No Image
عمان العلمي

الأمية الجديدة .. بعيدًا عن الأبجدية «الذكاء الاصطناعي وما يخبئه للعالم»

17 يناير 2024
17 يناير 2024

في‭ ‬ستينيات‭ ‬وسبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬الأمية‭ ‬تُعرّف‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الأمية‭ ‬الأبجدية،‭ ‬وهي‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬يفتقر‭ ‬فيها‭ ‬الشخص‭ ‬إلى‭ ‬مهارات‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬انفجار‭ ‬المعلومات‭ ‬وتوسع‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمية‭ ‬الرقمية‭.‬‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬التقنيات‭ ‬الرقمية‭ ‬والحواسيب‭ ‬الشخصية‭ ‬عائقًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬أمام‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.‬ وفي‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة،‭ ‬يمكن‭ ‬الجزم‭ ‬بأننا‭ ‬نشهد‭ ‬ظهور‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الأمية،‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأمية‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬نقص‭ ‬المهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التطبيقات‭ ‬والأنظمة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬تطبيقات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬سواء‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬بتلك‭ ‬التطبيقات‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬فالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬نستخدمها‭ ‬بشكل‭ ‬يومي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هواتفنا‭ ‬الذكية‭.‬ عندما‭ ‬تلتقط‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬هاتفك‭ ‬الذكي،‭ ‬تنشط‭ ‬خوارزميات‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الوجوه‭ ‬لتحديد‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يظهرون‭ ‬في‭ ‬الصورة،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الخوارزميات‭ ‬بتجميع‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أشخاص‭ ‬قد‭ ‬تعرفهم‭ ‬وتضع‭ ‬علامات‭ ‬تعريفية‭ ‬عليها‭. ‬وعندما‭ ‬تشارك‭ ‬وتتفاعل‭ ‬مع‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تقوم‭ ‬خوارزميات‭ ‬نظم‭ ‬التوصية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التطبيقات‭ ‬بتقديم‭ ‬مقترحات‭ ‬مخصصة‭ ‬لك‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬هذه‭ ‬المقترحات‭ ‬أشخاصا‭ ‬تهتم‭ ‬بمتابعتهم،‭ ‬أو‭ ‬قصصا‭ ‬تستحق‭ ‬القراءة،‭ ‬أو‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعجبك‭. ‬وكلما‭ ‬قضيت‭ ‬وقتًا‭ ‬أطول‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هاتفك،‭ ‬زادت‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الخوارزميات‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬تفضيلاتك‭ ‬وتحسين‭ ‬توصياتها‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬تفاعلاتك‭ ‬السابقة،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تقدما‭ ‬مستمرا‭ ‬في‭ ‬ذكاء‭ ‬النظم‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الرقمية‭.‬ الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ .. ‬فكرة‭ ‬قديمة‭ ‬ ويمكن‭ ‬الجزم‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬آلة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬كان‭ ‬حلما‭ ‬يراود‭ ‬اﻹنسان‭ ‬منذ‭ ‬عصور‭ ‬قديمة،‭ ‬ففي‭ ‬اليونان‭ ‬القديمة،‭ ‬اقترح‭ ‬الفيلسوف‭ ‬أرسطو‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬آلة‭ ‬التفكير‮»‬‭ ‬في‭ ‬أطروحته‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالروح‭ ‬‮«‬De Anima‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬اقترح‭ ‬عالم‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفيلسوف‭ ‬رينيه‭ ‬ديكارت‭ ‬فكرة‭ ‬بناء‭ ‬آلة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الحيوان‭ ‬الآلي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تخيل‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تمثيل‭ ‬عمليات‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬بواسطة‭ ‬آلة‭ ‬ميكانيكية،‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬القديمة‭ ‬كانت‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭ ‬لاهتمام‭ ‬البشر‭ ‬بتطوير‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وتطوير‭ ‬آلات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭.