشيس س. ألدريتش خلية القلوية، وهي نوع آخر من الخلايا الكهروكيميائية تستخدم محلولًا قلويًا بدلا من حمضي. أما في عام 1959، فابتكر المهندس الكيميائي الأمريكي ويلارد ليبرمان خلية الفلوريد، وهي نوع متقدم من الخلايا الكهروكيميائية تستخدم الفلوريد كمذيب.

أكثر من مجرد حافظة للطاقة !

إن أكثر ما يميز اختراع الخلايا الكهروكيميائية هي استخداماتها المتنوعة التي لا تندرج فقط تحت الفكرة المعروفة وهي تخزين الطاقة بل هنالك أمر يجعلها أكبر من ذلك وهو تحرير الإلكترونات، قد تتساءل ما المميز في ذلك؟ إن قدرتنا على تحرير الإلكترونات تعني أن يمكن للخلية ليس فقط إنتاج فرق جهد وإنتاج تيار بل وهو الأكثر إمتاعا هو أن إخضاع الخلية لتغيرات بسيطة في الأقطاب يمكن أن يجعلها تستهدف إلكترونات معينة لتحررها ومواد جديدة لتصنعها. قد يبدو الأمر مربكا!

لنفهم هذا بشكل أفضل، دعونا نأخذ مثالًا بطاريات السيارة التي تعتبر خلايا كهروكيميائية تتألف من قطبين، القطب السالب من الرصاص والقطب الموجب من أكسيد الرصاص مغمورين في حمض الكبريتيك. هنا، تُنتج البطارية الكهرباء اللازمة للسيارة. والمدهش هو أنه بتبديل الأقطاب إلى قطبين من الجرافيت وضخ الماء النقي إلى الخلية، يمكن للخلية أن تنتج الهيدروجين والأكسجين. في هذا السياق، تكون الغازات الناتجة هي الهدف الرئيسي للخلية، بينما في بطارية السيارة يكون الهدف هو إنتاج تيار كهربائي عبر فرق الجهد. يُظهر ذلك أيضًا في بطاريات بغداد حيث قام تغيير الأقطاب بإنتاج آلية للطلاء وإلى آخره من تطبيقات طبية وتطبيقات أخرى لتوفير الطاقة في مجال الفضاء.