‬ وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قدم‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬ذكاء‭ ‬الآلة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬خمسينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬يعتبر‭ ‬الانطلاقة‭ ‬الحقيقة‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كمجال‭ ‬بحثي‭ ‬مستقل،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الانطلاقة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬مع‭ ‬اقتراح‭ ‬آلان‭ ‬تورينج‭ ‬لاختبار‭ ‬تورينج‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬المحورية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬الآلات‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬سلوك‭ ‬ذكي‭ ‬لا‭ ‬يميز‭ ‬عن‭ ‬سلوك‭ ‬البشر‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1951‭ ‬تم‭ ‬كتابة‭ ‬أول‭ ‬برامج‭ ‬عملية‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لجهاز‭ (‬Ferranti Mark 1‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬أساسًا‭ ‬لتطبيقات‭ ‬عملية‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬ وقد‭ ‬شهدت‭ ‬الستينات‭ ‬تقدمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬مع‭ ‬إنشاء‭ ‬جون‭ ‬مكارثي‭ ‬للغة‭ ‬برمجة‭ (‬LISP‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬1958‭ ‬وإدخال‭ ‬شركة‭ ‬جنرال‭ ‬موتورز‭ ‬للروبوتات‭ ‬في‭ ‬خطوط‭ ‬تجميع‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1961‭. ‬و‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النجاحات،‭ ‬جلبت‭ ‬سنوات‭ ‬السبعينيات‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬شتاء‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬نفدت‭ ‬الأموال‭ ‬بسبب‭ ‬الوعود‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها‭ ‬وعدم‭ ‬التسليم‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تغيرت‭ ‬الموازين‭ ‬مع‭ ‬تطوير‭ ‬لغة‭ ‬البرمجة‭ (‬PROLOG‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬1972‭ ‬وبرنامج‭ (‬MYCIN‭) ‬الذي‭ ‬أظهر‭ ‬نهجًا‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬للتشخيص‭ ‬الطبي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1974‭.‬ شهدت‭ ‬التسعينات‭ ‬عودة‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬مع‭ ‬هزيمة‭ ‬برنامج‭ ‬ديب‭ ‬بلو‭ ‬لشركة‭ ‬آي‭ ‬بي‭ ‬أم‭ (‬IBM‭) ‬لبطل‭ ‬الشطرنج‭ ‬العالمي‭ ‬غاري‭ ‬كاسباروف‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997‭. ‬وجلبت‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬ابتكارات‭ ‬مثل‭ (‬AIBO‭) ‬من‭ ‬شركة‭ ‬سوني،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأليفة‭ ‬الذكية‭ ‬الاصطناعية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬والرومبا‭ (‬Roomba‭) ‬لـشركة‭ ‬آي‭ ‬روبوت‭ (‬iRobot‭) ‬،‭ ‬أول‭ ‬مكنسة‭ ‬كهربائية‭ ‬ذكية‭ ‬مستقلة‭ ‬سوقت‭ ‬للمستهلك‭ ‬العادي،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2002‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬ظهرت‭ ‬نجاحات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬واستخدام‭ ‬اللغات‭ ‬الطبيعية‭ ‬عندما‭ ‬هزمت‭ ‬آي‭ ‬بي‭ ‬أم‭ (‬IBM‭) ‬ببرنامجها‭ ‬واتسون‭ (‬WATSON‭) ‬أبطال‭ ‬برنامج‭ ‬لعبة‭ (‬Jeopardy‭!)‬،‭ ‬وبدأت‭ ‬تطبيقات‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬مثل‭ ‬Siri‭ ‬وGoogle Now‭ ‬وCortana‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬اللغة‭ ‬الطبيعية‭ ‬للإجابة‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭.‬ في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬شهدت‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تطورات‭ ‬مذهلة‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬أدت‭ ‬نماذج‭ ‬الانتشار‭ (‬Diffusion‭) ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬هندسة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لتوليد‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬الوصف‭ ‬النصي‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬نماذج‭ ‬مثل‭ (‬GPT‭) ‬و‭(‬BERT‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬هندسة‭ ‬المحولات‭ (‬Transformers‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬مكنت‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬نصوص‭ ‬ذي‭ ‬جودة‭ ‬عالية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬استفسار‭ ‬المستخدم‭. ‬برنامح‭ (‬DALL-E‭) ‬من‭ ‬شركة‭ (‬OpenAI‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إصداره‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬عرض‭ ‬إمكانيات‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬المفاهيم‭ ‬النصية‭ ‬وتقديم‭ ‬صور‭ ‬وفقًا‭ ‬لهذه‭ ‬المفاهيم‭. ‬استمرت‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬مع‭ ‬إصدار‭ ‬نماذج‭ ‬الانتشار‭ ‬الكامن،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬أدوات‭ ‬تحويل‭ ‬النصوص‭ ‬إلى‭ ‬صور‭ ‬مثل‭ ‬DALL-E 2‭ ‬وMidjourny‭ ‬وStable Diffusion‭.‬ بشكل‭ ‬لافت‭ ‬للنظر،‭ ‬شهد‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬إصدار‭ (‬ChatGPT‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬ثوري‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬بتنسيق‭ ‬حواري‭ ‬يمكّن‭ (‬ChatGPT‭) ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬المتابعة‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالأخطاء‭ ‬وتحدي‭ ‬الافتراضات‭ ‬غير‭ ‬الصحيحة‭ ‬ورفض‭ ‬الطلبات‭ ‬غير‭ ‬الملائمة،‭ ‬وهذه‭ ‬النماذج‭ ‬كانت‭ ‬قفزة‭ ‬مهمة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬فتحت‭ ‬الأبواب‭ ‬لإمكانيات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬والمشاركة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬رحلة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬من‭ ‬بدايتها‭ ‬حتى‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬تعكس‭ ‬مسارًا‭ ‬ملحميًا‭ ‬للابتكار‭ ‬والتحديات‭ ‬والاختراقات‭ ‬التحولية،‭ ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬يمكننا‭ ‬توقع‭ ‬رؤية‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬الرائدة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المبتكرة‭ ‬التي‭ ‬ستوجد‭ ‬شكلا‭ ‬جديدًا‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والآلة‭.‬ آلات‭ ‬متعلمة‭ ‬ إن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعلم‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬فهي‭ ‬تساعده‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬فالإنسان‭ ‬يولد‭ ‬بمهارات‭ ‬بسيطة‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬الإدراك‭ ‬والاستجابة‭ ‬لمحيطه‭ ‬الخارجي،‭ ‬ولكن‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التعلم،‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬تجعله‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬تتراوح‭ ‬من‭ ‬البسيط‭ ‬منها‭ ‬مثل‭ ‬كتابة‭ ‬قائمة‭ ‬المشتريات‭ ‬الأساسية‭ ‬لليوم،‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬المعقدة‭ ‬مثل‭ ‬استنباط‭ ‬النظريات‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬الكون‭. ‬ لذا،‭ ‬فتصميم‭ ‬آلات‭ ‬تحاكي‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬التعلم‭ ‬يعتبر‭ ‬أمرا‭ ‬صعبا،‭ ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬السؤال،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة،‭ ‬ولماذا‭ ‬نريد‭ ‬من‭ ‬الآلة‭ ‬أن‭ ‬تتعلم،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬تطبيقات‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وكيف‭ ‬ساهم‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬التوليدي؟ قبل‭ ‬التطرق‭ ‬لمفهوم‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة،‭ ‬لنقف‭ ‬قليلا‭ ‬للكيفية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تحويل‭ ‬فكرة‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬برنامج‭ (‬أو‭ ‬نظام‭) ‬حاسوبي‭. ‬غالبا‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬يتم‭ ‬العمل‭ ‬به‭ ‬بهدف‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬لأنه‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬فرصة‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مهمة‭ ‬محددة‭. ‬في‭ ‬البرمجة‭ ‬التقليدية‭ ‬يتم‭ ‬تحويل‭ ‬الفكرة‭ ‬إلى‭ ‬برنامج‭ ‬حاسوبي‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتابة‭ ‬الشيفرة‭ ‬المصدرية‭ (‬Source Code‭) ‬لتنفيذ‭ ‬خوارزمية‭ ‬محددة،‭ ‬والخوارزمية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬الصارمة‭ ‬والمتسلسلة‭ ‬المصممة‭ ‬لحل‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬لإجراء‭ ‬مهمة‭ ‬معينة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لنفترض‭ ‬أننا‭ ‬نريد‭ ‬كتابة‭ ‬برنامج‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصور،‭ ‬ففي‭ ‬الحالة‭ ‬يتم‭ ‬كتابة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬نوع‭ ‬الهاتف،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الشكل،‭ ‬والحجم،‭ ‬واللون‭.‬ هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البرمجة‭ ‬له‭ ‬محدوديته‭. ‬أولا،‭ ‬البرنامج‭ ‬سيكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬الهواتف،‭ ‬وإذا‭ ‬أردنا‭ ‬للنظام‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الهواتف،‭ ‬فإنه‭ ‬سيتعين‭ ‬علينا‭ ‬تعديل‭ ‬الشيفرة‭ ‬المصدرية‭ ‬للنظام‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬ثانيا،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الهواتف،‭ ‬فإن‭ ‬كتابة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬لتحديد‭ ‬نوع‭ ‬الهاتف‭ ‬من‭ ‬الخلال‭ ‬الصور،‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الهين،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ممكنا‭ ‬باستخدام‭ ‬طرق‭ ‬البرمجة‭ ‬التقليدية‭.‬ هنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬أنظمة‭ ‬تتعلم‭ ‬وتتكيف‭ ‬تلقائيا‭ ‬مع‭ ‬أنواع‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬البينات‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬برمجةٍ‭ ‬صريحة،‭ ‬فبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬المثال‭ ‬السابق،‭ ‬لبناء‭ ‬نظام‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬من‭ ‬الصور،‭ ‬نقوم‭ ‬بجمع‭ ‬بيانات‭ ‬مصنفة‭ ‬حسب‭ ‬النوع،‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬الهواتف‭ ‬المراد‭ ‬التعرف‭ ‬إليها،‭ ‬وبعدها‭ ‬يتم‭ ‬تدريب‭ ‬النظام‭ ‬باستخدام‭ ‬هذه‭ ‬البينات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الخوارزميات‭ ‬وذلك‭ ‬لاستنباط‭ ‬نماذج‭ ‬حسابية‭ ‬للبيانات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التدريب‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يتم‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬وذلك‭ ‬للتنبؤ‭ ‬بدقة‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬بيانات‭ ‬جديدة‭ ‬غير‭ ‬مرئية،‭ ‬مثل‭ ‬صورة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المثال‭ ‬المذكور‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬وإذا‭ ‬أردنا‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬أنواع‭ ‬جديدة،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نحتاجه‭ ‬هو‭ ‬أمثلة‭ ‬جديدة‭ ‬لهذه‭ ‬الأنواع‭ ‬يتم‭ ‬إضافتها‭ ‬إلى‭ ‬البيانات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬الآلة‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعديل‭ ‬الشيفرة‭ ‬المستخدمة‭. ‬هذا‭ ‬يجعل‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬وقوة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬والبيانات‭.‬ آلية‭ ‬تطوير‭ ‬النماذج‭ ‬ المعتمدة‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة يمكننا‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭: ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬الخاضع‭ ‬للإشراف‭ ‬وتعلم‭ ‬الآلة‭ ‬غير‭ ‬الخاضع‭ ‬للإشراف‭. ‬فالمثال‭ ‬السابق‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬النوع‭ ‬الأول،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تزويد‭ ‬خوارزمية‭ ‬التعلم‭ ‬ببيانات‭ ‬معروفة‭ ‬مسبقا،‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬الإجابات‭ ‬المرجوة‭ (‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تصنيف‭ ‬الصور‭ ‬إلى‭ ‬فئات‭ ‬معينة‭). ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬توجيه‭ ‬النموذج‭ ‬لضبط‭ ‬نفسه‭ ‬تلقائيا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الأداء‭ ‬الأمثل‭.‬ بالمقابل،‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬غير‭ ‬الخاضع‭ ‬للإشراف،‭ ‬فإن‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬للخوارزميات‭ ‬هو‭ ‬اكتشاف‭ ‬الهياكل‭ ‬والأنماط‭ ‬المخفية‭ ‬في‭ ‬البيانات‭ ‬غير‭ ‬المصنفة،‭ ‬حيث‭ ‬يكتشف‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬الأنماط‭ ‬والترتيبات‭ ‬المخفية‭ ‬في‭ ‬البيانات‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬التشابه‭ ‬والعلاقات‭ ‬بين‭ ‬نقاط‭ ‬البيانات،‭ ‬ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬ليؤدي‭ ‬دورًا‭ ‬حيويًا‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬حل‭ ‬لمجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامه‭ ‬لتجميع‭ ‬البيانات‭ ‬في‭ ‬مجموعات‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬متشابهة،‭ ‬مثل‭ ‬تجميع‭ ‬العملاء‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬عادات‭ ‬الشراء‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬الاحتيال‭ ‬والغش‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اكتشاف‭ ‬أنماط‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬في‭ ‬البيانات،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اكتشاف‭ ‬عمليات‭ ‬الاحتيال‭ ‬في‭ ‬المعاملات‭ ‬المصرفية‭.‬ إنَّ‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأمثلة‭ ‬والبيانات‭ ‬يعتبر‭ ‬أهم‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬المستخدمة‭ ‬اليوم‭ ‬باتفاق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مع‭ ‬الانفجار‭ ‬المعلوماتي‭ ‬الذي‭ ‬صاحب‭ ‬انتشار‭ ‬الشبكة‭ ‬العالمية‭ ‬والشبكة‭ ‬العنكبوتية،‭ ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬فإن‭ ‬تطبيقات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المنطق‭ ‬وطرق‭ ‬التفكير‭ ‬المنطقي،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬التطبيقات‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬نجاحات‭ ‬كبيرة،‭ ‬بعكس‭ ‬التقنيات‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة،‭ ‬وأحد‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬هو‭ ‬استكشاف‭ ‬فرضيات‭ ‬تتعلق‭ ‬بالكيفية‭ ‬التي‭ ‬يتعلم‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان،‭ ‬وخلصت‭ ‬بعض‭ ‬التجارب‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬بطريقة‭ ‬منطقية،‭ ‬لكن‭ ‬يستخدم‭ ‬طرق‭ ‬تفكير‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬الأمثلة‭ ‬والتجارب‭ ‬السابقة‭.‬ وأحد‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الشبكات‭ ‬العصبونية‭ ‬الاصطناعية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تحاكي‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬تركيب‭ ‬ووظائف‭ ‬الشبكات‭ ‬العصبية‭ ‬في‭ ‬الدماغ‭ ‬البشري،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬اللبنة‭ ‬الأساسية‭ ‬لهذه‭ ‬الشبكات‭ ‬هي‭ ‬الخلايا‭ ‬العصبية،‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬الشبكة‭ ‬العصبية‭ ‬في‭ ‬أدمغتنا‭ ‬البشرية،‭ ‬تأخذ‭ ‬هذه‭ ‬الخلية‭ ‬العصبية‭ ‬الاصطناعية‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬المدخلات،‭ ‬تقوم‭ ‬بتجميعها،‭ ‬ثم‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬معادلة‭ ‬رياضية‭ ‬تعطي‭ ‬مخرجات‭ ‬الخلية‭ ‬العصبية‭. ‬تتكون‭ ‬الشبكة‭ ‬العصبونية‭ ‬الاصطناعية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخلايا‭ ‬العصبية‭ ‬المترابطة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬في‭ ‬طبقات‭ ‬الإدخال‭ ‬والإخراج‭ ‬وطبقات‭ ‬بينية‭. ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الشبكة‭ ‬تمثيل‭ ‬أنماط‭ ‬بيانية‭ ‬معقدة‭ ‬بشكل‭ ‬مبسط‭ ‬بواسطة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدوال‭ ‬الرياضية‭.‬ أحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬البارزة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الشبكات‭ ‬العصبونية‭ ‬الاصطناعية‮»‬‭. ‬تم‭ ‬تصميم‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬لتقليد‭ ‬تركيب‭ ‬ووظائف‭ ‬الشبكات‭ ‬العصبية‭ ‬في‭ ‬أدمغة‭ ‬البشر‭. ‬تعتمد‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬على‭ ‬وحدات‭ ‬تُعرف‭ ‬بالخلايا‭ ‬العصبية‭ ‬الاصطناعية‭ ‬كوحدات‭ ‬أساسية‭. ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الخلايا‭ ‬بأخذ‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المدخلات،‭ ‬وتجميعها،‭ ‬ثم‭ ‬تطبيق‭ ‬معادلات‭ ‬رياضية‭ ‬تُمثل‭ ‬عملية‭ ‬الاحتساب‭ ‬النخبي‭ ‬لهذه‭ ‬الخلايا‭.‬ تتكون‭ ‬الشبكة‭ ‬العصبونية‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬الرسم‭ ‬التوضيحي‭ ‬2،‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخلايا‭ ‬العصبية‭ ‬المترابطة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬طبقات‭ ‬مختلفة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الطبقات‭ ‬الأولى‭ (‬الإدخال‭) ‬والطبقات‭ ‬الوسطى‭ (‬الإخفاء‭) ‬والطبقات‭ ‬الأخيرة‭ (‬الإخراج‭). ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الشبكة‭ ‬تمثيل‭ ‬أنماط‭ ‬بيانية‭ ‬معقدة‭ ‬بشكل‭ ‬مبسط‭ ‬باستخدام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدوال‭ ‬الرياضية‭.‬ الشبكة‭ ‬العصبونية‭ ‬الاصطناعية ‭ ‬ تعتبر‭ ‬الشبكات‭ ‬العصبونية‭ ‬الاصطناعية‭ ‬أساسًا‭ ‬لما‭ ‬يُعرف‭ ‬اليوم‭ ‬بمجال‭ ‬‮«‬التعلم‭ ‬العميق‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يُعزى‭ ‬إليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النجاحات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مؤخرًا‭. ‬تطبيقات‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬تشمل‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬مثل‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الصوت‭ ‬والصور‭ ‬ومعالجة‭ ‬اللغة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وقد‭ ‬ساهم‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الشبكات‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الأنظمة‭ ‬الذكية‭ ‬والتطبيقات‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وأحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النظم‭ ‬هو‭ ‬برنامج‭ ‬الـ‭(‬ChatGPT‭) ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬عصبونية‭ ‬عميقة،‭ ‬ويقاس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬نظم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬التوليدي‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬العالم‭ ‬مؤخرا‭.‬ على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الأسس‭ ‬العلمية‭ ‬للتعلم‭ ‬العميق‭ ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نجاحاته‭ ‬لم‭ ‬نشهدها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الأخيرة‭. ‬وهذا‭ ‬يعزى‭ ‬إلى‭ ‬سببين‭ ‬رئيسين‭: ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬تطور‭ ‬سرعة‭ ‬المعالجات‭ ‬واستخدام‭ ‬معالجات‭ ‬متخصصة‭ ‬لتدريب‭ ‬نماذج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مثل‭: ‬معالجات‭ ‬الرسوميات‭ (‬GPU‭) ‬ومعالجات‭ ‬المتجهات‭ ‬الرياضية‭ (‬TPU‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬قللت‭ ‬هذه‭ ‬المعالجات‭ ‬من‭ ‬المدة‭ ‬الزمنية‭ ‬لتطوير‭ ‬نماذج‭ ‬متقدمة‭ ‬للبيانات‭ ‬المستخدمة‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬توفر‭ ‬بيانات‭ ‬ضخمة‭ ‬ومصنفة‭ ‬تسمح‭ ‬بتدريب‭ ‬نماذج‭ ‬تعلم‭ ‬عميق‭ ‬ذات‭ ‬دقة‭ ‬عالية‭.‬ ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬والتعلم‭ ‬العميق‭ ‬كونهما‭ ‬أنجع‭ ‬حلول‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬المختصون‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬حيث‭ ‬ستستخدم‭ ‬تقنيات‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأمثلة‭ ‬في‭ ‬تطبيقات‭ ‬مستقبلية‭ ‬متنوعة،‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تقدم‭ ‬ملموس‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬والتمويل،‭ ‬والأتمتة‭ ‬الصناعية،‭ ‬والسيارات‭ ‬الذكية،‭ ‬والروبوتات،‭ ‬وغيرها‭. ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأمثلة‭ ‬والبيانات،‭ ‬يمكن‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أن‭ ‬يواصل‭ ‬تحقيق‭ ‬إنجازات‭ ‬مذهلة‭ ‬وتقديم‭ ‬حلول‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬البشرية‭.‬ إن‭ ‬التحول‭ ‬نحو‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الذكية‭ ‬أصبح‭ ‬أمرًا‭ ‬حتميًا،‭ ‬وهذا‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاسترتيجيات‭ ‬الوطنية‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬الابتكار‭ ‬وتحقيق‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتقنيات‭ ‬الحديثة‭.‬ وفي‭ ‬ظل‭ ‬التنافس‭ ‬العالمي،‭ ‬يظهر‭ ‬التفوق‭ ‬البارز‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬الاستنثمار‭ ‬وتطوير‭ ‬التقنيات‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬قياس‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الحكومية‭ ‬بدقة،‭ ‬فإن‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬توجيهات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬فعّالة‭.‬ من‭ ‬خلال‭ ‬تشجيع‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير،‭ ‬وتعزيز‭ ‬حوكمة‭ ‬التقنيات‭ ‬الذكية،‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والقضايا‭ ‬الاخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المستقبلية‭ ‬مثل‭ ‬المسائل‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تستدعي‭ ‬حوارًا‭ ‬دوليًا‭ ‬لوضع‭ ‬أطر‭ ‬قانونية‭ ‬فعّالة‭ ‬وأخلاقية‭.‬ سلطنة‭ ‬عمان،‭ ‬بقيادة‭ ‬حكومية‭ ‬حكيمة،‭ ‬وتفاني‭ ‬المؤسسات،‭ ‬تسعى‭ ‬جاهدة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬التدريب‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعكس‭ ‬إلتزامًا‭ ‬لتطوير‭ ‬بنية‭ ‬رقمية‭ ‬حديثة‭ ‬وتحفيز‭ ‬الابتكار‭.‬ في‭ ‬الختام،‭ ‬يظهر‭ ‬الالتزام‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬بالابتكار،‭ ‬وتعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬استعدادًا‭ ‬للتحديات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وهذا‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬والعالمي،‭ ‬وسوف‭ ‬يعزز‭ ‬مكانتها‭ ‬كلاعب‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬التكنولوجيا والابتكار.